الزيارة البابوية إلى لبنان... المطران ويليام شوملي لـ"النهار": محورها السلام والعيش المشترك
تأتي الزيارة البابوية المرتقبة إلى لبنان في لحظة دقيقة تمرّ بها المنطقة، حيث يواجه المسيحيون في فلسطين وبلدان الشرق تحديات متصاعدة بفعل الحروب والضغوط والهجرة.
وفي ظلّ ما تشهده الأراضي الفلسطينية ولبنان من تحديات سياسية وأمنية وروحية، يكتسب حديث النائب البطريركي العام في القدس وفلسطين المطران وليم شوملي الى "النهار" أهمية خاصة. ففي هذا الحوار، يسلّط شوملي الضوء على دلالات الزيارة البابوية للبنان، وما يمكن أن تحمله من دعم لمسيحيي المنطقة ولنهج العيش المشترك في لبنان والشرق.
*مسيحيو المناطق الفلسطينية يعانون من حرب غزة وهجمات المستوطنين في الضفة والتضييق في القدس. ويسجلون هجرات متزايدة من دولهم نتيجة الاضطهاد الديني والحروب... أنتم مسيحيو فلسطين، كيف تنظرون الى هذه الزيارة البابوية الى لبنان الذي يشاطركم المعاناة؟ وأي آمال تعلقون عليها؟
- عندما يقوم البابا لاوون بزيارة لبنان، فإن هذه الزيارة تحمل رسالة ليس إلى لبنان فحسب، بل إلى جميع مسيحيي الشرق.
فعلى سبيل المثال، لقاؤه الشباب في بكركي موجَّه الى جميع شباب الشرق الأوسط الذين يواجهون التحديات نفسها. وعندما يلتقي رؤساء الأديان في ساحة الشهداء، فرسالته إلى القادة الدينيين في لبنان هي أيضاً رسالة الى جميع رؤساء الأديان في منطقتنا، لأن ظروفنا متشابهة. كذلك الأمر عند زيارة المرضى في دار الصليب، فالكلمات الموجّهة إليهم وإلى العاملين في رعايتهم هي رسالة لنا جميعاً.
وستُترجم جميع خطاباته وعظاته إلى اللغة العربية كي تصل بوضوح إلى كل من يتحدث العربية في منطقتنا. إضافة إلى ذلك، فإن قرب لبنان الجغرافي من فلسطين وهو عانى مثلما عانينا من حرب طاحنة، يجعل رسالته حول إمكان صنع السلام، وكيفية الوصول إليه، رسالة مؤثرة وذات صدى عميق. هذه الرسالة ستصل أولًا إلى اللبنانيين بطبيعة الحال، لكنها تصل أيضاً إلينا نحن الذين نعيش واقعاً مشابهاً ونتمسك بالأمل والرجاء.
*ما هي برأيكم الرسالة الروحية الأساسية التي يحملها البابا إلى لبنان في هذه المرحلة الحساسة؟
- أعتقد أن رسالته ستتمحور حول السلام. فشعار زيارته إلى لبنان هو: "طوبى لفاعلي السلام فإنهم أبناء الله يُدعون". والكنيسة، بطبيعتها، هي صوت السلام في العالم. صحيح أن السلام هو عطية من الله، لكنه أيضاً ثمرة سعي الإنسان، سواء كان مواطناً أو رجل سياسة أو صانع قرار. فعندما يتحلّى صانعو القرار بالقيم والمبادئ الأخلاقية، يصبح تحقيق السلام أمراً أسهل. أما عندما يتحكم المنطق السياسي الضيق والمصالح الجيوسياسية والدنيوية، يصبح السلام صعباً.
لذلك، أعتقد أن البابا سيحض الجميع على التسلّح بحسن النية والنزاهة والصدق، وعلى وضع مصلحة الآخر قبل المصلحة الشخصية، لأن السلام عملية أخذ وعطاء. ومن المؤكد أن رسالته ستكون عميقة وجميلة، رغم أننا لا نعرف بعد مضمون خطاباته. لكن مجرد مجيئه إلى لبنان يعني أنه يحمل رسالة واضحة، وخصوصاً رسالة العيش المشترك.
فلبنان يتميّز بتعدديته الدينية والمذهبية، والعيش المشترك فيه يتطلّب احترام الاختلافات وتقدير التنوّع بين أبناء الأديان المختلفة وتكريمه. ففي هذا التنوّع غنى متبادل؛ أنا أُثري غيري وغيري يُثريني. وهذه هي الرسالة التي سيؤكد عليها البابا: أن لبنان بلد يحمل رسالة، ورسالته هي العيش المشترك.

*كيف تنظرون إلى توقيت الزيارة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي يمر بها لبنان؟
- في الواقع، الزيارة كانت مؤجَّلة منذ مدة. فالبابا فرنسيس كان يرغب سابقاً في زيارة لبنان لكنها لم تتم. أما اليوم، فقد رأى البابا الحالي أن هناك نوعاً من وقف الحرب بين غزة وإسرائيل، إضافة إلى حالة من الهدوء النسبي في لبنان- وأشدد على أنها حالة هدوء نسبي وليست استقراراً كاملاً - فوجد أن الظروف أصبحت أكثر ملاءمة للقيام بهذه الزيارة.
إلى جانب ذلك، تأتي الزيارة أيضاً في سياق توجهه إلى تركيا للمشاركة في الذكرى الـ1700 لمجمع نيقية، الذي وضع الأسس العقائدية المسيحية المتعلقة بالسيد المسيح وبالعلاقات بين الكنائس. وبما أنه سيزور تركيا لهذه المناسبة، فقد بدا مناسباً أن يعرّج على لبنان في الرحلة نفسها، لتُنجز الزيارتان معاً. وبالتالي، يمكن القول إن توقيت الزيارة مدروس ليتمكن من اجراء الزيارتين معاً.
*هل تتوقعون تأثيراً مباشراً للزيارة على ملفّات مثل الاستقرار، الحوار الإسلامي–المسيحي، أو دعم المسيحيين في المنطقة؟
- بصفتي عضواً سابقاً في المجلس الحبري، ورئيس اللجنة المحلية في القدس لحوار الأديان اليوم، أهتم كثيراً بهذا الموضوع، وأستطيع القول إن تقوية العلاقات الأخوية بين أبناء الديانات المختلفة هو أحد الأهداف الأساسية لهذه الزيارة. فوجود مسيحيين ومسلمين ودروز في لبنان - بمختلف مذاهبهم ومسيحيين بمختلف كنائسهم - يمثل غنى، والبابا يريد أن يذكّر بأن هذا التنوع ليس سلبياً بل دعوة الى العيش معاً باحترام متبادل.
ويهدف البابا إلى التأكيد على أن العيش المشترك في لبنان يمكن أن يشكّل نموذجاً يُحتذى به في دول أخرى تعاني صعوبات كبيرة في إدارة التنوع، خصوصاً في بعض مناطق أفريقيا حيث تتكرر النزاعات ذات الطابع القبلي أو الديني، مثل نيجيريا والكونغو والنيجر وغيرها.
من هنا، يسعى البابا إلى إبراز لبنان نموذجاً وأيقونة للعيش المشترك بين المسلمين والدروز والمسيحيين. وأعتقد أن الجميع يتشوقون الى سماع هذه الرسالة، لأنه كُتب على لبنان كأنه مُكلَّف تاريخياً أن يحمل هذه الدعوة ويعيشها ويعطيها معنى حيّاً.
نبض