الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

غسل الأدمغة أول الطريق (خاص "النهار")

المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
أسرار شبارو
غسل الأدمغة أول الطريق (خاص "النهار")
غسل الأدمغة أول الطريق (خاص "النهار")
A+ A-

من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية والأميركية حملوا حقائبهم، تركوا عائلاتهم وأرزاقهم والتحقوا بـ"داعش" وأخواتها سواء في سوريا أو في العراق وغيرها من مناطق الصراع. وهناك كثيرون منهم على أرض "الكفار" متأهبون لتنفيذ أي عمل "جهادي" يطلب منهم.


هم ميسورون ومتعلمون وليسوا فقراء وأميون، خضعوا لغسل دماغ كما نسمع، من قبل واعظين سواء في المساجد أو عبر الانترنت والوسائل الاجتماعية، ما يدفع لطرح السؤال: أي عملية "غسل" يمكنها جعل الشبان يتخلّون عن حياتهم ويحوّلون أجسامهم أشلاء؟


أسباب عدة ونتيجة واحدة
الأساس في عملية غسل الادمغة بحسب الاخصائي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي والجنسي الدكتور نبيل خوري هو "الجهل، فالدماغ الفارغ من كل فحوى ثقافية وأكاديمية هو دماغ يسهل غسله، أي يسهل توجيهه باتجاه سليم أو غير سليم انطلاقا من قاعدة رغبات صاحب العلاقة، بمعنى أن هناك اسسًا اجتماعية، نفسية وأكاديمية لذلك".
وأضاف في حديث لـ"النهار" ان "المجتمعات الفقيرة والمعدمة في اوروبا وحتى في أميركا تُعتبر صالحة لتغذية الفكر التمرّدي والناقم والثوري. وفي هذه المجتمعات هناك ضعف في الثقافة وفي الطاقات الأكاديمية، وبالتالي هناك ضعف في الطاقات الادراكية. لذلك تكون الارضية صالحة لـ"التنوير".
وتابع خوري: "هناك أيضًا الجذور الدينية أي تفسير الدين بحسب فتاوى رجال دين منحرفين يتبعون اجندات دول واجهزة مخابراتية كبرى، ويلعبون على وتر المتناقضات المذهبية والحقد والضغينة، ويفسرون الدين انطلاقا من قاعدة المصلحة التي يمثلونها أو يرجون اتمامها مستغلّين الفقر وعدم وجود الثقافة الادراكية وضعف الثقافة الاكاديمية. ويقولب كل هذا في قالب ديني يحفّز الانسان على أذية الآخر، الذي برأيه لا يستحقّ الحياة. ومن هنا تتم تغذية المفهوم الإقصائي انطلاقا من مقومات دينية موجودة في كتب الدين، يلعب تفسيرها دورًا في توجيه الانسان باتجاه قتل الآخر. لذلك يصبح الضمير الذي عليه ان يكون الرادع الأول لارتكاب الجرائم، محفزاً لارتكاب الجريمة لأن الجاهل يعتبر ما يقوم به هو خدمة دينية".
الى ذلك، "يكفي توفر سبب أو اثنين من الأسباب الثلاثة التي ذكرت حتى يسهل غسل دماغ الشخص. لذلك قد نجد متعلّمًا احواله المادية جيدة، ينضم الى جماعات ارهابية"، وفق خوري الذي يشير إلى أن "الانسان الجاهل والعديم الثقافة يتوجه غرائزياً. وعندما تتحرك الغريزة بقالب ديني، تصبح من دون عقدة ذنب، اي لا يرى الانسان نفسه محركاً غرائزياً ويسهل لديه القتل والسحل والذبح لأنه سيصعد الى الجنة".
وعما اذا كان ممكنا أن يعود من تَعرَّض لغسل دماغ الى حالته الطبيعية، أجاب: "ذلك ممكن اذا قُدّر له أن يُتابَع في مصحات اختصاصية لاعادة تقويم قناعاته الدينية، وقد بدأت نتائج ذلك تظهر في بعض دول العالم، اما اذا لم يرشده احد إلى الطريق الصحيح فسيبقى منحرفاً مدى الحياة".


تنمية العقلية الارهابية
من جهته، قال الاعلامي والمحلل السياسي المقيم في باريس مصطفى الطوسة في اتصال مع "النهار": "الآن الاسلام هو المتهم، والمسلمون متهمون بالتواطؤ وبتنمية العقلية الارهابية. وهذا الخلط يقع فيه اليمين المتطرف، الذي سيحاول استغلاله سياسيًا لتحقيق أجنداته الداخلية. فهذا الحادث جاء في وقت يتميّز فيه الواقع الفرنسي بالاسلاموفوبيا وكره الأجانب، وبمحاولة تحميلهم كل المشاكل التي يعيشونها".
واستطرد: "ليس في الغرب بيئة حاضنة لهذا الفكر، بل سهولة في التواصل مع هؤلاء الشباب واستغلال الأوضاع الاقتصادية والروحية والاجتماعية المزرية التي يعيشونها. ويستغلّ فقهاء الارهاب هذا الواقع وسهولة استقطاب الشباب لاقناعهم بالتوجه الى مسارح الجهاد في العراق وسوريا، والا فكيف يعقل ان يجلس شاب أمام حاسوبه، وبعدها بأسابيع يتوجه الى سوريا والعراق للتضحية بالغالي والنفيس، حيث يوجد 2000 شاب فرنسي متورطين بطريقة أو بأخرى في العمليات الجهادية هناك".



وعاؤها وفضاؤها
الخبير في الجماعات الإسلامية في تونس أعلية العيلاني اعتبر في اتصال مع "النهار" أن "غسل الأدمغة عملية سياسية مطبّقة منذ زمن، لكن لم تنتبه الأنظمة العربية والمجتمع الدولي إلى خطورتها، خاصة مع ارتفاع نسبتها في السنوات الأخيرة، مع بدء الربيع العربي، حيث شكلت الحربين السورية والعراقية وعاءً حاضنًا لها".
عملية غسل الادمغة ردّها العيلاني الى فشل السياسات العربية والدولية في مقاومة جذور التطرف، التي تكمن في فساد الأنظمة التربوية. وإلى غياب خطاب ديني مستنير واستراتيجية دينية تنويرية تقوم على مراجعة عميقة لمنظمة الفكر الديني، يبدأ في فضاء "المساجد والجمعيات ذات الطابع الديني المحافظ جداً". ففي أوروبا هناك عشرات الجمعيات الاسلامية، منها ما هو معتدل ومنها ما تحوم حوله الشكوك. وقد صنّفت الامارات العربية المتحدة أيضًا منذ شهر عشرات الجمعيات على انها ارهابية".
هذه العملية تبدأ "بتدريس بعض النصوص لرموز جهادية، وأن الجهاد هو فرض عين يطبّق بالحديد والنار، ويعطى لهذا التفسير غلاف ديني مليء بآيات قرآنية واحاديث نبوية شريفة يتمّ استخدامها في غير محلها".
أما ظاهرة غسل ادمغة الاسلاميين من أصل أوروبي فتعود برأيه الى "ضعف الثقافة الاسلامية لدى هذه الشريحة من الناس، حيث يتمّ استغلال جهلهم للثقافة الاسلامية فتحشى ادمغتهم بأفكار تحضّ على القتل والإرهاب. لذلك لا نجد عالِماً متبحرًا في الأمور الدينية قريبًا من هؤلاء"الجهادين". هذا بالاضافة الى استغلال ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. وتشير الارقام الأولية أن هناك في سوريا فقط حوالى 600 جهادي ألماني و500 بريطاني و400 فرنسي".
وعما حدث في فرنسا علّق: "وقعت فرنسا ضحية لسياستها المتناقضة في مسألة مكافحة الإرهاب"، مضيفاً: "هي تحارب الإرهاب في مالي وتغضّ الطرف عنه في سوريا، وتتأخر في التنديد به في ليبيا".


وفي رأيه، ان "ما حدث في باريس سيغيّر نظرة الفرنسيين، ليس فقط إلى التكفريين بل إلى المسلمين بصورة عامة، لأنهم يعتقدون أن الديانة الاسلامية هي التي أفرزت مثل هذه العناصر المتشددة، التي قامت بعمليات ارهابية، والتي تخدم اجندات خارجية".


زياد بارود: مرحلة جديدة


الى ذلك، اعتبر الوزير السابق زياد بارود ان "ما نشهده هو نتاج عملية غسل أدمغة منذ زمن بعيد. ومشاركة أشخاص من أصل أوروبي في عمليات "داعش" وأخواتها هي نتيجة التراكمات. وما حصل في فرنسا هو بداية ويمكن ان يتكرّر". وذكّر بتقرير اليوروبول في 2010 ، حيث أشار الى أنه من أصل 611 حالة استدعاء قضائي، هناك 219 حالة أي 35 % من الاستدعاءات المرتبطة بمخاطر الارهاب تخصّ فرنسا، وهي بالتالي الاكثر عرضة من بين الدول الاوروبية لمخاطر الارهاب.
وفي رأي بارود، أنه "من المبكر تقييم الواقع الأمني ...فربما كان هناك خلل أمني، المهم ألا يوضع الجميع في سلة واحدة. أمّا المتضرّر الأساسي من العملية فهو الاسلام قبل أي مجموعة أخرى، لأن أي تدبير سيُتّخذ سيعرّض المسلمين للتضييق من دون التمييز أن التطرف والظلامية شيء والإسلام شيء آخر".
واعتبر ان "ما حدث يشبه الى حد كبير التغيير الذي حصل بعد 11 أيلول 2001، وهو ينبئ بمرحلة جديدة بدأت ولا نعرف كيف ستنتهي، والأخطر من ذلك أنها ستؤدي الى تعاظم الشعور"الوطني" لدى الفرنسيين الذي يدفعهم لمواجهة مجموعات كبيرة لا ذنب لها فيما حصل، سوى انتمائها الى دين أو جنسية".


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم