سوريون في ليبيا... بين أعباء الإقامة وحلم العودة إلى الوطن

في صباح الإثنين الماضي، خرج أمير الضوي من مقر السفارة السورية في العاصمة الليبية طرابلس ممسكاً بجواز سفره السوري بعد تجديده، شاعراً بالارتياح بعدما ظل يعاني لسنوات، مثل عشرات آلاف السوريين، من انتهاء صلاحية الجواز. ويعتبر الضوي إنجازه خطوة نحو توفيق وضعه القانوني، والعودة إلى بلاده التي غادرها مع احتدام النزاع المسلح هناك قبل نحو عقد.
في آب/أغسطس الماضي، عادت السفارة السورية في ليبيا لتقديم خدماتها القنصلية، بعد أن أُغلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2011. ورُفع العلم السوري على مقر السفارة في طرابلس، في خطوة حلّت معضلة آلاف السوريين الذين ظلوا لسنوات عالقين، غير قادرين على تجديد وثائقهم أو الحصول على أيّ مستند رسميّ، مثل شهادات الميلاد أو الوفاة، وتسجيل الزواج والطلاق، وفق ما يقول الضوي لـ"النهار".
بالإضافة إلى معضلة توفيق الأوراق الثبوتية، ظل السوريون في ليبيا يعانون من كلفة الضرائب وغرامات تسوية الإقامات، قبل أن تُعلن حكومة الوحدة الوطنية قبل أيام استثناء السوريين المقيمين في ليبيا من الرسوم والغرامات المستحقة لتسوية أوضاعهم حتى نهاية العام الجاري، في خطوة أثنت عليها الحكومة السورية. ويعتبر الضوي أن الإجراءات الأخيرة أيضاً "تحلّ أزمات لطالما عانى منها السوريون في ليبيا، وتمهّد الطريق أمام عودة الآلاف إلى بلادهم".
رواية الضوي يؤكّدها لـ"النهار" أيضاً مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، الذي يشير إلى وجود "معضلات تقنية ولوجيستية على رأسها الأوراق الثبوتية، بالإضافة إلى كلفة العودة عبر الطيران والتنقلات، والتي تقف حائلاً أمام أغلب السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم"، مقدراً عدد الراغبين في مغادرة ليبيا بـ"الآلاف".
وخلال الأسابيع الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوات لشباب سوريين يناشدون الحكومة الليبية تسهيل الإجراءات، وتخفيف الضرائب، والمساعدة في عودتهم إلى بلادهم.
ويوضح الضوي أن آلاف الشباب والعائلات "يعانون وضعاً مزرياً، إذ إنهم عالقون في ليبيا بين عدم القدرة على تجديد الوثائق الرسمية واستخراج أوراق لأطفال بعضهم، وبين عدم القدرة على دفع الضرائب والغرامات، ما عرضهم للملاحقات والسجن".
وكانت دمشق قد أعربت عن تقديرها لقرار الحكومة المركزية في ليبيا، مؤكدة أن خطوة الإعفاء من الغرامات تعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، وتشكل دعماً كبيراً لأبناء الجالية السورية وتسهيل ظروف إقامتهم ومعاملاتهم. ويشمل القرار الغرامات المالية عن تجاوز مدة الإقامة القانونية، والتي كانت تقدر بنحو 500 دينار ليبي عن كل شهر تأخير.
لكن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان يقول مستنكراً: "وكأن السوريين يعيشون في دولة أوروبية تُنفق عليهم. هذه الغرامات فُرضت عبر العصابات المسلحة الليبية، وهؤلاء السوريون يعيشون حالة مأسوية، وتم الزج بهم في معتقلات غير رسمية تابعة للميليشيات".
أما الحقوقي الليبي المتخصص في ملف المهاجرين طارق لملوم فيرى أن إجراءات الحكومة الليبية الأخيرة "جاءت لعاملين: الأول العلاقات الدافئة التي تجمعها بالحكومة السورية الجديدة؛ فطرابلس كانت من أوائل العواصم التي رحبت بالسلطة الجديدة في سوريا، والثاني أن الحكومة الليبية تعلم جيداً أن السوريين جاءوا إلى ليبيا كنازحين فارين من الحرب، وغير قادرين على دفع تكاليف الضرائب ورسوم الإقامة، خصوصاً الأسر الكبيرة؛ وبالتالي كان يجب تقنين أوضاعهم وعودة من يرغب، بالتزامن مع محادثات بين الحكومتين لتسوية أوضاع المحتجزين السوريين في ليبيا؛ وكلّ ذلك لقفل ملف المهاجرين السوريين غير النظاميين".
ووفقاً لتقديرات غير رسمية، يعيش في ليبيا ما بين 100 إلى 150 ألف سوري، معظمهم دخلوا بعد الثورة السورية عام 2011. ويوضح لملوم لـ"النهار" أن "نحو 10% فقط من السوريين من ميسوري الحال، أغلبهم تجار وأصحاب محال، وتمكنوا من الحصول على إقامات قانونية ويدفعون الضرائب بانتظام، أما الأغلبية فتتشكل من عمال يوميين يشتغلون في الأعمال الحرفية والمقاولات، وهؤلاء يواجهون الكثير من العقبات، كالعمل في المناطق الخطرة، وتعرضهم لحوادث ابتزاز وخطف من قبل الجماعات المسلحة الليبية لقاء دفع فدية، بالإضافة إلى دفع كلفة معيشتهم وإيجار السكن".
ويشير لملوم إلى "مؤشرات كبيرة على رغبة الكثير من السوريين في العودة إلى بلادهم، لكنهم ينتظرون، من ناحية، تشغيل كامل لسفارة بلدهم، وتعيين سفير جديد لإنهاء أوراق عودتهم؛ ومن ناحية أخرى، فإن الكثير من العائلات ترغب في العودة، لكن أبناءهم في مراحل التعليم المختلفة، وينتظرون إكمال دراستهم". ويضيف: "بعد عودة موظفي السفارة السورية للعمل على استخراج الأوراق الثبوتية وتقنين أوضاع العالقين، خرجت بالفعل نحو أربع رحلات عائدة إلى سوريا".
وقبل نحو شهر، بدأت الشركة السورية للطيران بتسيير رحلات عارضة من دمشق إلى مطار معيتيقة في العاصمة الليبية، لتسهيل حركة المسافرين بين البلدين.