الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

آلاف الزرازير تجتاح سماء لبنان "قريباً جدًّا": إليكم التّفاصيل

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
آلاف الزرازير تجتاح سماء لبنان "قريباً جدًّا": إليكم التّفاصيل
آلاف الزرازير تجتاح سماء لبنان "قريباً جدًّا": إليكم التّفاصيل
A+ A-

ما يعد به الخبر "موجة لم يشهدها لبنان من قبل"، "مشهد لا يتكرر دائما". لبنان على موعد، "قريبا جدا"، مع اسراب من "آلاف الزرازير الآتية من تركيا التي ستغطي سماءه". الخبر شغل لبنانيين في الساعات الماضية، واشعل تعليقات كثيرين على وسائل التواصل الاجتماعي وتوقعاتهم. ولكن ما صحة هذه المزاعم؟ هل تجتاح آلاف الزرازير الآتية من تركيا لبنان وتغطي سماءه؟

"النهار" دققت من أجلكم


الوقائع: خلال ساعات قليلة، انتشر الخبر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. "سرب من مئات آلاف طيور الستارلينغ (أو الزرازير) آت من تركيا إلى لبنان قريبا جدا. موجة لم يشهدها لبنان من قبل، (والأسراب) ستغطي السماء في مشهد لا يتكرر دائما". وقد أُرفق البوست بصورة مؤثرة لاسراب من الطيور غطت السماء فوق طريق تسلكها سيارات.

التدقيق:

-نبدأ بالصورة. وبموجب البحث على الانترنت، يتبيّن أنّها نُشرت في 23 شباط 2018 على موقع Reddit للتواصل الاجتماعي، في حساب GucciKrane@، بعنوان: Rome yesterday (اي روما البارحة). وقد حظيت يومذاك بشهرة واسعة، وحصدت مئات آلاف المشاهدات والتعليقات. ونشرتها ايضا مواقع اخبارية، نظرا الى فرادتها. واجمعت الجهات الناشرة للصورة على ان روما هي المكان الذي التقطت فيه الصورة، بناء على ما زعمه GucciKrane@، وعلى ان ما يشاهد فيها هو طيور الزرازير.

"النهار" حاولت التواصل مع GucciKrane@ لسؤاله عن الصورة، لكن لا جواب حتى الساعة.

-مشهد اسراب الزرازير تحلق بوفرة في سماء روما ليس غريبا اطلاقا. وقد نشرت وكالة "فرانس برس"، ابتداء من 20 ت2 2018، صورا عدة لمئات الزرازير تغطي سماء روما.

-التدقيق في البوست يستوجب تسجيل ملاحظة اولى مهمة: البوست المتناقل لا يشير الى المصدر الذي استقى منه المعلومات، بما يثير علامة استفهام حول صدقيته ومدى جديته. ومع ان بوستات ذكرت ان "خبراء بيئيين" وراء هذا الخبر، الا انها احجمت عن ذكر اي اسم خبير، بما يثير مجددا الشبهة حول مصدر المعلومات وجديتها.

-كلام خبير ضليع الآن، والاسئلة عديدة: متى تأتي الزرازير الى لبنان؟ ومن اين؟ هل من تركيا كما يزعم البوست؟ وهل نتوقع "مئات آلاف الزرازير من تركيا قريبا جدا؟" يشرح البروفسور الدكتور في علوم الطيور البرية المستشار لـ"جمعية حماية الطبيعة في لبنان" غسان جرادي لـ"النهار" ان "الزرزور (common starling) يأتي دائما الى لبنان، في فصل الهجرة قليلا، وفي فصل الشتاء كثيرا. ونجد اعدادا كبيرة منه في البقاع خصوصا، وهو يطير بكميات كبيرة الى حد انها تغطي السماء".


ويتوقف عند الزعم في البوست ان "آلاف الزرازير ستغطي سماء لبنان قريبا"، قائلا: "لا احد يستطيع ان يؤكد هذا الامر. حتى في امور الطقس، نعجز عن التأكيد. هذا الزعم مجرد "همروجة" اشخاص يريدون القيام بضجة". ويتدارك: "قد تأتي اسراب كبيرة من الزرازير. وهي تأتي دائما الى لبنان. وسبق ان التقطتُ صورا لها، لا سيما في البقاع. كذلك، فعل زملاء لي. صحيح ان هذه الاسراب كانت بكميات كبيرة، غير انها لم تغطِّ كل سماء لبنان".

من مشاهدات البروفسور جرادي لاسراب الزرازير "انها تتجمع في مكان محدد. وعندما تحلق، تغطي السماء في تلك البقعة، ونشاهد كتلة سوداء تلمع، وتتحرك في السماء في مختلف الاتجاهات". ويقول: "نعم، طبيعي ان تأتي اسراب من الزرازير الى لبنان، لكن وصف الامر بان وصولها يشبه اجتياح جراد من تركيا، ليس في محله".

ويستوقفه ايضا المصدر المزعوم لهذه الطيور. تركيا. "عقدة تركيا مشكلة لدينا"، على ما يقول. "كل طير يصل الى لبنان نقول انه من تركيا. وكل طير غريب لا نعرفه نقول انه مصري او عراقي... وهذا يعكس محدودية التفكير العلمي لدى البعض". ويشرح: "الزرازير التي تصل الى لبنان تأتي عادة من كافة أوروبا وغرب آسيا. وهي تمضي الشتاء لدينا، بينما تواصل اخرى الطريق جنوباً. ثمة زارزير تفرّخ في تركيا، قبل ان تتوجه الى لبنان، او تتوجه جنوباً. وهناك ايضا اسراب تأتي من الشمال، وتمضي الشتاء في تركيا".

في سجلاته القديمة، ان "الزرزور كان يفرّخ في لبنان عام 1945". هذه المعلومة "مكتوبة في كتب علمية وضعها بحاثة اجانب جاؤوا الى لبنان لدرس الطيور"، على ما يفيد. ويقول: "دراسة الطيور في لبنان بدأت عام 1828. وهي موثقة بمختلف انواع الطيور واسمائها".

حاليا، توقّف الزرزور عن "التفريخ في لبنان". ويجد جرادي ان "هذا الامر طبيعي، بما انه يعاني هجمة صيادين عليه. يصطادونه، لكن العديدين لا يأكلونه، بخلاف آخرين".

-نوسّع حلقة البحث، وصولا الى عمان- الاردن، حيث مقرّ منظمة "BirdLife Middle east"، ضمن BirdLife International التي هي "شراكة عالمية لمنظمات غير حكومية تسعى إلى الحفاظ على الطيور ومواطنها والتنوع البيولوجي العالمي، والعمل مع الناس من اجل تحقيق الاستدامة عبر استخدام الموارد الطبيعية"، وفقا للتعريف.

ويفيد مكتب التواصل في "BirdLife Middle east" "النهار" ان "الزرزور الشائع في المنطقة اسمه Sturnus vulgaris. وهو من الطيور الزائرة شتاءً للمنطقة، ونجده في السهول العشبية". ويقول: "هذا النوع من الزرازير ينتشر في شكل ملحوظ في المنطقة خلال فصل الشتاء. وتتفاوت اعداده في شكل كبير بين منطقة واخرى، وفقا لتوفر السهول الواسعة. ومن الممكن ايضا ان ينتشر باعداد كبيرة في البقاع".

اما توقّع أسراب هائلة من الزرازير في طريقها من تركيا الى لبنان، وفقا للزعم على وسائل التواصل الاجتماعي، فيؤكّد انه "لا يمكن الجزم بحركة الطيور واعدادها ووقت وصولها". ويتدارك: "غالبًا ما يمكن التنبوء بهجرة الطيور، ولكن في شكل عام، كما هو الحال بالنسبة الى الموسم بأكمله وطيور معينة. على سبيل المثال، الطيور الجارحة".

في رأيه، تبقى الدقة في تحديد حركة الطيور واعدادها "مسألة جدلية او موضع شك، باستثناء عدد قليل جدًا من أنواع الطيور بمواسم المعروفة وتوقيت محدد". ويقول: "من المعروف أن الزرزور طائر زائر في الشتاء للبنان، لا سيما منطقة البقاع على سبيل المثال. غير ان معرفة متى يصل بالضبط واعداده مسألة مشكوك فيها".

-رأي آخر ملم بشؤون الطيور في لبنان. في اتصال لـ"النهار" بجمعية حماية الطيور في لبنان، يستبعد المسؤول الاعلامي فيها روجيه سعد وصول الزرازير الى لبنان "بهذه الكميات الكبيرة المزعومة في البوست". ويقول: "ستأتي الزرازير، ولكن ليس بهذه الكمية".

ويشير الى ان "وصول كميات ضخمة من هذه الطيور المهاجرة الى درجة تغطية سماء لبنان، كما يزعم في الصورة والبوست، ظاهرة لم نشهدها منذ زمن بعيد". ويتدارك: "عادة، تأتي الزرازير الى لبنان لتمضية الشتاء فيه. ويتذكر صيادون كبار في العمر تحليق اسراب كبيرة من هذه الطيور في سماء لبنان. لكن هذا المشهد لم يعد مألوفا لاسباب عدة". ويبدي اعتقاده ان "بعض محبي الصيد ربما نشروا معلومات غير دقيقة عن هجرة الطيور".

النتيجة: ما يزعمه البوست ان "مئات آلاف الزرازير آتية من تركيا إلى لبنان قريباً جدا" لا يوافق عليه الخبراء، نظرا الى عدم القدرة على معرفة هذا الامر بدقة. مجيء اسراب من الزرازير الى لبنان امر متوقع ومعهود كل سنة، خصوصاً في فصل الشتاء، مع الاشارة الى ان هذه الزرازير مصدرها الاساسي كافة اوروبا وغرب آسيا، وليس تركيا حصرا، كما يزعم البوست.

اما الزعم ان "هذه الموجة لم يشهدها لبنان من قبل والأسراب ستغطي السماء في مشهد لا يتكرر دائما"، فمجرد "همروجة" اشخاص يريدون القيام بضجة"، بتعبير البروفسور جرادي. وبالتالي فان هذا البوست مشكوك في صدقيته وجديته، وايضا مصدره. وما يزعمه مضلل، وليس صحيحا.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم