لماذا هربت المعارضة في تونس نحو العالم الافتراضي؟
تتواصل حالة السبات التي تعيشها معارضة تونس منذ إجراء الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وبينما بات حضورها في الميدان شبه معدوم، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى الفضاءات الوحيدة التي تشير إلى أنها لا تزال موجودة.
وبين تبريرات بالتضييق على عملها الميداني واتهامات لها بالإفلاس السياسي، تتعدد القراءات بشأن هذا التحول في سياسات أحزاب تونس.
وتوجد في تونس عشرات الأحزاب السياسية، لكن أغلبها بات لا يملك القدرة على تعبئة الشارع، إذ لا تشهد أغلب التحركات التي تدعو إليها مشاركة شعبية كبيرة.
تأثير أقوى؟
ويرى البعض أن الهروب إلى العالم الافتراضي سببه المناخ العام في البلد، إذ تشتكي المعارضة في تونس مما تعتبره "تضييقاً على نشاطها"، وتقول إن السلطة تلاحق كل الأصوات المنتقدة لها، ما أشاع مناخاً من الخوف، لذلك اتجهت نحو العالم الافتراضي.
غير أن المحلل السياسي بسام حمدي يرى أن جزءاً كبيراً من أحزاب المعارضة في تونس بات يعوّل على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن معارضته واحتجاجه على السلطة الحاكمة بشكل يكاد يكون كلياً.
ويضيف حمدي، لـ"النهار"، أن "ذلك يتجلى في نشرها لبياناتها، ونقلها لمواقفها أو الندوات التي تنظمها أو كلمات قادتها على مواقع التواصل".
ويقدّر أن في ذلك محاولة لاستمالة شريحة جديدة من الجمهور، لأنها تعتقد أن جمهور هذه المواقع أكبر وأن لها تأثيراً أقوى على الشارع التونسي.

إفلاس سياسي
في المقابل، يرى كثيرون أن سبب توجه المعارضة إلى العالم الافتراضي كفضاء بديل من الميدان سببه "حالة الوهن التي تعيشها".
ويرى حمدي أن استبدال المعارضة للميدان بالفضاء الافتراضي هو في الحقيقة نابع من وعيها بعجزها عن حشد التونسيين، "ففي كل التظاهرات الأخيرة التي نظمتها كانت المشاركة الشعبية ضعيفة جداً". ويتابع: "هذا الوضع بات يحرج الأحزاب المعارضة، لذلك فإن التخفي وراء العالم الافتراضي يرفع عنها هذا الإحراج السياسي، خصوصاً أن الموالين للسلطة يصرون على وصفها بالفاشلة والعاجزة".
لكنه يعتبر أن المعارضة مخطئة في التعويل على هذا الخيار فقط للتغطية على حالة الوهن التي تمر بها، فـ"في كل دول العالم، المعارضة تنطلق من العالم الافتراضي للحشد لتظاهراتها، ثم تخرج إلى الشارع من أجل التظاهر حتى لا تترك مكانها فارغاً".
قطيعة مع الشارع
ويشارك المحلل السياسي باسل ترجمان حمدي تقديره لأسباب لجوء معارضة تونس إلى العالم الافتراضي، مؤكداً أن ذلك يعود إلى كونها تعاني من قطيعة مع الشارع، "هي المسؤولة عنها".
ويرفض ترجمان، في تصريح لـ"النهار"، الحديث عن تضييق يحرم المعارضة من النشاط في الميدان ويجبرها على الاكتفاء بالنشاط على المواقع الافتراضية، موضحاً أن "السلطات وفرت الحماية الأمنية لكل التظاهرات التي نظمتها المعارضة، لكن التونسي بات يختزل أحزاب المعارضة في الأحزاب التي حكمت خلال الفترة التي صارت تُعرف شعبياً بالعشرية السوداء، في إشارة إلى فترة حكم الإسلاميين وحلفائهم".
ويعتقد أن المعارضة في تونس "لم تقم بعملية نقد واعتراف وتصحيح لأخطائها، بل هي تصر على الاستمرار في السياسات ذاتها، محاولة العودة إلى مشهد ما قبل 24 تموز/ يوليو 2021، وهو ما يرفضه الشارع التونسي".
ويعتبر أن المعارضة في تونس هي معارضة افتراضية لا قدرة لها على الوجود في الواقع، وبالتالي في تقديره فإن "العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي هي ملاذها الوحيد للبقاء".
فضاء غير تقليدي
سيرين بالحاج علي، الباحثة في علم الاجتماع، ترى أن "الميديا الاجتماعية" أحدثت تحولاً كبيراً في المشهد السياسي في جميع دول العالم، ومنحت الفاعلين السياسيين فضاءات تعبير جديدة ومختلفة عن الفضاءات التقليدية التي تسيطر عليها السلطة عادة.
وتشير بالحاج علي، في حديث مع "النهار"، إلى أن العديد من الحملات التي حُشد لها على الفضاء الافتراضي في تونس منذ عام 2011 أسهمت في التأثير في الرأي العام، لذلك تسعى المعارضة لتعزيز نشاطها في هذا الفضاء وعدم التفريط فيه.
ورغم إقرارها بأن العمل الميداني مهم بالنسبة إلى أي حزب سياسي، تشير إلى أن "الفضاء الافتراضي خلق رموزه النضالية الجديدة".
وتقول إن "الميديا الاجتماعية اليوم صارت تصنع الرأي العام في كل دول العالم، لذلك، لجوء المعارضة في تونس إليها كبديل من العمل الميداني ربما يكون خياراً فرضه الواقع الجديد".
لكن بالحاج علي تعتقد أن التحدي الأكبر هو الخروج من هذا العالم إلى العالم الحقيقي، وهو "اختبار يبدو أن معارضة تونس فشلت فيه في الوقت الحالي".
نبض