صراع المحاور على غاز المتوسط يشتعل مجدداً... ما مصير تحالف القاهرة – أنقرة – حفتر؟

اعترضت الديبلوماسية المصرية مجدداً على اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع بين تركيا وليبيا المنقسمة، ما أعاد إلى الواجهة صراع المحاور على غاز البحر المتوسط.
ورغم أن الموقف المصري ليس جديداً، فقد عبّرت عنه القاهرة منذ توقيع رئيس حكومة "الوفاق الوطني" السابقة في ليبيا فائز السراج الاتفاق، العام 2019. لكن المتغير اتجاه المتحكمين في صنع قرار الشطر الشرقي من ليبيا إلى تمرير الاتفاق، ما يضع علامات استفهام بشأن مستقبل العلاقات بين القاهرة وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر، كما أن الاعتراض المصري جاء داعماً لتحركات اليونان في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ضد الاتفاق، ما يثير الشكوك حيال ما بدا توافقاً وتنسيقاً في الأفق بين القاهرة وأنقرة.
وفي احتجاج شديد اللهجة، قدّمته القاهرة إلى الأمم المتحدة، الشهر الماضي، أكدت أن الحدود الخارجية للجرف القاري الليبي، وفق ما هو معلن، تتداخل مع الحدود البحرية الغربية لمصر في المتوسط، ولا يمكن الاعتراف بها، كما استنكرت إعلان ليبيا الحدود البحرية الشرقية، التي تقع بالكامل ضمن المنطقة البحرية المصرية، وهو ما يمثل انتهاكاً لسيادة مصر وحقوقها الثابتة.
وإذ رفضت مصر اعتراض ليبيا على المناقصة الدولية التي طرحتها اليونان للتنقيب عن الهيدروكربونات جنوب جزيرة كريت، احتجت بشدة على مذكرة التفاهم الموقعة في حزيران/ يونيو الماضي بين مؤسسة النفط الوطنية الليبية ومؤسسة البترول التركية، والتي حددت خططاً للدراسات البحرية والمسوحات الزلزالية، مشيرة إلى أن إحدى المناطق المحددة تتداخل مع حدودها البحرية، مما يجعل الاتفاق باطلاً وبدون أثر قانوني. لكن القاهرة أكدت في المقابل "استعدادها للتفاوض مع دول الجوار بحسن نية للوصول إلى حلول عادلة وقانونية بشأن ترسيم الحدود البحرية".
بالتزامن، دعا رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى التوصل لاتفاقية عادلة وقانونية لترسيم الحدود مع ليبيا، وقال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "نشترك مع ليبيا في حدود بحرية. لذلك، من مصلحتنا المشتركة ترسيم الحدود، بما يتماشى مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".
وكان ميتسوتاكيس أعلن قبل أسبوع عقد جولة أولى من المفاوضات مع ليبيا بشأن ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، مؤكداً التزام بلاده برفض مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا 2019.
الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور بشير عبد الفتاح، يؤمن بالفصل في الملفات وبعدم تأثير الاحتجاج المصري على اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا على العلاقات التي وصفها بـ "الاستراتيجية" بين القاهرة وأنقرة، موضحاً بأن "دوافع التقارب بين البلدين باتت أكثر إلحاحاً في ظل النيات التوسعية التي كشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتهديده لدول كبرى في الإقليم. لكن هذا لا يعني تطابق وجهات النظر في كل الملفات".
ويقول عبد الفتاح، لـ"النهار"، إن "مصر سياستها توازنية ولن تكون طرفاً في الصراع بين تركيا واليونان، وربما تستخدم علاقتها الجيدة بالبلدين في محاولة حل الخلافات. لكن هذا مرهون بالتزام أنقرة بمرجعية اتفاقية البحار في عملية ترسيم الحدود البحرية".
يتفق عضو الجمعية الدولية للعلوم البحرية الدكتور راقي المسماري مع عبد الفتاح، مؤكداً أن الاحتجاج المصري لن ينعكس على العلاقات مع قادة شرقي البلاد. ويضيف، لـ"النهار"، أن "تقارب شرقي ليبيا مع أنقرة جاء بناءً على نتائج التقارب المصري - التركي".
كذلك، لا يستبعد المسماري أن يكون الإجراء المصري "جاء لتخفيف الضغط التركي على قادة شرقي البلاد... وعلى كل حال، مسألة الترسيم البحري تخضع لاتفاقية جامايكا لأعالي البحار الموقعة عام 1982؛ وما يقرره القانون الدولي على الجميع الالتزام بقبوله".
يوضح المسماري، وهو أستاذ قانون في ليبيا، أن مصر لن تقبل بالترسيم البحري التركي – الليبي، بعدما وجدت أن حدودها البحرية أصبحت مع تركيا وليس مع اليونان، الحليف الأوروبي الاستراتيجي لمصر تاريخياً وحاضراً، والذي وقف معها في أعقاب أحداث حزيران/ يونيو 2013، على عكس تركيا.
ويختم بالقول: "مصر تعرف كيف تُدير التوازنات الدولية من باب الحياد السياسي. صحيح أن الظروف والوقت جعلت التقارب بين المصريين والأتراك حتمياً من نواحٍ سياسية وأمنية وعسكرية لمواجهة التغيرات التي تعيشها المنطقة، لكن كل ذلك ليس بالضرورة أن يؤدي بمصر إلى الإضرار بمصالح اليونان الاستراتيجية".