الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

انتكاسة النفط والغاز الكبيرة في لبنان

كارول نخلة
انتكاسة النفط والغاز الكبيرة في لبنان
انتكاسة النفط والغاز الكبيرة في لبنان
A+ A-

سيظلّ العالم يتذكّر، ولسنوات طويلة، عام 2020 الذي ركّع الاقتصاد العالمي ومعه أسواق النفط. فقد تسبّبت جائحة كورونا بفرض تحديات غير مسبوقة على كافة بلدان العالم. حيث أنّ الاقتصادات التي كانت لا تزال تُعتبر متينة منذ فترة ليست ببعيدة، قد تعرّضت لصفعة قوية، وهي لا توحي اليوم بأنها ستتعافى بشكل كامل. وبالنسبة الى بلد مثل لبنان يعاني من تهالك هياكله الاقتصادية فيما يتخبّط بأزمة داخلية كبيرة تسبّب بها لنفسه، سيكون التأثير أكثر حدة.

وتأتي الصفعة القوية الثانية من النتائج السلبية التي توصّلت اليها أعمال التنقيب التي قامت بها شركة النفط العملاقة توتال وشركاؤها في بلوك 4 في المياه اللبنانية. صحيح أن مثل هذه النتيجة شائعة في هذه الصناعة وبخاصة في المناطق التي خضعت بالكاد لعمليات التنقيب. لكن في ظل الظروف القاتمة التي يمرّ بها سوق النفط حالياً، سيتم تقليص الإنفاق على التنقيب بشكل كبير، مما يؤخر مرّة أخرى حلم لبنان بالانضمام إلى نادي منتجي النفط والغاز، وهو حلم لطالما تطلّع اليه. وحتى لدى تحقق الحلم، وإن تحقق، لن تكون رحلة لبنان سهلة في سوق تسوده التنافسية الشرسة.

لا يمكن ولا ينبغي على الحكومة أن تعلّق آمالها على قطاع النفط والغاز لإنقاذ اقتصادها المتعثر، وعليها أن تعالج على الفور الأسباب الجذرية للاضطراب الداخلي بغض النظر عن وضع صناعة النفط والغاز.


اضطراب السوق

تعرض سوق النفط للاضطراب - أولاً بسبب نزاع بين المنتجين الرئيسيين، ثم بسبب الانهيار التاريخي في الطلب الناجم عن إغلاق النشاط الاقتصادي العالمي بسبب الجائحة. والنتيجة؟ انهيار لا مثيل له في أسعار النفط. وهذا ليس بالخبر السار للبنان، حيث بدأت بالكاد أنشطة التنقيب، ليتبيّن، وهذا الأسوأ، أنّ أول بئر تمّ التنقيب فيه لم يأت بنتيجة.

وفي ظل ظروف السوق العادية، ما كان هذا الوضع ليطرح مشكلة كبيرة لأن الثقوب الجافة أكثر شيوعاً من الاكتشافات التقنية ولا سيما من الاكتشافات التجارية. ولكن عندما تواجه الصناعة "أزمة لا مثيل لها" على حد تعبير صندوق النقد الدولي، فإن هذا المزيج من شأنه أن يقلّل من قدرة لبنان على جذب رأس المال الدولي الى حدّ كبير.

ولفهم حجم التحدي الذي تواجهه الصناعة، قد يصحّ النظر في التطورات السريعة غير المسبوقة التي ضربت أسواق النفط خلال الأشهر القليلة الماضية.

سباق إلى القعر

في أوائل آذار، فشلت منظمة الدول المصدّرة للنفط زائد (أوبك +)، وهي تحالف بين أبرز الدول المنتجة للنفط، في التوصل إلى اتفاق عندما رفضت روسيا المشاركة في تخفيضات الإنتاج التي أوصت بها المنظمة. وأعلنت المملكة العربية السعودية على الفور أنها ستضع في السوق 2.6 مليون برميل إضافي في اليوم، أي ما يعادل تقريباً إنتاج المملكة المتحدة والنرويج معاً. كما خفضت المملكة العربية السعودية أسعار صادراتها بشكل كبير. وقد وُصف تصريحها هذا بأنه حرب أسعار تُشنّ ضد روسيا، أو حرب تشنّها المملكة العربية السعودية وروسيا معاً لأخذ حصص من السوق تعود الى الولايات المتحدة، المنتج العالمي الكبير، أو ببساطة حصل سوء تقدير حيث فاجأ أطراف منظمة أوبك زائد بعضهم البعض وتجاهلوا عواقب أفعالهم. مهما كان الدافع الحقيقي، كان التوقيت سيئاً بالتأكيد.

في الوقت الذي صدر هذا الإعلان عن المملكة العربية السعودية وردّت روسيا على الفور قائلة إنها ستزيد الإنتاج هي أيضاً، بدأت تتضح معالم أزمة فيروس كورونا وحدّتها. وسرعان ما بدأت التوقعات الاقتصادية تؤشر الى التراجع. فحسب أحدث توقعاته الاقتصادية العالمية، يشير صندوق النقد الدولي الى أن ​​النمو الاقتصادي العالمي سينخفض في عام 2020 بنسبة 3٪، أي انخفاض بنسبة 6.3٪ عن توقعاته الأخيرة التي صدرت في كانون الثاني، وهذه إعادة نظر بارزة بالنسبة الى هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً. وإذا تحقق ذلك، ستتحوّل عملية "الإغلاق الكبير"، كما سمّاها صندوق النقد الدولي، إلى أسوأ تدهور اقتصادي منذ الكساد الكبير، وأسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

أعيد النظر بالطلب العالمي على النفط نحو التراجع أيضاً، وهذا يُعتبر دالة كبيرة للنشاط الاقتصادي. وسرعان ما بدت الوكالات الدولية والمؤسسات المالية وكأنها تنخرط في سباق نحو القعر مع توقعاتها بشأن الطلب على النفط. وتأتي أسوأ التوقعات حتى الآن من وكالة الطاقة الدولية التي قدّرت التراجع في الطلب في نيسان بمقدار 9.3 مليار برميل في اليوم، أو 10٪ من الطلب العالمي. قبل شهرين فقط، توقعت الوكالة أن ينمو الطلب بمقدار 825 ألف برميل يومياً.

ما يؤكّد عليه التعديل الهائل في التوقعات هو أن أحداً ما كان ليتوقع الحجم الحقيقي للأزمة. فحتى أصحاب الأدمغة الكبيرة في العالم ما زالوا غير قادرين على فهم مداها. ويحذّر صندوق النقد الدولي من أن توقعاته تعتمد على "وبائيات الفيروس، وفعالية تدابير الاحتواء، واستحداث العلاجات واللقاحات، وكلها يصعب التنبؤ بها."

وكنتيجة للتوقعات السلبية الساحقة للطلب والإمدادات الوفيرة، شهدت أسعار النفط هبوطاً سريعاً فتحوّلت إلى سلبية. كان من الصعب على أي منتج نفط أن يتصور سيناريو مماثلاً. فقد بدأ المشغّلون حول العالم بوقف الإنتاج - وهو اتجاه سيتسارع مع الأسعار الحالية. وأعلنت شركات النفط، بما فيها توتال وإيني ومعهما نوفاتيك، والتي عُهد اليها البلوك 4 و9 في لبنان، عن تخفيضات على الإنفاق بنسبة 20٪ على الأقل لهذا العام.

التخفيضات على الإنفاق

في صناعة النفط، عندما تنهار الأسعار، يقع الفأس في العادة على الإنفاق ما قبل التطوير. إذ يمر أي مشروع للنفط والغاز بعدة مراحل: أولاً تجري عملية التنقيب، وإذا تم اكتشاف مخزون، يجب تقييمه ليتمكن المستثمر من تحديد قابليته التجارية وبالتالي اتخاذ قرار بشأن الالتزام برأس مال كبير لتطويره. فالشركات بحاجة للتأكد من أن الأموال تستحق الإنفاق قبل إعطاء الضوء الأخضر للمضي ببناء البنية التحتية الضخمة لإخراج النفط والغاز من الأرض. وعندما تكون أسعار النفط منخفضة، يتم التدقيق في هذه القرارات عن كثب. وتصبح النفقات الرأسمالية للشركات أكثر حذراً وانتقائية وانضباطاً؛ والحال كذلك اليوم أكثر من السابق في ظروف يسودها عدم اليقين.

إن النتائج السلبية لعملية التنقيب الأولى في بلوك 4 لا تعني أن المباراة قد انتهت بالنسبة الى لبنان. لكن هذا يعني أنه ما لم يتغير الوضع في أسواق النفط العالمية بشكل جذري، سيصبح الاستثمار في أنشطة التنقيب أضعف بكثير.

طبعاً يمكن المجادلة والقول إن كل شيء سيعود الى طبيعته عندما تنتهي الأزمة الحالية، بما في ذلك الأسعار. لكن السؤال الأهم هو "متى". فمع استمرار تراجع التوقعات الاقتصادية وتاريخ أسعار النفط الذي يشير إلى أن الانتعاش سيستغرق وقتاً طويلاً جداً، قد يمرّ بعض الوقت بالفعل حتى تستعيد أسواق النفط مجدها السابق للأزمة.

الضربة الثلاثية

في بيئة حيث الأسعار منخفضة وفي سوق حيث العرض يلاحق الطلب، تبدأ الحكومات المضيفة أيضاً في ملاحقة رأس المال الدولي الذي سيذهب إلى حيث يمكن للمستثمرين تحقيق التوازن الأفضل بين المخاطر والمكافآت.

لذلك، سيتنافس لبنان مع دول أخرى في العديد منها المخاطر الجيولوجية والسياسية أقل. وكي يحسّن من فرصه، لا بدّ من إعادة النظر في شروطه المالية: ما كان تنافسياً عندما كانت أسعار النفط تحوم فوق 60 دولاراً للبرميل الواحد قد يصبح فجأة غير تنافسي بعد انهيار الأسعار بأكثر من النصف.

على الرغم من التحديات، لا يزال الكثيرون في لبنان يتوقعون ازدهاراً للنفط والغاز مما سيفتح فصلاً جديداً من الازدهار في البلد. الأمل هو آخر الأموات.

لكن وفي ظل الظروف العادية، تدعو الممارسة الجيدة إلى اتخاذ موقف حذر لتجنب الوقوع فريسة الوهم الذي غالباً ما تولّده ثروة الموارد: فبعد خلق شعور زائف بالأمان، أو حتى، وفي غالب الأحيان، التوهّم بغياب أي ضعف سياسي واقتصادي، يمكن أن يدفع الأمل في إيرادات الموارد بالحكومات الى إغفال الحاجة إلى إدارة اقتصادية جيدة ومواتية للنمو. في أوقات الأزمات، تكون المخاطر والرهانات أكبر بكثير.

لقد تعرّض لبنان لضربة ثلاثية: يعاني البلد من أزمة اقتصادية ومالية محلية تسبّب بها لنفسه، وتعرّض لكارثة عالمية، والاثنتان مستمرتان. وبالتالي، ليس اكتشاف النفط والغاز، بغض النظر عن الحجم، قادراً على إنقاذ البلاد من حالة الركود الحالية. وحده الالتزام القوي والحقيقي بالإصلاحات الاقتصادية التي يجد لبنان نفسه بأمس الحاجة إليها قادر على ذلك.


* الرئيسة التنفيذية لشركة كريستول إنرجي في المملكة المتحدة، وباحثة مشاركة في المركز اللبناني للدراسات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم