عام مرّ على إطلاق إدارة العمليات العسكرية عملية "ردع العدوان"، التي أسقطت نظام بشّار الأسد. فصائل عدّة منضوية تحت مظلة هيئة تحرير الشام آنذاك شاركت في العملية، اتُّخذ بحقها قرار الاندماج ضمن قوات وزارتي الداخلية والدفاع، من الشرطة والأمن الداخلي والأمن العام والجيش السوري. هيئة تحرير الشام أعلنت حلّ نفسها، والكثير من الفصائل معها، لكن غيرها بقي نشطاً إلى حد ما.

ثمّة إجماع على أن عقدة سوريا الجوهرية تكمن في الحالة الفصائلية التي ترسّخت بحكم الحرب. الكثير من الفصائل والمجموعات المسلّحة التي كانت تنتظم تحت إدارة هيئة تحرير الشام انضمت إلى القوات الأمنية الرسمية، لكن المشكلة بقيت في العقلية الفصائلية. رغم اندماج العناصر في الجيش والقوى الأمنية، فإنهم لم ينصهروا في هذه المؤسسات، وبقوا يتحرّكون بمنطق فصائلي.

نانار هواش، كبير باحثي الشأن السوري في "مجموعة الأزمات الدولية" يتحدّث لـ"النهار" عن الحالة الفصائلية في سوريا، فيشير إلى أن الهيكلة الجديدة للمشهد العسكري التي قضت بدمج الفصائل تحت مظلة المؤسسات السورية "نجحت نظرياً" في إلغاء المسمّيات القديمة واستبدالها بفرق عسكرية مرقّمة، إلا أن هذا الدمج لا يزال في جوهره يواجه تحديات "الانصهار الحقيقي".

لا يتعامل الكثير من عناصر هذه الفصائل من منطلق وطني سوري بل فئوي، لكون العقلية الفصائلية التي اعتادوا على التعامل وفقها لسنوات، وترسّخت بحكم الأمر الواقع، لم تتبدّل بعد. الفوضى الحاصلة في سوريا تمنع إحراز تقدّم سريع في هذا السياق. ويقول هواش إن التحدي الحقيقي ليس في تحويل الفصائل إلى فرق، بل في استبدال "الذهنية الفصائلية" بعقيدة عسكرية وطنية مركزية.

مسلحون في سوريا (أ ف ب).

العقدة تمكن في انضمام الفصائل على هيئة تكتلات إلى وزارتي الداخلية والدفاع بشكل مستتر. الصحافي السوري إبراهيم مراد يتحدّث عن هذا الواقع، فيقول إن فرقاً انضوت تحت إطار الجيش السوري، وبقي عناصرها يعملون على هيئة تكتل عسكري فصائلي، ولم يفرزوا إلى مناطق مختلفة ومتعدّدة، فاستمر عمل هذه المجموعات بعقلية فصائلية وبحسابات سياسية فئوية وخارجية.

هذه الفرق على تنسيق تام مع الدولة السورية، كفرقة أبو عمشة، لكنها لا تتعاطى من منطلق سوري وطني بل فصائلي، وفق ما يشير مراد خلال حديثه لـ"النهار". وفي المناطق التي تنتشر فيها هذه الفرق، وجود الدولة ضعيف. ويستشهد مراد بالمنطقة الممتدة من جرابلس إلى عفرين، حيث تنتشر وتسيطر الفصائل المدعومة من تركيا، فتنسّق مع الحكومة السورية لكن قرارها تركيّ.

الجهاديون المهاجرون إلى سوريا من دول وسط آسيا وبعض الدول الأوروبية كانوا أيضاً جزءاً من إدارة العمليات العسكرية. مراد يشير إلى أن بعضهم دمج في القوى الأمنية السورية، وأغلبهم يتواجد في إدلب، وبعضهم جرى استبعاده من المشهد العسكري. وبالمجمل، فإن عددهم انخفض ودورهم تم تحجيمه، وبقي المهاجرون الفرنسيون ضمن فصيل "الغرباء"، ولم يندمجوا في الدولة ومؤسساتها.

إلى ذلك، ثمّة فصائل رفضت الانضمام إلى تشكيلات سوريا الأمنية والعسكرية، منها لأسباب عقادئية وأخرى سياسية. بعض الفصائل الجهادية المتطرفة رفضت سياسات السلطات السورية الجديدة المنفتحة على الغرب، وفصائل أخرى كتلك الدرزية في السويداء عارضت منهجية الحكومة السورية واختارت الاتجاهات الانفصالية.

في المحصّلة، فإن العقدة السورية تكمن في الحالة الفصائلية، وباستبدال هذه الحالة بانتماء وطني سوري سيغيّر المشهد في سوريا بشكل حاسم وجذري، لكون المعارضة للحكومة تنطلق من المنطق الفصائلي لبعض عناصرها. لكن هذا التغيير المرتبط بالعقلية يحتاج إلى جهد سياسي وثقافي واقتصادي كبير، واستقرار داخلي وخارجي، وكلها عوامل غير متوافرة في ظل حالة الفوضى التي تعيشها سوريا.