الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

"الكارب" والطحالب: كل ما تبقّى من بحيرة القرعون

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
"الكارب" والطحالب: كل ما تبقّى من بحيرة القرعون
"الكارب" والطحالب: كل ما تبقّى من بحيرة القرعون
A+ A-

#بحيرة_القرعون فارقت الحياة، لكن محبيها يأبون دفنها. بعيداً من ضجيج المدن، يعيش الصيادون على ضفافها. يفيقون من نومهم لأجلها. ينزلون اليها في زوارقهم. يلقون شباكهم. يعودون مساءً الى البيت بالغلّة. ومن لا يملك مركباً يتغاوى به أمام الزائرين، يتحلّق حول البحيرة، ويشخص في المدى، بصنارة يتيمة، وطعمٍ من صنع بدائي. أصحاب المنتجعات السياحية لم ينسوا أيام العزّ. أيامٌ سترجع يوماً الى البحيرة، وتنصّبها عنقاء مائية على الخريطة اللبنانية، بعد انقضاء عصر النكبة. رائحة المشاوي منبعثة من أمام تلك الباحة، والمازة اللبنانية حاضرة. "أهلا وسهلا بالزوار". مشهديةٌ ينقلونها بألسنتهم، وتوق اندفاعهم الى الاستمرارية. كأن البحيرة، ان عاشت، تهدر مياهها في نبض قلوبهم. ما تبقى منها، مرآتها في لمعة عيونهم. ومن يعلم منهم يقيناً بموتها، يرغب في تحنيطها. "تعالوا بما اتيتم من زخم وزوروا احدى أجمل المناطق في لبنان". دعوة بريئة، من منظور صاحب مطعم. 

الرؤية من منطلق معجبٍ منتمٍ في الماضي والهوية والمرتع الى البحيرة، مختلفة عن ذاك البيئي المخضرم في التوصيف. حسن طريف، أحد أبرز أصحاب المنتجعات السياحية السبعة الكامنة على ضفافها. في عالمه يعيش، يبحث عن استمراريةٍ ما، رغم انحسار زبائن مطعم الجوزة "تحفته الفنية" التي يتحدث عنها بشغفٍ مطلق. لا يأبه طريف لتلوّث البحيرة، ولا يجدها ميتة او محتضرة او معطوبة. ان النتانة يؤرجحها الهواء حيناً خلال فترة الصبح. تشرق الشمس، فيحمل النسيم معه رائحة الخزّ. لكن تصعيد الناشطين البيئيين الاعلامي صوّر المنطقة كأنها جحيم، فعظّم المشهدية في أذهان اللبنانيين، وما عادوا يجرؤون على زيارة محيط البحيرة. يتسلّح طريف بوجوديته كلّما حاولنا التأكيد أن بحيرة القرعون مريضة. يعود ليلقي تبعة النكبة التي تعانيها المنطقة سياحياً، على الأوضاع الاقتصادية المزرية، وحالة الناس الصعبة التي تمنعهم من زيارة المنتجعات السياحية. ألا تفكّر في الاقفال؟ "لا. طبعاً لا. صحيحٌ ان احداً لا يقصد المنتجعات في منتصف الأسبوع، لكننا نحقق أرباحاً في أيام السبت والأحد". وكأن ما يحصل أشبه بصراعٍ معنوي، واقناعٌ بأن الدنيا في القرعون بألف خير، بغية الاستمرارية. "لا يمكنني ان انكر اننا سنوياً نعاني تدريجاً، تراجعاً هائلاً في نسبة الزبائن. منذ 12 سنة، كان الموسم يعد بالخير".

لا تقدّم المنتجعات السياحية المتمركزة على ضفاف القرعون أسماكاً مصدرها البحيرة. بل لكل مطعمٍ مسمكته، ومصدره الموثوق به لشراء اللحوم. واقعياً، ان النوع الوحيد الذي يعيش في مياه البحيرة، هو سمك الكارب، الذي يقال انه ينمو في المياه الآسنة. سنواتٌ مضت على مجزرة الأسماك الجماعية التي ما عادت لتجد في القرعون موطناً. لكن لدى طريف نظرية أخرى: "بادر الساسة الى اعداد خطةٍ عملية لتنظيف البحيرة، فاذا بهم يستخدمون تقنيات كهربائية معالجة وصلت فاعليتها الى حدود 50 مترا في محيطها. وقد أدى الأمر الى نفوق أطنان هائلة من الأسماك". اذاً الكارب وحده يتزعّم البحيرة. يقال ان 200 كيلوغرام تباع يومياً منها، بتأكيد شهود عيان. فيما عدد الصيادين الذين يلقون شباكهم في مياه البحيرة، يقدّر بأربعين عائلة تعتاش من تجارة الكارب، السمكة القادرة على العيش يوماً كاملاً من دون مياه. وينضم الى اللبنانيين، صيادون سوريون، يلقون الصنارة مع بزوغ كلّ فجر.

وثمة من يردّ تقلّص زبائن محيط القرعون، الى سوء الضيافة والأسعار الباهظة مقارنةً مع ما يقدّم من مأكولات. نظريةٌ يعبّر عنها لـ"النهار" أحد سكان المنطقة (فضّل عدم ذكر اسمه)، معتبراً ان المشاريع السياحية الحديثة الولادة في البقاع باتت تستقطب السياح الداخليين منهم والأجانب، نظراً الى جودة خدماتها.

طحالب وكارب

بيئياً، سألت "النهار" الخبير في البيئة المائية والمستشار العلمي في المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور كمال سليم عن أبرز المتغيرات التي شهدتها بحيرة القرعون خلال السنة المنصرمة، فأكد أن الوضع من سيئ الى أسوأ، وما من ايجابية تلوح في الأفق.

أولاً، ان "الطحالب السامة المعروفة باسم "شيانو باكتيريا" باتت تغزو البحيرة، بسبب ارتفاع حرارة الأرض المترافق مع تراكم الملوثات منذ نحو خمس عشرة سنة، من دون اي اجراء تتخذه الدولة اللبناني".

ثانياً، تم القضاء على التنوع البيولوجي داخل البحيرة، والسمك الوحيد الذي يعيش داخلها من نوع كارب. ذلك انها سمكة لا تحتاج الى الاوكسيجين، بل تتغذى من ترسبات المياه الآسنة، وهو ما يعني انه صنف بحري خطر لا يمكن استهلاكه.

ثالثاً، منذ قرابة السنة، "لم تعد البحيرة قابلة لاستصلاحها في عمليات الري. المياه تسبب حساسية جلدية، وتنشقها ينذر بمضاعفات صحية كالربو، واحتمال الاصابة بالسرطان كبير.

رابعاً، ان الواقع السياحي محرج، رغم عدم اعتراف اصحاب المقاهي والمطاعم بذلك.

خامساً، ان ربع البحيرة ممتلئ هذه السنة بسبب قلّة المتساقطات. اذ انها تسع قرابة 220 مليون متر مكعب من المياه، فيما ترزح اليوم تحت خط الـ65 مليون. علمياً، ان معدّل 50 مليون متر مكعب يعتبر خطاً أحمر.

سادساً، ان كلفة تنظيف البحيرة اكبر من كلفة انشاء بحيرة جديدة. ولا بد من ايجاد حلول جذرية لنهر الليطاني، من طريق استحداث معامل لمعالجة المياه الآسنة الاصطناعية، والتي لم يتم العمل بها حتى اليوم، ومن بينها معمل ايعات في زحلة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم