حادث وادي الحراش... صدمة وطنية تفتح ملف النقل والإعلام في الجزائر

لا تزال تداعيات حادث سقوط حافلة لنقل المسافرين في وادي الحراش بالعاصمة الجزائرية تُلقي بظلالها على المشهد العام في البلاد. فقد خلّف الحادث، الذي وُصف بانه مأسوي نظراً الى حجم المأساة والحزن الذي عمّ المحافظات، بخاصة تلك التي ينتمي إليها الضحايا الثمانية عشرة، ردود فعل حكومية وسياسية ونيابية واجتماعية وإعلامية واسعة.
الحكومة أعلنت فتح تحقيقات واتخذت إجراءات عاجلة، أبرزها استبدال الحافلات القديمة بأخرى جديدة خلال ستة أشهر. في المقابل، قررت سلطة السمعي البصري قطع البث عن قنوات اعتبرت أنها تجاوزت أخلاقيات المهنة في تغطيتها للحادث، فيما ظل النقاش مستمراً بشأن الأسباب الحقيقية والمسببات الكامنة وراء هذه الكارثة.
ويقول النائب زكرياء بلخير لـ"النهار": "الحادثة حرّكت الكثير من المياه الراكدة، وكشفت عن أوجه خلل واضحة"، مضيفاً: "وسط الشد والجذب وتبادل الاتهامات، علينا أن نشخّص الوضع بموضوعية من دون تحامل على طرف بعينه. فالمسؤولية مشتركة، وإن تفاوتت".
ويؤكد أن "حصر الاتهام بالعامل البشري فقط غير منصف، فالحكومة وقطاعاتها تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، والتهاون في تطوير مخطط النقل وشبكته يعدّ العامل الأبرز، مع عدم إغفال مسؤولية السائقين".
وينتقد النائب الجزائري ما وصفه بـ"القرارات الارتجالية التي تأتي ردة فعل بعد وقوع الكوارث"، مشيراً إلى أن "اتهام المؤسسات الإعلامية وحدها فيه الكثير من الإجحاف، لأن الجهاز التنفيذي يتحمل مسؤولية الرداءة الإعلامية نتيجة الترهيب والقيود المفروضة".
من جانبها، تعتبر الإعلامية حليمة مزهود، في حديث الى "النهار"، أن التغطية الإعلامية للحادث "انزلقت إلى منحى غير مهني بعد بث صور مؤسفة لاستجواب الجرحى وذوي الضحايا"، مؤكدة أن "الإنسانية يجب أن تسبق السبق الصحافي، ومن المهنية انتقاء الزوايا والأسئلة بحذر في مثل هذه الحوادث".
وتنتقد في الوقت نفسه قرار سلطة السمعي البصري بقطع البث يومين كاملين عن بعض القنوات، واصفة إياه بـ"الخطأ والازدواجية غير المبررة"، داعية إلى "سنّ قوانين واضحة تسبق الأحداث، تُلزم القنوات احترام أخلاقيات المهنة وخصوصيات المشاهد".
أما الأمينة الوطنية للجمعية الجزائرية للوقاية من حوادث المرور نبيلة قرومي، فترفض تحميل السائقين وحدهم تبعة الحوادث، مشددة على وجوب دراسة كل حادث من مختلف الجوانب.
وتوضح في تصريح لـ"النهار"، أن "القرارات الحكومية القاضية بوقف أكثر من 5 آلاف حافلة يزيد عمرها عن 30 سنة في ظرف ستة أشهر قد تضر بآلاف العائلات التي تعتاش منها"، مشيرة إلى أن "ما لا يقل عن ألف عائلة ستفقد مصدر رزقها المباشر".
وتعتبر أن "الأجدر الاستعانة بخبراء لتحديد صلاحية كل حافلة، فبعض الحافلات القديمة بحالة جيدة بسبب صيانتها الدورية، وقد تكون أفضل من أخرى أحدث عمراً". وتتساءل عن قدرة الحكومة على تعويض هذا العدد الكبير من الحافلات في فترة قصيرة، بخاصة مع قرب الدخول المدرسي والاجتماعي، محذّرة من أن "استيراد أكثر من 5 آلاف حافلة أو تصنيعها في نصف عام ستكون له عواقب وخيمة على خزينة الدولة والمواطن".
وتدعو قرومي إلى حلول بديلة، مثل "منح رُخص إضافية لأصحاب سيارات الأجرة، وإخضاع بعض الحافلات للمراقبة التقنية، ومعالجة مشكلة نقص قطع الغيار في السوق". كما تشدد على "ضرورة تغيير ذهنية سائقي الحافلات وأصحابها، وإقناعهم بأنهم يقدمون خدمة عمومية وليس مجرد تجارة، لأن انعكاس ذلك يتجاوز الجانب الاقتصادي ليشمل الأبعاد الاجتماعية والسياسية أيضاً".