الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

تذكار مار يوحنّا المعمدان

الشدياق يوسف "رامي" فاضل
تذكار مار يوحنّا المعمدان
تذكار مار يوحنّا المعمدان
A+ A-

نعتذر منك يا يوحنّا بجزيل الاعتذار...


نعتذر يا أيها النبيّ بكُلِّ برودة أعصابٍ، وبكلِّ ما أوتينا من إنسانيةٍ مخدَّرة ومن تكلُّفٍ في الاعتذار...
فما عاد مشهد قطع رأسك يُرهبنا، وما عاد رقص ابنة هيروديّا يثير فينا الاشمئزاز...
ففي هذا الشرق التعيس أصبح الرقص على الهامات المقطوعة، من الرتب الطقسيّة التي بدونها لا يستقيم دينٌ، ولا تُستعادُ خلافةٌ، ولا يستتبُّ استقرارٌ، ولا تُرفرفُ حمامات السلام كلَّما اعتمدنا بِدَمِنا وخوفِنا، أو كُلَّما رفعنا للحقِّ أصواتنا بالكلمة، ولا شيء غير الكلمة...
عذرًا منك يا يوحنّا فما عدنا بحاجة إلى هيرودس ليَتكَفَّل بقطع هاماتنا، فالأمر سيَّان يا أيُّها المُعمِّد بالماء والمُعتمِد بدمِكَ... الأمر سيَّان سواء بَقيَت أو قُطِعت، الأمر سيّان سواء ارتفعت أو انخفضت، الأمر سيَّان سواء نَطَقَت أو صَمَتت...
ولم نزل على قيد الحياة ولو امتلأنا بكلِّ عوارض الموت... فهاماتنا مقطوعة منذ أن استقلنا من الفكر وتركنا للإعلام والاستهلاكيّة قيادتنا إلى برِّ الفراغ، وقلوبنا ممضوغة منذ أن منعنا الدماءَ من الوصول إليها وسيَّرنا المال والنفط والهواتف الذكية في أوردتنا وشرايننا، وألسنتنا صامتة على رغم أنها تكرِّرُ كلّ ما يُرمى على مسامعنا من باطل الكلام ومن كلماتٍ مهما بلغت بلاغتها يبقى أنَّها ليست الكلمة...
في بلاد الموت، في بلادنا لا صوت يرتفع فوق صوت المعركة، سوى صراخ موتنا، سوى صمتِ قبورٍ نحملها على أكتافنا لنُتخِم الكون بصدى الفراغ، وبأصواتِ يأسنا البائس... لا صوتَ أعلى من الصمت!
وكأننا بالحجّاج يَمُدُّ يدَهُ من العراق ليصافح هيرودس في فلسطين، فَتُصَفِّقُ أشلاء أبناء الهلال الخصيب، وتطرب قلوبهم لكلِّ صوتِ سيفٍ يُسَلُّ ولا يُغمَدُ من دون أن يُريحَ عددًا كبيرًا من الأكتاف مما تحمله من ثمارٍ أينعت، ومن أدمغة أضحت ثقيلة بثقلِ صمت العالم، وبثقلِ ضمائر الرعاة والمستثمرين...
لكننا يا يوحنّا هنا! نحن هنا يا يَحيى!...
نحتفل بتذكارك كما نحتفل بعرس الموت الذي امتدَّت أكاليله من بغداد إلى الرقّة وحلب وصولًا إلى فلسطين!
نحتفل بتذكارك وفي قلوبنا الانتظار للاحتفال بتذكار قطع رأسك وبعيد ارتفاع صليب من مهَّدت طريقه، وكأن كلّ من قُطِعَت هاماتهم يمهِّدون طريقَ صليبَنا وصلباننا. وبين السيف الذي جَزّ رأسك والصليب الذي ارتفع عليه لاحقُكَ يكمن خيارنا! فإما أن نشهد للحقّ والمحبّة فنولد من السيف أنبياء، ومن الصليب شعبًا يَشهَدُ فَيَستَشهِدُ فتَشهَدُ له السماءُ بالحياة الأبدية، وإما أن تلتهمنا الأرضُ فنثقل جوفها بالفراغ والهباء...
وما بين السيف والصليب يا يوحنّا يبقى لنا الرقص كابنة هيروديّا على أنغام الباطل، أو الرقص احتفاءً بعرس السماء على الأرض إلى أن ترتفع صلباننا فتردم الهوَّة بين أرضنا وبين السماء.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم