سوريا أمام امتحان صعب... مسار العدالة مفصلي في الساحل والسويداء!
خطوات لافتة أعلنتها لجنتا التحقيق الوطنيتان في حوادث الساحل والسويداء، مع تصريح الأولى بإجراء محاكمات علنية لمرتكبي الانتهاكات، وكشف الأخرى عن توقيف عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية نفذت أعمالاً عسكرية من دون أوامر. الخطوتان تندرجان في محاولات إرساء نوع من العدالة بعد التجاوزات التي وقعت بحق علويي سوريا ودروزها.
مسار العدالة يسير بضغط داخلي وخارجي. المجتمع السوري، أو المجتمعات السورية الداخلية، والمقصود الطوائف والأقليات، تنتظر محاكمات فعلية تضمن عدم تكرار المخالفات وتشجّع أكثر على قبول السلطات السورية الجديدة. والمجتمع الدولي يريد حداً أدنى من العدالة في سوريا لتخف عنه الضغوط التي يفرضها رافضو الاعتراف بالسلطات السورية الجديدة ودعمها.
لم تعتد سوريا العدالة الفعلية. نظام بشّار الأسد لم يجر محاكمات لمرتكبي الجرائم، بل كافأهم بتعيينهم مسؤولين وقادة من الصف الأول كون غالبيتهم كانت تنتمي إلى صفوفه. التحدي الحالي مضاعف، فالسلطات السورية الجديدة التي ترفع شعار العدالة الانتقالية أمام الامتحان الأصعب لإثبات ما هو عكس ممارسات النظام السوري السابق.
مرتكبو الانتهاكات بمعظمهم ينتمون إلى قوات وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى الجماعات القريبة من السلطة كالبدو. وبالتالي، فإن الامتحان الأبرز هو محاكمة مرتكبي التجاوزات من هذا الطرف، من دون استثناء وبشكل عادل وفعلي، ما يثبت جدّية شروع السلطات السورية بفرض العدالة كمبدأ من مبادئ بناء الدولة السورية الجديدة.
لكن على المقلب الآخر، ثمّة تشكيك بإمكان إجراء محاكمات فعلية وحقيقية ترسي مبدأ العدالة، وخوف من إجراء محاكمات صورية أمام المجتمعين الداخلي والخارجي.
الكاتب والصحافي السوري بسّام عوض لا يثق بمسار العدالة الحاصل، ويشكّك باحتمالية تحقيقه، متخوفاً من محاكمة أشخاص محددين "هامشيين" وتحييد المسؤولين الحقيقيين عن المحاسبة.
المجتمع الدولي، الأوروبي على وجه التحديد، يفرض العدالة كمبدأ لدعم سوريا الجديدة. ترزح حكومات الدول الأوروبية تحت ضغوط مجتمعاتها المحلية والمؤسسات الدولية التي يريد بعضها اشتراط الدعم بحقوق الإنسان، ولهذا السبب تريد تحقيق العدالة. عوض يشير في حديثه إلى "النهار" إلى أن المجتمع الدولي يريد "صورة شكلية لإسكات المنتقدين وليست عميقة".

لكن على المقلب الآخر، ثمّة من يرى إمكاناً فعلياً لمحاكمة ومحاسبة حقيقيتين لجملة من الأسباب. السبب الأول هو المحاكمة العلنية أمام وسائل الإعلام وتحت مراقبة منظمات حقوق الإنسان والمعارضة. السبب الثاني هو الرغبة الأمنية للسلطات السورية بالمحاسبة لضبط ممارسات عناصرها المتفلتة، كون بعضهم يشكّل عبئاً عليها. والسبب الثالث هو الرغبة السياسية بتحقيق العدالة لاستقطاب المجتمعات المعارضة لها في الداخل السوري.
في المحصلة، فإن سوريا أمام امتحان عدالة صعب، فالمحاكمة الداخلية لعناصر السلطات تحدٍ كبير ستكون نتيجته احتمالاً من اثنين: إما محاسبة حقيقية وعادلة تؤسس لمبدأ العدالة، وإما محاكمة شكلية تضرب أهم أسس النظام الجديد وأركانه. وبالتالي، فإن الأنظار تتجه نحو مسار عمل لجنتي التحقيق في السويداء والساحل والنتائج المرتقبة.
نبض