هذا هو بيار الجميّل... وهذه بصماته

في 21 تشرين الاول 2006، وما ان انتهى الوزير الشاب بيار الجميل من وضع إكليل برفقة زميله ورفيقه انطوان غانم على ضريح مؤسس حزب الكتائب بيار الجميل، أحد رجال الاستقلال، وعاد الى بيروت ليكمل نشاطه حتى سُمع اطلاق نار في منطقة الجديدة عند الساعة الثالثة والنصف، في عملية اشبه بالافلام الهوليوودية، نفذها مجرمون بوجوه مكشوفة على الطريق العام وبين الناس من دون ان يرف لهم جفن، وانتهت بالشاب النشيط غارقا بدمائه على مقعد سيارة صغيرة، وأنهت معها احلام العديد من الشبان الذين تعرفو اليه او تابعوا حركته ورأوا فيه املاً ونهجاً تغييرياً بعد الشلل والظلم والموت السياسي التي حلّت بلبنان خلال فترة الاحتلال السوري.

كتب الكثير عن اعمال الوزير الشاب خلال السنوات الـ12 المنصرمة وكشف الكثير، ولكن ما يستحق التوقف عنده ما كشف اخيراً عن رسالة وجهها بيار الجميل الى والده المنفي في فرنسا آنذاك يرجوه فيها السماح له بالبقاء في الوطن، واكمال دراسته في لبنان، و"هذا ما يريحني اجتماعيا ونفسياً"، ويعده فيها بانه "سينصرف الى دراسته فقط ولن يتعاطى شأنا آخر". وتظهر هذه الرسالة املا وايمانا من هذا الشاب بلبنان، رغم ان توقيتها كان الاسوأ عليه كعائلة وحزب وعلى الوطن بشكل عام، فالعائلة منفية الى فرنسا والانصار ملاحقون، والحزب خارج السيطرة وفي مكان آخر مختلف عن خطه التاريخي، وانصار آل الجميل منبوذون مما تبقى في داخله، اما الوطن كله فتحت وصاية غريبة، ورغم هذا كله تمسك بالبقاء ورفض الامتثال للواقع الصعب الذي هو فيه.

تعلّق الجمّيل الشاب بوطنه بدأ يظهر لاحقاً رغم الظروف الصعبة المستمرة، عمل باندفاع ليعيد والده من غربته القسرية واعادة الكتائب إلى أصالتها وتاريخها العريق. ولم يهدأ بال بيار قبل لمّ شمل الكتائبيين، فبدأ بتشكيل نواة تردّ للكتائب دورها الريادي على الساحة الوطنية بعامة والمسيحية بخاصة. وكان التحدي الأكبر والأول أمامه في العام 2000 عندما خاض الانتخابات النيابية منفردًا عن دائرة المتن الشمالي وفاز بها في وجه اللوائح المدعومة من الأجهزة الأمنية الموالية حينها إلى سلطة الوصاية السورية.

وشكل هذا الفوز نقطة مفصلية في حياة الجميل، ومنطلق نضالي جديد ان كان على المستوى الوطني عبر لقاء قرنة شهوان او على المستوى الحزبي والعائلي، فالعائلة المنفية عادت اما الحزب،فدخل في مفاوضات صعبة وطويلة انتهت بتسوية اعادته الى صلبه واعادت توحيده هذا كله قبل التغيير الهائل الذي حل على لبنان اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعها من تحركات شعبية كان الجميل في صلبها ان كان على صعيد القيادة والقرارت او على الارض مع الناس.

من دمج الطفولة والبراءة مع السياسة، كان حازمًا ومثابرًا يناضل في سبيل تطلعاته، لكنه كان شابًا مرحًا لا تفارق الإبتسامة ثغره، وعندما دخل جنة السلطة عبر وزارة الصناعة البعيدة عن اختصاصه، كان التحدي الجديد له ان يترك بصمة في هذه الوزارة المنسية، فأطلق شعار "بتحب لبنان حب صناعته" وواكبه بإقتراحات قوانين نذكر منها "الجهاز الترقبي للحوادث "، منطلقاً من حق الافراد في حماية ارواحهم وممتلكاتهم ، وواجب الدولة في تأمين الحماية والراحة لمواطنيها ، نظراً لتكاثر حالات الحوادث ان كانت الناتجة من الظروف الطبيعية والمناخية ، او عن قلة واحتراز او عدم تطبيق الانظمة المرعية الاجراء، وحتى لا تضيع بين وزارات وادارات عدة فكل يحمل الآخر مسؤولية ما حدث، فكان من المهم إنشاء جهاز يدعى "الجهاز الترقبي للحوادث". هذا الجهاز ، كما تدل تسميته ، يسعى الى تدارك مختلف الاخطار الناتجة عن حالات الطوارىء ومعالجة آثارها وذلك بالتعاون والتنسيق بين اجهزة القطاع العام العاملة في هذا المجال: الجيش اللبناني ، الاشغال العامة ، الدفاع المدني ، الهيئة العليا للاغاثة ، وايضا مع هيئات ومنظمات القطاع الخاص والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية . وكم نحن بحاجة الى هكذا في الاوضاع التي مرت على لبنان من حروب الى حوادث وفياضنات.

الاقتراح الثاني : تعديل بعض احكام قانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم رقم 102 تاريخ 16/9/1983 والمتعلق بخدمة العلم ، وانطلاقاً من الاقتراح جرى العمل في الحكومات المتلاحقة وادى بالنهاية الى الغاء المرسوم.

اما الاقتراح الثالث، فهو اعطاء تسعيرة مخفضة للطلاب ومنح اعفاءات ضريبية وخفض رسوم. ونذكر بعض بنوده:

1- اعفاء الكتاب المدرسي والجامعي ، سواء الوطني او الاجنبي ، وسواء تم طبعه في لبنان ام تم استيراده من الخارج من أي رسم او ضريبة على الاطلاق .

2- يشمل الاعفاء الدفاتر والقرطاسية وكل ادوات التدريب المدرسي والجامعي وادوات القياس ومعدات المختبرات المخصصة لتدريب الطلاب .

3- افادة التلامذة والطلاب من الاسعار المخفضة عند استعمالها وسائل النقل العمومية .

4- خفض رسوم الامتحانات الرسمية ، التي تجريها الجامعة اللبنانية او وزارة التربية او وزارة التعليم العالي او وزارة التعليم المهني والتقني بنسبة 75 بالماية .

5- اعفاء البيوت والعقارات المخصصة لايواء الطلاب Foyers ، ولمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون ، من ضريبة الاملاك المبنية والرسم البلدي، شرط ان يصرح المالك بتخصيص بناءه او جزءا منه لهذه الغاية.

6- اعفاء المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية من الضرائب والرسوم واشتراكات الضمان الاجتماعي المتوجبة على اجرائها من الطلاب الذين يتابعون دراستهم النظامية في المدارس والجامعات وذلك طيلة فترة الدراسة، على الا يتعدى مجموع ايام عملهم السنوي المئة يوم .

ما تقدم هو لمحة صغيرة عن اداء الجميل التنفيذي الذي لا يتذكره احد، ويظهر اهمية هذه المقترحات الذي ما زالت تصح الى وقتنا هذا، لا بل اهمية هذه الاقتراحات في حياتنا اليومية، على امل ان يتبناها من سيتلوى هذه الوزارة قريباً ويعيد لها جزءا من دورها الاساسي.