بلقاسم حفتر يوسّع نفوذه عبر بوابة الإعمار... تخصيص موازنة يشعل الصراع على تقاسم الثروة
منذ ظهوره في المشهد السياسي، يحيط الجدل محلياً ودولياً ببلقاسم حفتر، نجل قائد "الجيش الوطني" الليبي خليفة حفتر، خصوصاً بشأن قدرته على تسويق نفسه كقيادي مدني يمكن الاعتماد عليه، بعدما أبعد نفسه عن المؤسسة العسكرية، خلافاً لشقيقيه صدام وخالد.
وجاء صعود بلقاسم سريعاً عبر بوابة تنفيذ المشاريع وإبرام التعاقدات، بعد توليه رئاسة صندوق التنمية وإعادة الإعمار، الذي أُنشئ مطلع العام الماضي عقب الكارثة التي ضربت مدينة درنة (شمال شرق ليبيا) جرّاء الإعصار "دانيال". وقد لعب أدواراً سياسية اعتماداً على البُعد الاقتصادي، كان أبرزها فتح الباب أمام مصالحة سياسية وعسكرية بين شرق ليبيا وتركيا، بعد سنوات من الصدام.
لكن مسألة تمويل المشاريع التي ينفذها الصندوق، والرقابة عليها، بقيت محل جدل في مشهد تطغى عليه الانقسامات والصراعات. كما أثار الاهتمام الدولي ببلقاسم حفتر تساؤلات عن حدود الدور الذي يمكن أن يلعبه مستقبلاً.
وفي ظل أجواء مشحونة بالتوتر، جاء قرار مجلس النواب الأسبوع الماضي بالموافقة "بإجماع الحاضرين" على اعتماد خطة التنمية وإقرار موازنة لصالح صندوق التنمية والإعمار، وفق ما قال الناطق باسم المجلس عبدالله بليحق، ما زاد من الجدل بشأن تصاعد نفوذ بلقاسم حفتر. وتزامن القرار مع محادثات محلية ودولية لتوحيد الموازنة الليبية، ومع تصاعد الدعوات لإنهاء النزاع بين الحكومتين في الشرق والغرب، وتوحيد السلطة التنفيذية.
وفي خطوة بدت محاولة لطمأنة المتخوفين من غياب الرقابة على مشاريع الصندوق وإنفاقه، قرر مجلس النواب "إلغاء كل الاستثناءات من الرقابة الإدارية والمالية"، بما يسمح بخضوع الصندوق لرقابة ديوان المحاسبة. وأوضح بليحق أن المجلس "شكّل لجنة للاجتماع مع إدارة الصندوق لإعداد الموازنة وتوضيح آلية صرفها".
الدبيبة يحذّر
من جهته، سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى التحذير مما وصفه بـ"كارثة مالية جديدة يصنعها مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح"، معتبراً قرار البرلمان "عبثاً". وقال إن "تجاوز حجم الإنفاق 100 مليار دينار خلال عامين بلا ضوابط أو رقابة يهدد الدينار الليبي". ودعا الدبيبة النائب العام وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية إلى كشف الحقائق بشأن ما وصفه بـ"الإنفاق الموازي"، مشدداً على أن "لا معنى لحجج الإعمار إذا كانت تُستخدم غطاءً لنهب المال العام وتدمير الاقتصاد"، كما ندد بـ"محاولة التعدي على إيرادات النفط وتسييلها خارج أطر الدولة".
محاولة ابتزاز؟
أما المحلل السياسي الليبي حمد عز الدين، فيرى أن الاعتراضات على موازنة الصندوق "ذات طابع سياسي يهدف إلى عرقلة التنمية ومحاولة ابتزاز لتحقيق مصالح شخصية". ويشير إلى أن "الأموال تُهدر من قبل حكومة العاصمة، حيث صُرف نحو 25 مليار دينار خلال خمسة أشهر فقط على ثلاث وزارات: الدفاع والداخلية والخارجية، وفق بيانات المصرف المركزي، مقابل 23 ملياراً (قيمة الموازنة الجديدة للصندوق) ستنعكس فعلياً على حياة المواطنين عبر مشاريع ضخمة".
ويوضح عز الدين، لـ"النهار"، أن "الصندوق يتبع مجلس النواب، ومن الطبيعي أن تُخصَّص له موازنة مستقلة، وهو ما يسهم في تعزيز البنية التحتية في ليبيا ويشجع على جذب الاستثمارات، ما ينعش الاقتصاد". ويؤكد أن الصندوق بات خاضعاً، بناءً على طلب من رئيسه (بلقاسم حفتر)، للرقابة المالية، بالإضافة إلى لجنة برلمانية لمتابعة عمله، لافتاً إلى أن الموازنة "ستُدبّر عبر المصرف المركزي أو بضمانات مستندية من المصارف الليبية"، ومعتبراً أن عدم اعتراض المصرف المركزي على اعتماد الموازنة "يوحي بموافقته على استمرار عمل الصندوق رغم الانقسام الحاصل في البلاد". كما يحمّل عز الدين المجتمع الدولي مسؤولية مناقشة ملف توحيد الموازنة، داعياً إلى دراسة الإصلاحات التي تكفل استمرار عجلة التنمية "غير المسبوقة"، وتوفير الدعم لها.
في المقابل، يشير الخبير الاقتصادي الليبي عبد الرحيم شيباني، في تصريح لـ"النهار"، إلى "وجود اعتراضات داخل مجلس النواب نفسه على اعتماد الموازنة من دون توضيح تفاصيل المشاريع وتوزيعها الجغرافي"، مشدداً على أن "مشاريع الإعمار يجب أن تشمل كل مناطق ليبيا". لكنه يشيد بخضوع الصندوق لرقابة الأجهزة المختصة، كديوان المحاسبة، أسوة بسائر مؤسسات الدولة.
ويرى شيباني أن قرار البرلمان "يضمن موازنة مستقلة للصندوق بعيداً عن تطورات المشهد السياسي المتقلبة"، لافتاً إلى "الزخم الدولي الداعم لتوحيد الحكومتين، بعد فشل محاولات إقرار موازنة موحدة وسط الصراع على تقاسم الموارد". كما يرجّح أن "المجتمع الدولي لن يسمح لمجلس النواب بالاستمرار في إقرار موازنات بشكل منفرد، في ظل تشديد الرقابة الدولية على الموارد وآليات إنفاقها".
نبض