العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة: بين الضم وإلغاء صفة اللاجئين

المشرق-العربي 10-12-2025 | 06:18

العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة: بين الضم وإلغاء صفة اللاجئين

يعتزم الجيش الإسرائيلي بناء جدار في الأغوار لفصل القرى الفلسطينية عن المستوطنات، وعزل القرى عن بعضها البعض، بطول 22 كيلومتراً وعرض 50 متراً. 
العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة: بين الضم وإلغاء صفة اللاجئين
جندي إسرائيلي يعتقل فلسطينياً خلال عملية عسكرية في بلدة قلقيلية بالضفة الغربية. (أ ف ب)
Smaller Bigger

مؤخراً، تحولت الضفة الغربية إلى قطعة من "جبن الغرويير" مليئة بالثقوب؛ فبين عزل المدن والقرى والمخيمات عن بعضها البعض بالبوابات والمكعبات الإسمنتية والسواتر الترابية، ومصادرة المزيد من الأراضي، وتوسيع الشوارع لتسهيل حركة المستوطنين وتنقّلهم، وتهجير التجمعات البدوية، يلاحظ دفع الفلسطينيين إلى المناطق المصنفة "أ"؛ فالمنطقة "ب" تحولت إلى هدف جديد لحاكم الضفة العسكري وزير المالية والوزير المشارك في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، بعد الانتهاء من فرض السيطرة على المناطق "ج"، وباتت تحمل طابع الغيتوات. فالمسافر من القدس إلى شمال الضفة يشعر بصعوبة التنقّل التي يواجهها فلسطينيو شمال الضفة، من طوباس أو جنين مثلاً، في الوصول إلى رام الله وبيت لحم والخليل.

 


وفي ظل المتغيرات المتسارعة، أعلن الجيش الإسرائيلي "إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية" بحجة "مكافحة الإرهاب"، مؤكداً أنه "لن يسمح للإرهاب بالتجذر، لذلك يتحرك بشكل استباقي لإحباطه"، بحسب البيان. وأشار الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إلى أنها "عملية جديدة" وليست جزءاً من العملية التي أطلقت في كانون الثاني/ يناير 2025.

 

الضم الفعلي للأراضي

بعد خروج الجيش الإسرائيلي، وصلتُ إلى محافظة طوباس، وتجولت في مخيم الفارعة وبلدة طمون ومدينة طوباس. بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها، لكن ملامح الخوف والقلق والإرهاق النفسي طغت على وجوه الفلسطينيين. فآلة الحرب الإسرائيلية لم تترك شيئاً إلا ودمرته: البنية التحتية من ماء وكهرباء وإنترنت، كما حرمت السكان من أبسط حقوقهم في الوصول إلى المستشفيات وشراء الأدوية.

 


دخلت القوات الإسرائيلية طوباس عند ساعات الفجر الأولى، واستخدمت مروحيات أباتشي للمرة الأولى منذ الانتفاضة الثانية، حيث أطلقت رشاشاتها الثقيلة باتجاه المناطق السكنية والأراضي، وساهمت في إنزال قوات المشاة التي انتشرت ونفذت مداهمات واسعة طالت عشرات المنازل، وحوّلت بعضها إلى "ثكنات عسكرية"، وفرضت طوقاً أمنياً ومنعت التجوال في المدينة.

 

 

مخيم الفارعة. (النهار)
مخيم الفارعة. (النهار)

 

 

يقول محافظ طوباس والأغوار أحمد الأسعد، لـ"النهار"، إن "العملية العسكرية في المحافظة استمرت عدة أيام على مرحلتين، أقامت خلالهما قوات الاحتلال سواتر ترابية في محيط المدينة وعزلتها عن باقي محافظات الضفة الغربية".


ويضيف أن القوات الإسرائيلية "دهمت أيضاً بلدات طمون والفارعة وتياسير، وأخرجت السكان من بعض المنازل وأبلغتهم بالعودة بعد عدة أيام، كما حدّت من حركة مركبات الإسعاف والطواقم الطبية، ولم تسمح بالوصول إلى بعض الحالات المرضية التي تحتاج إلى رعاية طبية، لذلك تم التواصل مع الصليب الأحمر الدولي للتدخل".


ويتفق جميع من قابلناهم على أن العملية تحمل طابعاً عسكرياً، لكنها فعلياً تهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على المحافظة ضمن "مخطط الضم"، لكونها تتمتع بمكانة استراتيجية قريبة من الحدود الأردنية، وتشكل أراضيها أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية، كما أن مصادر المياه فيها هي الأكبر بين المحافظات.


ووفقاً لوثيقة عسكرية كشفت عنها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يعتزم الجيش الإسرائيلي بناء جدار فصل في الأغوار لفصل القرى الفلسطينية عن المستوطنات، وعزل القرى عن بعضها البعض، بطول 22 كيلومتراً وعرض 50 متراً. وسيهدم الجيش كافة المباني والمنشآت الواقعة في مسار الجدار، إضافة إلى تغيير موقع حاجز الحمراء ودفعه باتجاه أراضي طوباس، ما يعني إمكانية تحويله إلى معبر ومصادرة الأراضي الواقعة في الجهة الأخرى.


أما رئيس بلدية طمون سمير بشارات، فيعتبر أنّ "مصادرة الأراضي هي العنوان الرئيسي لهذه العملية"، مؤكداً لـ"النهار" أن الهجمة تستهدف 1600 دونم من أراضي القرية، كما حرص الجيش الإسرائيلي على تدمير شارع طمون–عاطوف بطول 1700 متر لقطع الطرق على البلدة ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، إضافة إلى اعتقال المدنيين والتنكيل بهم لساعات.
ويقول بشارات إن اعتقاله جاء بعد خروجه من المنزل لتلبية نداء بتوفير دواء لمريض قلب، وانفجار أنبوب المياه الرئيسي بعد تكسير الجرافات العسكرية للبنية التحتية، ما كان سيؤدي إلى فيضان كبير في شوارع البلدة والأراضي الزراعية.


ويلفت إلى أنه تعرّض للتحقيق في أحد المنازل التي طُرد سكانها وحُوّلت إلى مركز تحقيق واعتقال، حيث قُيّدت أيدي المعتقلين خلف ظهورهم في منطقة صخرية، ما أفقد الكثيرين توازنهم وأدى إلى سقوطهم وتكسر أسنانهم وجرح شفاههم، وهناك من أصيب في مقدمة رأسه.

 


أما في مخيم الفارعة، فاعتدى الجيش الإسرائيلي على محمود العبادي وزوجته البالغين من العمر 75 عاماً داخل منزلهما، ما تسبب له بكدمات في الظهر والوجه ولزوجته بصعوبة في المشي. وبعد ذلك أُجبر على الصعود إلى منزل ابنهما حيث فُتش وكُسر وفُجر رغم خلوّه من السكان. وبحسب رئيس اللجنة الشعبية في المخيم عمر أبو الحسن، فإن تهديدات الجيش الإسرائيلي تشمل كافة المخيمات، وقد جرى تجريف واسع للبنية التحتية.

 

 

ملصق لمقاتلين فلسطينيين قتلى تمزق خلال غارة إسرائيلية في البلدة القديمة في نابلس، بالضفة الغربية. (أ ف ب)
ملصق لمقاتلين فلسطينيين قتلى تمزق خلال غارة إسرائيلية في البلدة القديمة في نابلس، بالضفة الغربية. (أ ف ب)

 

إلغاء صفة اللاجئين

على بعد 21 كيلومتراً تقع مدينة جنين، وفي جانبها الغربي يقع المخيم الذي يتعرض لحملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة، تتجاوز فكرة "الاقتحام اليومي" المرتكزة على "ضرورة أمنية – عسكرية". فالهدف الاستراتيجي غير المعلن يتمثل في إعادة هندسة الحيز الفلسطيني–الطوبوغرافي بما يتناسب مع التصور الإسرائيلي للضفة الغربية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي ظل التحولات الناتجة عن حرب الإبادة المستمرة منذ عامين: تفكيك المخيم ومحو قدرته على البقاء من خلال هدم واسع للمنازل والأحياء، وتدمير البنية التحتية، وتهجير السكان، وتقسيم الأحياء إلى مربعات مغلقة.

 


ووفقاً لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لا يزال 22 ألف فلسطيني نازحين قسراً في الضفة، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية قُتل أكثر من ألف فلسطيني منذ تشرين الأول 2023، 307 منهم في جنين، بينهم 67 منذ بدء العملية.

 

مخيم جنون. (النهار)
مخيم جنون. (النهار)

 

 

التقت "النهار" أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة العربية الأميركية في جنين الدكتور نضال أبو ناعسة، وهو من سكان مخيم جنين حيث لجأت عائلته من قرية زرعين. خرج من المخيم يوم 25 كانون الثاني/يناير الماضي ولم يعد حتى الآن، لكنه يذهب يومياً إلى أقرب نقطة يمكنه الوصول إليها بعيداً عن خطر القناصة.


يقول أبو ناعسة: "ما يجري ليس عملية عسكرية، بل مشروع سياسي–استراتيجي يهدف إلى ضرب العمق الاجتماعي والرمزي للقضية الفلسطينية، فالحكومة الإسرائيلية تعبّر عن مخططاتها".


ويتابع: "المخيمات ليست مجرد تجمعات سكنية فقيرة؛ إنها شاهد تاريخي على النكبة، وعنصر مركزي في الهوية الوطنية، وهو ما يشكل خطراً سياسياً في الوعي الإسرائيلي قبل أن يكون خطراً أمنياً، إذ إن الإسرائيلي يحارب وعي اللاجئ قبل أن يحاربه جسدياً".


ويخلص أبو ناعسة إلى أن الهدف هو تحويل المخيم من مكان مقاوم إلى مكان مشلول ومراقَب ومفكك، لا يحق لسكانه المطالبة بحقهم التاريخي والوطني في العودة وتقرير المصير، وفق القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض. فالمشروع السياسي يهدف إلى إعادة إنتاج المخيم، ليس كمكان مأهول، بل كفضاء سياسي جديد قابل للسيطرة ومحو الذاكرة والأدوار الاجتماعية.

 


ويُذكر أن قناة i24 الإسرائيلية كشفت عن شروط لإعادة سكان مخيمات شمال الضفة المهجّرين، من أخطرها شطب مصطلح "لاجئ" من تعريف سكان المخيمات، ومنع المؤسسات الدولية من دخولها، وعودة السكان فقط بعد انتهاء الجيش الإسرائيلي من إعادة هندسة المنطقة، وأن يتم شق الطرق بتنسيق كامل مع السلطات الإسرائيلية، ووضع حواجز فلسطينية عند مداخل المخيمات ونشر الشرطة الفلسطينية داخلها.

 


الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/8/2025 10:41:00 AM
فر الأسد من سوريا إلى روسيا قبل عام عندما سيطرت المعارضة بقيادة الرئيس الحالي الشرع على دمشق
المشرق-العربي 12/8/2025 5:03:00 PM
تُهدّد هذه الخطوة بمزيد من التفكك في اليمن.
النهار تتحقق 12/8/2025 10:43:00 AM
الصورة عتيقة، وألوانها باهتة. وبدا فيها الرئيس السوري المخلوع واقفا الى جانب لونا الشبل بفستان العرس. ماذا في التفاصيل؟ 
النهار تتحقق 12/8/2025 2:57:00 PM
الصورة حميمة، وزُعِم أنّها "مسرّبة من منزل ماهر الأسد"، شقيق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ماذا وجدنا؟