الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"مَوئل الذكريات"... لوحة البيت المهجور من رأس بعلبك لشوقي دلال

المصدر: "النهار"
من اللوحة.
من اللوحة.
A+ A-

الدكتورة بهية الطشم*

ينبض قلب المكان المهجور بالحنين والاشتياق لأصحابه، وتُحاكي حجارته طيف سُكّانه... إنّها لغة الشّوق التي لا تفقهها إلاّ القلوب المُرهفة في زمن القحط العاطفيّ.

يزخر موطن الدفء، وموئل العاطفة بالمناجاة لزمن الذكريات الجميلة، إذ ترمق أعيننا أروقة المنزل بتأمّل فائق، حيث  تكاد تروي كل زاوية فيه حكاية  مختلفة عاشها أصحابه، وفي الوقت عينه تنفذ الأنوار السّاطعة من النافذة في أعلى البيت لتقتل ظلام الغُربة الدامس.

تستشرف الشّرفة آفاق الوجد وتستحضر عبق الوجدان المتناثر في حنايا الأيقونة إلى مسرح المكان ومرتع الأمان وحضن الطمأنينة، وكذلك تشتاق الأبواب المُوصدة إلى توافد الزائرين.

ولعلّنا نستحضر في هذا السّياق تحليلات أبرز الفلاسفة حيال أهمّ المقولات الوجوديّة، حيث نلتمس أبرزها في مقولتي الزّمان والمكان، فتتجلّى الظروف الزمكانية في أرجاء وجودنا.

ولا غرو، فذاكرة الإحساس ترتبط ارتباطاً لا انفصام فيه بحنايا المكان أو الموطن، وسريان الزّمان، فـ"الموطن هو قلب المكان,والمكان هو جزء من كياننا"، على حدّ قول المفكّر ماكس كافارد.

هذه المقولات الوجوديّة: الزمان والمكان أو ما يسمّى باليونانية "قاطيغورس"، والتي أطلقها أرسطو مُبتكر علم المنطق أو ما أسماه أورغانون أو أداة العقل، والتي تؤطّر أحداث الكون الأكبر في الكون الأصغر (الأنا).

مع الإشارة الى أنّ ماهيّة المقولات  في مونادولوجيا الوجود تنمّ عن صفات تُطلق على الموجودات من الناحية المنطقية... هذا الوجود الذي ماهيته في عين انوجاده، ويطبع  كياننا بطابعي الكينونة والصيرورة.

إذن، يُلقي الحزن بخياله على جبهة المنزل المهجور، حيث تُناجي جدرانه أثير الشّوق على دروب الذكريات، وتستثير الأسرار التي يحرسها وقار الغموض، ولكن الأمل يقطن في حنايا الجدران لهيكل الشّوق ويُشعل شُعلة المحبة الوقّادة أو يستحضر مصباح البيت المُظلم في أوج الظروف الحالكة (الأب، الأم، العائلة وكلّ الغائبين).

وفي سِياق استقراء فلسفة الألوان التي تزدان بها الأيقونة: يبرز اللون البنيّ بشكلٍ بارز في حنايا اللوحة ويتماهى مع اللون الأصفر الأخّاذ، ما يعكس روح الانتماء لحيّز المكان، كما تتآلف هندسة الخطوط مع انسجام الألوان الدافئة، وفي الصّدد عينه يتماهى اللّونان: الأبيض والأزرق مع معالم النقاء، ما يعكس عمق التجذّر العاطفي في أبعاده.

 

كما يلامس الأخضر المتناثر في أرجاء اللوحة عبق الرجاء النافخ في أبواق الأمل، ويسِم اللون الأسود بعض أجزاء اللوحة كأدلّ دليل على الحزن الذي يؤطّر غربة المسافات بين البيت وقاطنيه، فالبيت ليس كناية عن حجارة فحسب، وإنّما هو موئل العاطفة وكنف الاحساس، ولا غرابة لأن البيت سيظلّ أفضل الأماكن على كوكب الأرض، فهو -البيت-  يفيض بدفء المشاعر، وما أرقى أن نترك همومنا عند عتبة البيت، لننشغل بعمق الملاذ العاطفي!

*أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم