"الإسلاميون حجر عثرة"… تفاؤل حذر بجهود "الرباعية" لإحلال السلام بالسودان
سادت حالة من التفاؤل الحذر بإمكان التوصّل إلى وقف موقت لإطلاق النار في السودان وتمرير المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، قريباً، وسط أجواء ومؤشرات إيجابية ظللت المفاوضات غير المباشرة التي أجرتها "الرباعية" في واشنطن، على مدار يومين، بحسب ما أكدته مصادر مقربة من المفاوضات لـ"النهار".
لكن مسألة إنهاء الحرب التي اندلعت في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل نحو عامين ونصف، لا تزال غير محسومة، لأن الإسلاميين الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة منذ عام 1977 ثم سيطروا على السلطة لأكثر من 30 عاماً "يشكلون حجر العثرة الرئيسي" أمام جهود إنهاء النزاع الضاري الذي أودى بحياة عشرات الآلاف وهجّر الملايين من سكان هذا البلد، بحسب آراء محللين.
لاجئون سودانيون يتجمّعون في مخيّمات تابعة للأمم المتحدة عقب اندلاع الحرب في 2023
الالتزام بالسلام
قال مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس في تغريدة على حسابه بموقع "إكس"، اليوم السبت، إن الولايات المتحدة استضافت، أمس (الجمعة)، اجتماع "الرباعية"، بهدف تعزيز الجهود المشتركة لتحقيق السلام والاستقرار في السودان، بما في ذلك العمل على هدنة إنسانية عاجلة، والتوصل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، ووقف الدعم الخارجي، والمضيّ نحو انتقالٍ إلى الحكم المدني".
وأشار إلى أن "الأعضاء أكدوا التزامهم ببيان الوزراء الصادر في 12 أيلول/سبتمبر، واتفقوا على إنشاء "لجنة تشغيلية مشتركة" لتعزيز التنسيق بشأن الأولويات العاجلة".
وتدفع دول الرباعية التي تضم الولايات المتحدة، ومصر، والسعودية، والإمارات، صوب وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 3 أشهر، وتمرير المساعدات الإنسانية، تمهيداً لتنفيذ خريطة الطريق التي أعلنتها الرباعية في أيلول/سبتمبر الماضي.
وبدأت المفاوضات في العاصمة الأميركية، الجمعة، وقال مصدر لـ"النهار" إن "الدعوة وُجّهت للجيش والدعم السريع"، لافتاً إلى أن قوى تحالف "تأسيس" الذي يقوده الدعم السريع "رحّبت بالجهود التي تتبناها الرباعية بهدف وقف الحرب وتخفيف معاناة السودانيين، ولكن وفق رؤى محدّدة، يتصدّرها عزل الإسلاميين عن السلطة، وبناء نظام مدني ديموقراطي يتسع لمكوّنات المجتمع السوداني، من دون تمييز".
Yesterday in Washington, the United States hosted Egypt, Saudi Arabia, and the United Arab Emirates for a meeting of the Quad to advance collective efforts toward peace and stability in Sudan including efforts for securing an urgent humanitarian truce, achieving a permanent… pic.twitter.com/E7AErdnZMm
— U.S. Senior Advisor for Arab and African Affairs (@US_SrAdvisorAF) October 25, 2025
إحلال السلام
وتقول الصحافية السودانية المقيمة في واشنطن فاطمة غزالي لـ"النهار" إن الولايات المتحدة لديها رؤية واضحة في ما يتعلق بالوقف المؤقت لإطلاق النار وتمرير المساعدات، وكما نعلم جميعاً، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يركز على إنهاء الحروب، وإحلال السلام في العالم".
وتشير غزالي إلى أنه رغم تركيز الرباعية على الوقف المؤقت لإطلاق النار، في المرحلة الراهنة، ترى قوى تحالف "تأسيس" ضرورة تضمين الحل السياسي أيضاً، وليس وقف إطلاق النار والجوانب العسكرية فحسب.
وتضيف: "أنا متفائلة للغاية، بأنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار وهدنة، وتقديم للمساعدات الإنسانية، لأن وقف الحرب في السودان بات إرادة دولية وإقليمية".
وترى أن فترة الهدنة ربما تمهّد لاتخاذ إجراءات لبناء الثقة، لأنه بجانب الإرادة الخارجية، ثمّة إرادة لدى الشعب السوداني لإنهاء الحرب وإحلال السلام، وتقول: "الجميع يريد إنهاء الحرب، الوحيدون الذين لا يرغبون في إنهائها هم الإسلاميون".
هدنة قصيرة
من جانبها، ترى المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان أن المشهد بالغ التعقيد، وتقول لـ"النهار" إنه "حتى إن تمّ التوصّل إلى هدنة موقتة، فسيكون من الصعب بناء سلام دائم عليها".
وتضيف تسوكرمان: "الجيش السوداني والدعم السريع يخوضان مواجهة يُعدّ فيها النصر مساوياً للبقاء، أمّا التسوية فتعني الفناء".
وتصف مشهد المفاوضات التي استضافتها واشنطن بأنه "استعراض للتفاؤل المنفصل تماماً عن واقع الميدان"، معتبرة أن "اللغة الإنسانية التي تتحدث عن الهدن وممرات الإغاثة تخفي حقيقة أكثر قتامة: الصراع في السودان تجاوز المرحلة التي يمكن فيها لأي هدنة أن تثمر سلاماً".
وتضيف: "لا يستطيع أيّ من طرفي الصراع تحمّل التسوية، لأن التسوية تعني الضعف، والضعف في المشهد السوداني الراهن يعني الفناء سياسياً".
حرب دامية
واندلعت الخلافات مع قيام قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بحلّ مجلس السيادة، واعتقال مسؤولين حكوميين كبار، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، ما قاد إلى احتجاجات واسعة في البلاد، تبعتها مفاوضات أعيد على أثرها رئيس الوزراء السوداني حينذاك عبد الله حمدوك إلى منصبه، إلا أنه استقال بعد أشهر قليلة.
ومع تصاعد الخلافات والتوترات السياسية، انفجرت الحرب في 15 نيسان/أبريل 2023، بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ثم شكّل الدعم السريع تحالفاً يضم قوى مدنية وعسكرية، وهو التحالف الذي أُطلق عليه لاحقاً اسم "تأسيس"، وأعلن آب/أغسطس الماضي عن تشكيل حكومة موازية في المناطق التي يسيطر عليها وحلفاءه، وسمّاها "حكومة الوحدة والسلام".
وتعمل الرباعية، حالياً، على وقف مؤقت للحرب وتقديم المساعدات الإنسانية لسكان البلد الذي مزقته الحرب، تمهيداً لبدء فترة انتقالية تستمر لنحو 9 أشهر، يتبعها حلّ سياسي يحقق السلام الدائم.
نبض