الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

كيف سيتعامل الأردن مع "داعش"؟

المصدر: عمان- "النهار"
A+ A-

دخل مصطلح "داعش"، وهو اختصار "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في تفاصيل الحياة اليومية للأردنيين، وصار جزءا من قاموس مفردات الشارع الأردني، واختلط استخدامه بين الهزل والجد.
ومع ان هناك من يعتقد بأن داعش هي صناعة أميركية، إلا أن آخرين يرونها فيها ضرورة حتمية أفرزها الواقع المرير الذي تعيشه المنطقة العربية خصوصا بعد الالتفاف على الربيع العربي واجهاضه.


انقسامات وارتباك
وهو ما أظهر انقساما واضحا في نظرة الشارع إلى هذا التنظيم عابر الحدود، بين متخوف منه، ومستهزىء به أو منكر له ولحقيقة قوته وجدية خطره، فيما يقف المراقب على فئة قليلة لا تجد في تمدده، وحتى وصوله الأردن، غضاضة، إما لاقتناع بنهجه أو اليأس من الأوضاع في البلاد والمنطقة.
والامر ينسحب إلى حد كبير على الأردن الرسمي، مع ارتباك واضح في طبيعة النظرة إلى التنظيم الذي صار هدفا لتحالف دولي وإقليمي، وغياب التنسيق بين مراكز صنع القرار حيال كيفية التعامل مع هذا التنظيم.
الارتباك برز من خلال تحذير بعض الجهات داخل أروقة الحكم من الخطر الذي يمثله هذا التنظيم، واستهانة أخرى به، والتأكيد للرأي العام أن الأردن بمنأى عن هذا الخطر وبأن أجهزة الامن والدفاع الأردنية قادرة على التصدي لأي خطر أكان من هذا التنظيم ام غيره، فيما الأردنيون يرون عديد الجيش العراقي يتهاوى في أيام قليلة من ضربات التنظيم الذي تطورت استراتيجيته القتالية من أسلوب حرب العصابات والانتحاريين والسيارات المفخخة ليدخل نطاق القوات النظامية.
وبرز سوء التنسيق جليا عندما صرح رئيس الحكومة عقب مشاركة الملك في قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإعلان تحالف دولي لمحاربة "داعش"، بأن الأردن "لن يكون عضوا في التحالف" وأن بلاده "لن تخوض حروب الآخرين (..) وأن التحالف الذي أعلنت عنه قمة الناتو يخص الحلف".
ليتفاجأ الأردنيون بعد خمسة أيام بموافقة الأردن على الانضمام إلى التحالف في اجتماع جدة الأخير.
ثم يصرح وزيرالتنمية السياسية والشؤون البرلمانية خالد الكلالدة بعد ذلك بثلاثة أيام بأن الاردن لم ينضم للحلف الدولي لمحاربة "داعش" ولن تُستخدم أراضيه أو أجواؤه لضرب التنظيم، فيما قائد القوات المركزية الاميركية يتهيأ لزيارة الأردن ضمن جولة له في المنطقة.


الانقسام والتخبط تعدى الأردن الشعبي والرسمي، ليصل إلى التيار السلفي الجهادي نفسه. إذ فيما منظر التيار في العالم أبو محمد المقدسي وعمر محمود عثمان "أبوقتادة"، من محبسه، يفتيان بطلان دولة الخلافة، يخرج عشرات من أتباع التيار في مسيرات ووقفات تأييد لداعش في معان والزرقاء، وليجري الاعتداء على بعض رموز التيار مثل الدكتور أيمن البلوي وإياد القنيبي، وتهديد آخرين، من بينهم المقدسي وأبو قتادة.
والأمر جاوز أتباع التيار السلفي في الأردن (غير المنظمين) إلى أولئك الذين التحقوا بـ"الجهاد" في سوريا، لينقسموا بين داعش و"جبهة النصرة"، حتى بلغت تقديرات عدد الأردنيين المنضوين تحت لواء داعش نحو ألفي أردني.


خطر غير آني
ويرى الدكتورمحمدالمصري مدير وحدة الدراسات في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات (مقره الدوحة) أن داعش تمثل خطرا على الجميع، والأردن من بينهم، وأكثر من دول الخليج العربي، بسبب القرب الجغرافي.
والخطر الأساسي عنده يتمثل في أن هذا التنظيم "ظهر وكأنه يحمل مظلومية السنة في المشرق العربي وتحديدا العراق وسوريا ولبنان (...) وهذا يمكن ان يكون جاذبا لتعاطف الناس معه".
ويلفت المصري، في حديثه إلى "النهار،" إلى مكمن آخر للخطر، وهو ان الفكر السلفي في المنطقة كان يجري الترويج له وتسويقه ونشره عبر العقود الثلاثة الماضية "بدعم ورعاية من الكثير من الأنظمة الحاكمة ليواجه تيار الإسلام السياسي، الذي كان عنوانه جماعة الإخوان المسلمين".
غير أن هذه الدول والمؤسسات التي كانت تدعم والتيار السلفي والسلفي الوهابي لاستخدامه ضد تيارات اخرى، "لم تلتفت إلى أن هناك قنطرة قصيرة تجعل التيار ينتقل من السلفية إلى "السلفية الجهادية المقاتلة العنيفة" وفق المصري.
مخاوف المصري، يشاطره إياه االباحث المتخصص في الحركات الإسلامية حسن ابو هنية، الذي نبه منذ البدايات المبكرة وقبل إعلان دولة الخلافة، إلى خطورة تنظيم الدولة.
أبو هنية أوضح لـ"النهار" أن تقديرات صانع القرار الأردني في البدايات لخطر داعش كانت "غير دقيقة"، وهو ما جعل الأردن يقلل من أهميته، مع أن "هذا كان حال الجميع وليس الأردن فقط".
ويلفت إلى أن التنبه إلى مدى خطورة داعش بدأ بعد العاشر من حزيران، أي بعد سيطرة التنظيم على الموصل وانهيار قوة الجيش العراقي والبشمركة الكردية والتدخل الاميركي. وهو ما استدعى إجراء عملية إعادة النظر محليا وإقليميا ودوليا. فبدأ الأردن يخرج من حال الإنكار والاستخفاف إلى التحوط لأخطار تحول دولة الخلافة إلى واقع على الأرض.


ولا يبتعد أبوهنية كثيرا من المصري في أن خطر داعش هو "فكري عقائدي" في المقام الأول. كما انه جزء من النطاق الجغرافي (نقطة الارتكاز) للدولة الإسلامية ونشاطاتها. ويقول أن هذا التنظيم عابر للحدود لذلك صار الخلاف: "هل هو خطر جيوسياسي ام محلي (خلايا نائمة)؟".
ويتفق المصري وأبو هنية على انه لا يوجد خطر مباشر وآني على الأردن من "داعش" وانه ليس على جدول أولوياتها حاليا، لانشغالها بأمور اخرى (مقاتلة النظام الطائفي في العراق وسوريا وربما لبنان، وتثبيت أركان دولتهم الوليدة).
لكن، المصري لا يعتقد أن من السهل على "داعش" أن تحرك قوات باتجاه الأردن لمسافة تراوح ألف كيلومتر بلا غطاء جوي، ما يقلل، برأيه،احتمالات أن تنفذ عمليات بحجم ونوعية العمليات التي نفذتها في وسط العراق وشرق سوريا. أي ان تخوض معارك تقليدية ضد قوات نظامية.
إلا أن أبو هنية، وإن رأى ان الأردن"محصن من جانب النزاعات الطائفية"، لكنه لا يستبعد ان تتوقف عند هذا الحد.
ويتساءل: "من يضمن؟ لربما يكون حجم المشاركة الأردنية في مكافحة التنظيم سببا للتحرك لمضايقته أو لتخفيف الضغط عن المركز".
لذلك، هو لا يستبعد ان ينفذ التنظيم حركة غير متوقعة بالاندفاع نحو الأردن، وفقا لمنطق الحروب الجديدة..
ويرسم سيناريو لمثل هذا التحرك بأن "يضغط التنظيم إذا تعرض لضغط عسكري عليه من قبل التحالف المشكل حديثا بقيادة الولايات المتحدة إلى الضغط على الحدود الشمالية الشرقية للأردن بما يؤدي إلى عملية تهجير قسري جماعي لأعداد كبيرة من العراقيين والسوريين.
وهذا، برأيه، قد يخلق حالا من الفوضى في المناطق الحدودية، وقد يسرّب التنظيم ُبين هؤلاء اللاجئين بضع عشرات أو مئات من مقاتليه، ومن بينهم بعض الخبراء في صناعة الاحزمة الناسفة والمفخخات.


الساحة الداخلية
داخليا، ينحصر تأثير داعش هو محصور في "الدائرة الإسلامية" التي تضم الإخوان المسلمون (السياسيين) والسلفية الجهادية (المقاتلة).
وداعش"لا تكسب انصارا خارج هذه الدائرة" كما يعتقد المصري الذي لاحظ انه "كلما ضعفت جماعة الإخوان ذهب شبابها باتجاه داعش".
ويعتقد أن ما أنقذ الإخوان وشبابها من التوجه صوب داعش هو "الانتصار الذي حققته حركة حماس في غزة (...) الذي قوّى حضور الجماعة في الأردن والإقليم، والذي لولاه لكان انجذاب شباب الإخوان إلى داعش أكبر بكثير".
ويحذر المصري من مخاطر تهميش جماعة الإخوان،وينبه إلى ان اقصاءهم واستهدافهم من قبل النظام جعلهم، ويجعلهم يشعرون بالتهميش ويتساءلون عن جدوى المشاركة في العملية السياسية، ما يفتح الباب على إسقاط السيناريو الذي حدث مع الاخوان في مصر.
وهو ما لن يبقي أمامهم إلا بوابة واحدة هي "داعش".
بدوره يلفت أبو هنية إلى أن الجبهة الداخلية "متصدعة" بسبب الانقسام في الآراء والمواقف، ويشير هنا إلى 21 نائبا رفضوا، في مذكرة نيابية وجهوها إلى الحكومة، مشاركة المملكة في أي تحالف ضد داعش، وكذلك رفضت بعض الأحزاب، وفي مقدمها "جبهة العمل الإسلامي" الذراع السياسي للإخوان، الدخول في حرب "ليست حربنا".
ويقدر أبوهنية عدد الأردنيين المنضوين تحت إمرة التنظيم بألفي مقاتل، والمتعاطفين معه من داخل التيار السلفي الجهادي بسبعة آلاف.غير أن هؤلاء غير مدربين أو مسلحين بشكل كاف .
ويعتقد المصري وأبوهنية أن تسريع خطوات العملية الإصلاحية واتخاذ خطوات عملية حقيقية في مجال مكافحة الفساد وإحقاق العدالة الاجتماعية والسياسية وتخفيف معاناةالمواطنين الاقتصادية وحدّة الفقر والبطالة وإعادة النظر في العديد من الملفات الفكرية والثقافية والتربوية سيسهم بشكل جيد إلى حد بعيد في التقليل من أخطار التنظيم المتطرف على البلاد، ويحرمها من التمتع بحاضنة اجتماعية متعاطفة معها.


الحرب على "داعش"
يشي الحراك المكوكي في الأردن والمنطقة للمسؤولين السياسيين والعسكريين العرب والأجانب أن المملكة ستدخل المواجهة مع "داعش"، وخصوصا في الأنشطة الاستخبارية، وإن كان هناك من يعتقد أن دورها سيتعدى ذلك، ربما إلى إشراك قوات مجوقلة ضاربة.
وكانت صحف أميركية ووكالات أنباء أجنبية، (رويترز) أشارت إلى ان واشنطن ستزود عمان قريبا بمساعدات العسكرية والمعدات، منها طائرات مروحية.
المصري يؤشر إلى ان هناك اخطارا في المنطقة العربية وبؤر توتر وقضايا عالقة تجعل "داعش" حاضرة بقوة، ويعتقد بضرورة التعامل مع جميع هذه الملفات في حزمة واحدة وليس الاتكاء فقط على الخيار العسكري.
ويرى أن هناك خليطا من التخوف والاندهاش في الشارع الأردني مما يشاهد ويسمع على "مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب".
وهو يحذرمن استغفال الشارع الذي "لا تنطلي عليه مسألة ما يسمى بـ"الإرهاب" وهو يرى إسرائيل تمارس جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة، وما يفعله النظام السوري بمواطنيه، وانهما يتساويان في ممارساتهما مع داعش".
ويدعو إلى التفكير مليا "قبل أن نركض خلف الأميركيين (...) وأن يكون تفكيرنا سياسيا، وأن يكون استيعاب الحركات الإسلامية مهمة رئيسة لإقناعهم بان يكونوا شركاء خصوصا انهم قبلوا الدخول في العملية السياسية الديموقراطية".
غير أن مشاركة الأردن، الذي ينوء كاهله بمشاكله الاقتصادية، في التحالف، لن تكون مجانية، فتصريحات الملك، الذي جال أخيرا على عدد من دول الخليج، والتقى الرئيس الأميركي في قمة كارديف (الناتو)، أكدت ان الدعم المادي آتٍ. 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم