"أثير" ريام الحاج معرضاً في غاليري "زوايا" بدمشق رؤية استشرافية تخرح من تحت الأنقاض وصرخات التمزق

الدكتور مازن أكثم سليمان أقيم بين 1 و10 آب/ أغسطس الماضي المعرض الفردي الأول للفنانة التشكيلية السورية ريام الحاج في غاليري "زوايا" بدمشق، وكان بعنوان "أثير". انطلاقاً من عتبة العنوان أقول: إذا كان المعنى المعجمي لـ"الأثير" هو "المُفضَّلُ على غيرهِ"، فإنَّ الخط الأزرق في لوحات المعرض يستمد مكانته التَّفضيليَّة هذه انطلاقاً من دلالة الأثير الفيزيائية القديمة التي تعني أنه الوسط الافتراضي الذي يعم الكون، متخللاً جميع أجزائه، بوصفه حامل الضوء الذي يتحرك في موجات عبر الفراغات الكونية؛ أي: إنه الوسط الذي افترضه علماء الفيزياء لتعليل انتقال الضوء في الفراغ. خط الأثير يمثل في هذه التجربة المُعادِل التشكيلي/ الموضوعي المُقاوِم رمزياً للفراغات والخلخلات والانقطاعات المعقدة التي فرضها عصر العولمة الرقمية والفضاء الافتراضي الإلكتروني على طبيعة حياتنا وأسئلتنا التفصيلية اليومية والمصيرية الكبرى. ويبدو أنَّ هذا الفهم الذي أسست الرسامة نقطة انطلاق معرضها عليه، هو ما سعت إلى توظيفه مجازياً عبر تحرير لون الأثير (الأزرق في لوحاتها) في مساحات مفتوحة وواسعة ارتماءً في ما ينطوي عليه هذا الأزرق من طاقة خيال وحدس واستقرار. لهذا؛ تكاد تخلو هذه اللوحات من عناصر الجاذبية الأرضية خُلُوَّاً يُواكِب أزمات الإنسان الراهنة، واستحقاقاته القاسية الملحة. فهو الكائنُ الأعزَلُ الذي يكافح في هذا العصر ضد غربته واغترابه وآلام وحشته ورعبه وقلقه الحياتي والوجودي ابتداءً بصراعات المَعيش والصحة والطاقة والبيئة، مروراً بصراعات الثقافات والهويات القاتلة ومحنة الاختلاف والمُختلِف، وانتهاءً بصراعات السياسات والثروات والنفوذ وإرادات القوة والقوى والدول. لذلك حرصت البنية التشكيلية في اللوحات على ممارسة ألاعيب الإيحاء النفسي المُوارِب، عبر آلية ربما تسمح باستعارة مفهوم جان كوهن الشكلاني البنيوي عن الانزياح في كتابه الشهير "بنية اللغة الشعرية"، وتوظيفه هنا في اللغة البصرية لتفسير آليات أو كيفيات تجربتها الفنية في إغواء المتلقي عبر مرحلتين متكاملتين: مرحلة الانزياح ومرحلة تقليص الانزياح. الأولى هي المرحلة الناهضة...