الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

وجدي الكومي يستنشق النيل على ضفاف نهر آر ويتألق في مهرجان سولوتورن الأدبي

المصدر: "النهار"
الروائي المصري وجدي الكومي.
الروائي المصري وجدي الكومي.
A+ A-
جواد الساعدي
 
في نهاية حزيران الماضي أنهى الروائي المصري وجدي الكومي إقامة أدبية في سويسرا دامت ثلاثة أشهر شارك خلالها في مهرجان سولوتورن الأدبي وعكف على إنجاز مشروعٍ روائيٍّ جديد وتواصل مع العديد من العاملين والعاملات في مجال الأدب والثقافة في سويسرا.
 
الكومي، الفائز عام 2016 بجائزة مؤسسة الفكر العربي للإبداع الأدبي عن روايته الرابعة، "إيقاع"، وجائزة أفضل مجموعة قصصية في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2018 عن مجموعته "شوارع السماء"، له أربع روايات أخرى هي: "شديد البرودة ليلاً" 2008، و"الموت يشربها سادة" 2010، و"خنادق العذراوات" 2013، و"النسوة اللاتي..." 2020، ومجموعة قصصية أخرى بعنوان "سبع محاولات للقفز فوق السور" صدرت في العام 2013 أيضًا؛ ويعمل منذ سنوات طويلة صحافيَّا في "اليوم السابع" المصرية.
 
نال منحةً من "مؤسسة المورد الثقافي" ضمن برنامج المنح الاستثنائية، لإنجاز مشروع بعنوان "اللوحة المائة والثلاثون"، وهو عبارة عن رواية لسيرةِ الفنان التشكيلي المصري محمود سعيد (1897-1964)، أحد رواد المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية.
 
أما مشروعه الروائي الذي كان أحد أسباب مجيئه إلى سويسرا وبحثه في بعض مؤسسات حفظ الوثائق (أرشيف) السويسرية، فيتعلق برجُلَي أعمال سويسريَّيْن غدت مشاريعهما التجارية في القرن العشرين جزءًا من الطابع الثقافي والسياحي للعديد من المدن المصرية، حيث "شكلت الجالية السويسرية التي عاشت في مصر قبل ثورة يوليو 1952 جزءًا لا يتجزأ من التاريخ المصري".
 
هذه هي المرة الرابعة يزور فيها الكومي سويسرا، ففي العام 2014 استضافته المؤسسة الثقافية السويسرية Pro Helvetia في إقامة أدبية لمدة ثلاثة شهور، وفي العام 2016 جاء بدعوة من "دار الأدب" في زيوريخ ليشارك في "أيام الأدب العربي" التي أقامتها الدار، وفي العام 2017 منحته مؤسسة ثقافية خاصة إقامة أدبية لمدة شهر ونصف الشهر، ليعود هذه المرة بدعوة من Pro Helvetia.
 
يُعتَبر مهرجان سولوتورن الأدبي أكبر المهرجانات الأدبية السويسرية، وهو مهرجان سنوي متعدد اللغات. شارك في دورته الثالثة والأربعين هذا العام أكثر من ثمانين كاتبًا وكاتبة، ومترجمًا ومترجمة، من داخل سويسرا وخارجها، ونظّم في فترة انعقاده بين الرابع عشر والسادس عشر من أيار الماضي أكثر من 150 نشاطًا، وزاره افتراضيًّا نحو أحدَ عشرَ ألفًا من الزوّار، حيث يُعقد بتقنيات الـ"أون لاين" للمرة الثانية على التوالي، بسبب ظروف الجائحة.
 
مشاركة الكتّاب العرب في المهرجان تمثلت إلى جانب الكومي بالكاتب الفلسطيني المولود في بيروت والمقيم حاليًّا في آيسلندا مازن معروف، والكاتب السوري المقيم في سويسرا شكري الريّان.
 
 
ماذا يستطيع الأدب أن يفعل وقت الأزمات؟
إدارة المهرجان اختارت لجلسة الافتتاح ثلاثًا من الكاتبات واثنين من الكتاب، أحدهما كان وجدي الكومي، الذي قرأ نصًّا كتبه في مقر إقامته المطل على نهر آر في سولوتورن وأهداه إلى روحَيْ صديقَيه المصريين، الروائي بهاء عبد المجيد، ومنار عمر، أستاذة الأدب الألماني في جامعة حلوان، اللذَين رحلا بسبب إصابتهما بفيروس كورونا.
 
الكومي قال في نصّه إنه منذ مجيئه إلى سويسرا كان يسأل نفسه كل صباح، حين يستفيق على منظر النهر، ما الذي مكّنه من المجيء إلى هنا والإقامة على شاطئ نهر، فتجيبه بأنها "الكتابة؛ الكتابة هي التي مكنتك من ذلك".
 
يبوح الكومي بأسباب ذلك التساؤل المُلِح، فيقول: "في وطني، من حيث أتيت، لا يسكن حول نهر النيل متوسطو الحال أو أبناء الطبقة الوسطى، أو الكُتّاب، فالنيل، في الزمالك، أو في العجوزة، أو في غاردن سيتي بوسط القاهرة، أو في أي بقعة من البقاع التي يجري فيها، محاطٌ بالمباني الفاخرة التي تستغلها، إما الشركات الثرية، أو الفنادق ذات النجوم الخمس".
 
ويضيف: "المصريون أبناء الطبقة الوسطى قد يعملون بالقرب من نهر النيل، قد يقضون أشغالهم في مكاتبَ مملوكةٍ لشركات مهمة وكبيرة تطل عليه، لكنهم لا يسكنون على شاطئه، لا يرَوْنه إلا إذا جلسوا على الكورنيش، وكورنيش النيل في القاهرة يشهد باستمرار تطويرًا، وتجديدًا، فالأشجار المعمّرة والحدائق التي كانت موجودة في المدينة، اختفت، أو تناقصت مساحاتها. القاهرة، عاصمة مصر، تشهد الآن أكبر عملية قطع للأشجار النادرة".
 
ثم يقول:
"نحن محرومون في مصر من حق الوصول إلى حديقة أو متنزه.../ محرومون من حديقة/ محرومون من شجرة/ والأدب، قادر على أن يمنحنا حديقة، لا بل بوسعه أن يدخلنا إلى جنة (...) الأدب هو حديقة. في وقت الأزمات والحروب والأوبئة والعزلة والسجن والمرض والموت، نفكر في الذهاب إلى حديقة، فيمنحنا الأدب هذه الحديقة (...) وحينما نكتب، نود أن تُزهر الحدائق من صفحات كتبنا، ونتخيل أنَّه بوسعنا، بما نكتبه، نشْرَ الأخضرِ فوق الرمادي، لون الدمار والموت، وفوق لون الإسفلت، فالأخضر أفضل من الرمادي، وكتابة الأدب أفضل من التفكير في الحصار، أو في اقتراب الموت بالطاعون".
 
وقال الكومي في ختام نصّه الذي ترجمه إلى الألمانية الكاتب والباحث السويسري في ندوة دراسات الشرق الأوسط في جامعة بازل، جويل لازلو، وتلا ترجمته الكاتب والاستاذ في معهد بيل السويسري للآداب، بْيات شْتَرْخي: "المشاركة في مهرجان سولوتورن الأدبي فرصةٌ مهمةٌ لي كي أُلقي هذه الكلمات على سكان هذه المدينة التي يجري وسَطَها النهر، كي أقولَ لهم إن الأدب هو جنّة هذه الحياة، وهو قادرٌ على أن يفعلَ أشياءً عجيبة، كأن يعوّضَ شخصًا مثلي عن كافة الأشجار المقطوعة في بلده، بأشجارٍ وحدائقَ أخرى في بلدٍ آخرَ، حتى لو كان ذلك لفترة أشهرٍ قليلة، فدخول الجنة ليس بالضرورة أن يكون نهائيًّا".
 
الناقدة الأدبية في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون أنيتا كونِج، التي كانت أجرت مع الكومي حوارًا إذاعيًّا في العام 2016، قالت في منشورٍ لها على الفيسبوك بعد الجلسة الافتتاحية: "رائعٌ هذا المصري وجدي الكومي. قبل بضع سنوات أجريت معه لقاءً عن الكتابة والحياة في بلاده، فتعلمت تقدير موهبته ونصوصه، ما قرأه اليوم في المهرجان كان قصيدة غنائية رائعة تغنّت بالأدب، كتجسيدٍ مطلقٍ للجنّة وحديقةٍ على نهر، هذا النهر يعني الحرية"، ولفتت الناقدة السويسرية في ختام منشورها إلى ضرورة "الاستمرار في متابعة هذا الكاتب".
 
في اليوم الثاني من المهرجان، شارك الكومي مع كاتبتين، واحدة بريطانية من أصول هندية وأخرى كرواتية من صربيا، وكاتبٍ سلوفيني، في حوارٍ أداره المؤلف والكاتب الصحافي السويسري مارتين دْيان، وذلك حول انطباعات الأربعة عن سويسرا وضيافتها، كونهم، بالإضافة إلى مشاركتهم في المهرجان، يقيمون ضيوفًا لأشهرٍ عدّة على مؤسسات ثقافية سويسرية مختلفة.
 
في اليوم الأخير قرأ الكومي نصًّا من روايته الأخيرة: "النسوة اللاتي..." وقصة "كاتب قصص الجنود"، وهي من مجموعته "شوارع السماء"، ثم حاورته جينفر كاكشوري، الإعلامية المتخصصة بالشؤون الثقافية، وذلك بعد أن قرأت هي النص المترجَم لـ"كاتب قصص الجنود" الذي كان قد ترجمه جويل لازلو أيضًا.
كاشكوري قالت في تقديمها إن الكومي "لا يمزق الحدود الثقافية فحسب، بل حدود الرؤية والواقع أيضًا".
 
تركز الحوار حول بدايات الكومي ومساره في الكتابة حيث تطرق إلى التشجيع الذي تلقّاه من والده الذي كان يقول له دائمًا: "اكتب، طالما هذا هو حلمك".
 
 
التنقيب عن المادة الروائية
وجدي الكومي البالغ من العمر 42 عامًا والحاصل على الإجازة في الآثار من جامعة القاهرة، يجيد التنقيب عن مادته الروائية في حارات القاهرة المكتظة بالسكّان ولا يكتفي بالمتخيَّل منها، من أجلها يستطلع الأماكن الأثرية ويغوص في تاريخها (كما في روايته "إيقاع") وفي سبيلها يذهب لزيارة المتاحف والمعارض الفنية وحتى الاشتراك في ورشاتٍ للرسم (كما في مشروعه عن الفنان محمود سعيد)، لا بل يتقصّاها حتى خارج مصر.
 
 
اهتمام إعلامي ملحوظ
برز على مواقع التواصل الاجتماعي اهتمام العديد من الناشطين والناشطات في المجال الثقافي بإقامة الكومي الأدبية في سويسرا ومشاركته في مهرجان سولوتورن الأدبي، بينما نشرت صحيفة الكانتون، "سولوتونر تْسايْتُنْغ"، مقالًا بعنوان "الزائر من القاهرة"، كتبته الصحافية جوديت فْراي وتحدثت فيه عن زيارتها لـ"الضيف المصري" في مكان إقامته.
 
صحيفة "نويَه تْسورِخر تْسايْتُنْغ"، وهي أقدم صحيفة سويسرية، (تصدر منذ العام 1870) وذات ريادة وتأثير كبير في الرأي العام السويسري نشرت للكومي مقالاً احتل صفحة كاملة بعنوان: "لماذا يكره الطغاة الأشجار"، تحدث فيه عن الأوضاع البيئية والاجتماعية والحريات الصحافية والضغوط والمخاطر التي يتعرض لها الصحافيون والناشرون والكتّاب في مصر.
 
ترجم المقال إلى الألمانية هارتموت فيندرش، الأستاذ السابق للغة وتاريخ الحضارة العربيتين في جامعة زيوريخ على مدى 36 عامًا، والذي يُعزى إليه أغلب ما تُرجم إلى الألمانية حتى الآن من أعمالٍ أدبية عربية.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم