كاتبة أردنية تشعل "معارك إلكترونية" بدعوتها لتعدد الزوجات: "أخطر من إعلان حرب"
اشتعل الفضاء الإلكتروني الأردني بمعارك ساخنة أعقبت دعوة الكاتبة نيفين العياصرة إلى تعدد الزوجات في المملكة التي تشهد ارتفاعاً لافتاً في عزوف الشبان عن الزواج لأسباب مالية، في مقابل ارتفاع أيضاً في نسب الفتيات غير المتزوجات.
العياصرة كانت دعت إلى "فتح المجال أمام زواج الرجل من الثانية أو الثالثة ضمن ضوابط معينة، بما يتيح لأعداد كبيرة من السيدات فرصة تكوين أسرة"، محذرة في الوقت ذاته من أن "استمرار ارتفاع نسب العزوبية لدى الجنسين من شأنه أن يزيد من معدلات الجريمة والمخدرات".
لكن العياصرة التي نُشرت تصريحات في صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية، أكدت في المقابل "تعدد الزوجات دون قدرة مالية حقيقية لن يساهم في الحل إنما قد يؤدي إلى تفكك أسري مبكر وإلى بيوت هشة تقف على حافة الانهيار منذ اللحظة الأولى".
منصات التواصل الاجتماعي على اختلافها، شهدت ضجة واسعة و"معارك إلكترونية" بين من يؤيد ما طرحته الكاتبة بشأن تعدد الزوجات، ومن يرفض هذا الطرح جملة وتفصيلا.
فقد دعا معلقون إلى "تمكين الرجال من تعدد الزوجات كما يحدث في دول أخرى، والحد من شيطنة الأمر واستمرار تحريض النساء المتزوجات على الرفض، خصوصاً أن تعدد الزوجات تحث عليه الشريعة الإسلامية ضمن ضوابط معينة".
وأضافوا أن "تعدد الزوجات للمقتدرين، يسهم في انتشال فتيات كثر من العنوسة وتداعياتها، ويسهم كذلك في بناء أسر جديدة".
تخلل ذلك، جدل واختلاف واسعين بين المعلقين في تفسير الآية القرآنية التي تطرقت إلى تعدد الزوجات، والشروط والضوابط المرتبطة بذلك".
ويصطدم الشبان الأردنيون بعدم القدرة على الزواج لأسباب مالية تتعلق بكلف الزواج من حيث جميع متطلباته، لا سيما في ظل ارتفاع كبير شهدته أسعار الذهب، في وقت يلجأ فيه كثيرون إلى القروض للمضي إلى "عش الزوجية".
ولا يقتصر الأمر على القدرة المالية بالنسبة لمعارضي تعدد الزوجات من حيث المبدأ، ذلك أن بعض المعلقين يشيرون إلى أن "الخطوة قد ترقى إلى خيانة من قبل الرجل لزوجته الأولى، وأن لها ما لها من تبعات اجتماعية ونفسية لا تطال الزوجة فقط، بل تمتد آثارها السلبية إلى الأبناء والأسرة بأكملها، بما يؤدي إلى حدوث تفكك".
"أخطر من إعلان حرب"
وفي حديثها لـ"النهار"، تقول الكاتبة العياصرة: "تعرضت لهجوم كان للأسف غير مبني على معرفة أو قراءة حقيقية لما كتبت، فما ذكرته بشأن تعدد الزوجات يتضمن شروطاً صارمة، أهمها أن يكون الزوج قادراً مادياً على توفير حياة كريمة ورغيدة لجميع الزوجات، حتى لا نُنتِج أبناءً ضائعين أو مشاكل تخرج للشارع وتشكل عبئاً جديداً على المجتمع".
وتضيف: "رغم وضوح هذه الضوابط، إلا أنني تعرضت إلى الشتائم والقدح والذم والاتهامات الباطلة، وسأتخذ بشأنها إجراءات قانونية واضحة، حيث لن يفلت أي مسيء أو مسيئة من المحاسبة، ذلك أن حرية التعبير لا تبرر إلحاق الأذى الشخصي بالآخرين".
وتتابع العياصرة: لقد اكتشفت أن موضوع تعدد الزوجات هو أخطر من إعلان حرب، وأن فئة كبيرة لا تفهم الدين كما ينبغي إنما تحفظ شكله الظاهري فقط، وتفسره النفس كما تشاء دون علم أو فقه أو عمق"، مضيفة: "بعد هذا الجدل تأكدت أن الأزمة الحقيقية ليست في الطرح نفسه، بل في سوء الفهم وضعف القراءة. فالكثيرون يكتفون بقراءة العنوان دون التعمق في المحتوى ويصدرون أحكاماً مبنية على انطباعات لا على حقيقة، لذلك نحن بحاجة إلى نشر الوعي حول هذا الملف وإعادة فتحه ضمن دراسة اجتماعية واقعية وعميقة تتبنى حلولاً فعلية بدل الهروب من المشكلة أو دفنها تحت المجاملات".
"منع وتجريم التعدد"
إلا أن الصحافية أسماء الصيفي تمتلك رأياً مناقضاً تماماً لما تطرحه العياصرة، حيث انتقدت "اعتبار النساء غير المتزوجات أزمة تحتاج حل، وكأن وجود امرأة بلا زوج هو خلل ديموغرافي لا اختيار شخصي، فتنقل المشكلة من الاقتصاد والبطالة والسياسات، إلى المرأة نفسها. ويعامل جسد المرأة كأنه (مورد) قابل لإعادة التوزيع؛ فيقدم تعدد الزوجات كحل إداري تُنقل فيه النساء من خانة لأخرى بدل مواجهة الأسباب الفعلية".
وتضيف الصيفي لـ"النهار": "مؤسف أن يُربط معنى المرأة بوجود رجل في حياتها، وأن امرأة بلا رجل يعني أزمة، يقابلها أن امرأة كزوجة ثانية أو ثالثة يعني حلا، وهي معادلة تجعل الرجل مركز القيمة، وتضع المرأة في موقع المُلحَق".
وتتابع: "كما يفترض أن أزمة النساء هي نقص (العريس)، لا نقص العدالة، ويتجاهل الخطاب غلاء المعيشة، البطالة، عزوف الشباب، رفض النساء للعلاقات غير المتكافئة، وتراجع جاذبية الزواج التقليدي للطرفين. فنعيد تأطير المشكلة، بدل أن نسأل: لماذا يتراجع الزواج أصلاً؟ يتحول الأمر إلى: (النساء كثيرات… فليتشارك الرجال فيهن)، فتُختزل المرأة من ذات إلى شيء يُنقل ويُضم".

وتؤكد: "بالتوازي، يستخدم الخطاب ثلاث آليات مألوفة هي تحويل المشكلة الاجتماعية إلى مشكلة أخلاقية بأن عدم الزواج يعني علة، وتحميل النساء مسؤولية توازن المجتمع، وأخيراً تقديم التنازل عن الحقوق بوصفه خدمة للصالح العام".
لذلك تقول الصيفي: "مهم أن نعرف أن تعدد الزوجات لا يقلل عدد غير المتزوجين. زواج رجل من أربع نساء يترك ثلاثة رجال بلا شريكة، النتيجة ليست حلًّا، بل إعادة توزيع للنساء لصالح رجل واحد، كما أن مصطلح (العنوسة) نفسه عنيف وأبوي، يحصر حياة المرأة في علاقتها بالزواج ويتجاهل إرادتها".
وترى أن "الزواج خيار، لا خدمة عامة تُفرض على النساء، وتعدد الزوجات لا يمس الأسباب البنيوية: الاقتصاد، السكن، الأمان، التعليم، كما أن الخطاب الذي يحمل النساء المسؤولية يتغافل عن أن العزوف موجود أيضاً عند الرجال وبنسبة متصاعدة، وبالتالي نحن بحاجة لتشريع قوانين تمنع وتجرم التعدد".
"هروب من الحقيقة"
ومن وجهة نظر الباحثة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة مريم علي اليماني، فإنه "من الخطأ الكبير الادعاء بأن الحل هو أن يتزوج الرجل ثانية وثالثة ورابعة. هذا ليس حلاً، بل يعد هروبا من مواجهة الحقيقة".
وتضيف اليماني لـ"النهار" أن "كثرة الكلام عن ظروف الحياة وغلاء المعيشة لتبرير العنوسة لا يلغي حقيقة أساسية تتمثل بأنه في كثير من الحالات، السبب الأول والأكبر موجود داخل بيت الفتاة نفسها، فهناك أمهات يرفضن الخاطبين واحداً تلو الآخر بحثاً عن العريس المثالي: غني، جاه، وظيفة، سيارة، ونسب… وكأنهن يبحثن عن مشروع استثماري لا عن رجل قادر على بناء بيت".
وتشير إلى أن "هناك آباء بلا كلمة، يتركون القرار لغيرهم، أو يلتزمون الصمت خوفاً من صدام داخل الأسرة، فتكبر البنت في بيتٍ يعلّق مصيرها على مزاج الآخرين ومعايير لا علاقة لها بالحياة الحقيقية، وفتيات كثيرات يتأثرن بهذه الصورة، فيرفضن فرصاً مناسبة لأن الأهل أقنعوهن أنهن أعلى مستوى أو يستحقون أفضل، حتى يستيقظن بعد سنوات ليكتشفن أن الفرص لا تنتظر أحداً".
أما الحل كما تراه اليماني، فهو "ليس أن نطلب من الرجل أن يتحمل أخطاء المجتمع، بل أن نصلح داخل البيوت بأن يُخفَّف الضغط، تُراجع الشروط، وتُعاد الأمور إلى أصلها… زواج قائم على الأخلاق والقدرة والمسؤولية، لا على المظاهر".
وتضيف: "ما دامت بعض الأسر تُعقّد زواج بناتها بهذا الشكل، ستبقى المشكلة قائمة مهما تغيّر الزمن. والحل يبدأ حين يعترف الأهل بدورهم، ويتوقفوا عن وضع العراقيل، ويمنحوا بناتهم فرصة حقيقية لتكوين حياة لا تحددها النظرة الطبقية ولا أوهام المثالية".

"البطالة وتدني الأجور"
وكان البروفيسور المتخصص في علم الاجتماع حسين الخزاعي، ذكر أن "البطالة وتدني الأجور سببان رئيسيان لوجود مليون فتاة غير متزوجة في الأردن، وأن الظروف الاقتصادية التي يعيشها الشباب الأردنيين تدفعهم للعزوف أو تأجيل الزواج".
وقال الخزاعي لموقع "عمون" المحلي إن "البطالة التي يواجهها الشباب وخاصة في ظل وجود مليون و333 ألفا و514 شابا أردنيا في فئة الاعمار (18 - 35) بلا عمل، يلعب دوراً أساسياً في عزوف الشباب عن الزواج".
وأوضح أن "ارتفاع نسبة البطالة بين الإناث وخاصة الحاصلات على البكالوريوس فأعلى تبلغ (76%) له تأثير كبير؛ لأن بعض الشباب يرغبون بالزواج من إناث عاملات لمساعدتهم في الحياة الزوجية ويؤدي إلى عدم قدرتهم على الزواج"، مشيراً إلى أن "تدني الأجور يؤدي إلى عدم القدرة على الزواج حيث أن 28% من المشتغلين رواتبهم تقل عن 300 دينار و74% تقل عن 500 دينار".
وأضاف "أن متوسط العمر للزواج عند الذكور بلغ 32 سنة وعند الإناث 30 سنة، وهذا العمر يعتبر مرتفع نوعاً ما، والسبب في ذلك عدم القدرة على توفير تكاليف الزواج أو الإنفاق على الأسرة بعد الزواج".
أما بشأن الدعوة لتعدد الزوجات، تساءل الخزاعي: "إذا كان الشاب لا يستطيع الزواج من فتاة واحدة فكيف له أن يتزوج من ثانية؟"، موضحا أن "هذا الحل قد يكون مناسبا للطبقة الغنية والميسورة في المجتمع، لكنها فئة تتصف بالعزوف عن الزواج".
ولفت الخزاعي، إلى أن "الشباب الأردنيين يلجأون الآن للزواج من فتيات من جنسيات عربية وأجنبية تخفيفا للتكاليف، حيث بلغ عدد الفتيات غير الأردنيات اللواتي تزوجن من أردنيين العام الماضي 9271 فتاة من أصل 62970 حالة زواج".
نبض