ظاهرة مستجدّة في بلد "غنيّ"... ليبيّون يتسوّلون على أبواب المساجد والمراكز التجاريّة

يلاحظ المتجوّل في شوارع مدن ليبيا الرئيسية ومحيط مساجدها ومتاجرها الكبرى، انتشاراً لافتاً للمتسوّلين، ربما لا يمثّل الأمر مفاجأة في ظلّ استقبال ليبيا آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين تقطّعت بهم سبل الحياة، لكن أن يكون من بين المتسوّلين ليبيّون، فأمر يدقّ نواقيس الخطر من انهيار المستوى المعيشيّ في بلد غنيّ بالنفط، لكنّه يتصدّر مؤشّرات الدول الأعلى فساداً.
وكانت مديرية أمن طرابلس، كشفت الأسبوع الماضي، عن ضبط 878 متسوّلاً بينهم 329 ليبياً (90 رجلًا و178امرأة و61 طفلاً)، في مؤشر مثّل صدمة للأوساط الليبية، لاسيّما أنّه يقتصر على الموقوفين في العاصمة فقط.
وانعكس الصراع السياسي المحتدم على مدى أكثر من عقد، انهياراً غير مسبوق في مستوى معيشة الليبيين وصعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية. وعلى رغم إقراره بتلك المعاناة، يستغرب الخبير الاقتصادي الليبي عبد الرحيم شيباني انتشار ظاهرة التسوّل "الغريبة على مجتمع يشتهر بالتكافل وينظر إلى التسوّل نظرة مستغربة".
ويقول شيباني لـ "النهار": "بعد عقود من ارتباط المواطنين بالدولة بشكل رئيسي، باتوا يتأثرون بشكل كبير بالحالة الاقتصادية والإنفاق الحكومي، الدخول ضعيفة مقارنة بأسعار السلع والخدمات الاساسية، والليبيون يواجهون صعوبات في تغطية حاجاتهم المعيشية، لاسيما مع عدم صرف الحكومات إعانات الأسر خلال السنوات الأخيرة، وتأخر صرف رواتب الموظفين، وعدم الاهتمام بوضع نظام حماية للطبقات الهشة، وعدم وجود أيّ دعم حكومي للسلع الأساسية، إلّا المحروقات"، لكنّه مع ذلك يقلل من انعكاسات الوضع الاقتصادي على انتشار ظاهرة التسوّل، مشيراً إلى أنّ "هناك جانباً يمتهن التسوّل لربحيّته مقارنة بالوظائف، وخصوصاً في بعض المواسم مثل اقتراب شهر رمضان والأعياد، وهناك من يتعرّض إلى كوارث كتغطية كلفة العلاج أو عمليات جراحية، لكنّها تبقى حالات محدودة وفي الغالب من يمتهنون التسوّل ليسوا ليبيّي الأصل".
أمّا رئيس المؤسسة الليبية لحقوق الإنسان أحمد حمزة، فيؤكّد الربط بين انهيار مستوى معيشة الليبيين واضطرارهم إلى التسوّل لتوفير حاجتهم الأساسية في ظلّ معدّلات تضخّم غير مسبوقة، لافتاً لـ "النهار" إلى أنّه وفقاً لمؤشرات أخيرة فإنّ معدّلات الفقر ارتفعت لتصل إلى نحو 40 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 7 ملايين نسمة.
ويشير حمزة أيضاً إلى رصد ظواهر جديدة على المجتمع الليبي منها ارتفاع معدلات البطالة والتفكّك الأسري وانتشار ظاهرة المرأة المعيلة في مقابل عدم اهتمام الحكومات بالرعاية الصحية ودعم الأسر الفقيرة والمهمّشة. ويضيف: "نتيجة للفساد المستشري في البلاد بات الليبيون فقراء في دولة غنية بالنفط".
وأمام ارتفاع معدّلات الفقر في ليبيا، ينشط عدد من المنظمات الأهلية من بينها "المنظمة الوطنية لأمازونات ليبيا"، في مجالات دعم الطبقات الفقيرة وتقديم المساعدات للأسر الأكثر احتياجاً. وتقول مديرة المنظمة خديجة بسيكري لـ "النهار" إنّ الخدمات الخيرية تشمل "تقديم وجبات للعمال وحصص تموينية للأسر وملابس للأطفال الأيتام، بالإضافة إلى دفع كلفة الرعاية الصحية، خصوصاً للحالات الحرجة، سواء داخل ليبيا أم خارجها". وتلفت إلى دعم تقدّمه المنظمة لمشاريع صغيرة تُنفّذها النساء المعيلات، مشيرة إلى أنّ تمويل هذه الحملات "يأتي عبر تبرّعات أهل الخير".
وبالمثل توضح المسؤولة في جمعية "أيادينا للتكافل الاجتماعي" منى قطيش لـ"النهار" أنّ منظمتها تعمل منذ تأسيسها عام 2006 على "دعم عشرات الأسر الأكثر احتياجاً وتقديم مساعدات شهرية لكفالة الأيتام، بالإضافة إلى تقديم حصص تموينية في المناسبات، خصوصاً في شهر رمضان، وكذلك الدعم الصحّي، لا سيّما لمرضى السرطان.".