الطيبة تواجه عنف المستوطنين... قطاف الزيتون بحماية ديبلوماسية!

المشرق-العربي 29-10-2025 | 15:08

الطيبة تواجه عنف المستوطنين... قطاف الزيتون بحماية ديبلوماسية!

الطيبة اليوم تفتقد تلك الطمأنينة، إذ يتعرّض سكانها، وجميعهم من المسيحيين، لاعتداءات متكررة من المستوطنين المتطرفين.
الطيبة تواجه عنف المستوطنين... قطاف الزيتون بحماية ديبلوماسية!
فلسطينيون من أهالي الطيبة يقطفون الزيتون برفقة ديبلوماسيين أجانب. (النهار)
Smaller Bigger

في الطريق إلى الطيبة، القرية الفلسطينية المسيحية الواقعة شرق رام الله، للمشاركة في موسم قطاف الزيتون، والتي يستغرق الوصول إليها من القدس نحو 40 دقيقة، تشدّك طبيعة البرية المحيطة وتنوّع تضاريسها المختلف عن باقي المناطق.

 

أوقفنا السيارة لالتقاط بعض الصور، لكننا فوجئنا بهجوم مباغت من مستوطنين يقيمون في مستوطنة "معاليه خاميشاه"، الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب المكان. طالبونا بمحو الصور، فأجبتهم بأنه لا يوجد ما يمنع من التقاط صور في الأماكن العامة أو في المناطق المفتوحة، خصوصاً أنه لا توجد أي لافتة تمنع التصوير.
عندها، اتهمونا بأننا نصوّر "لدولة عدوة" أو ربما لأجهزتها الاستخبارية، وأننا نخيفهم! والمفارقة أنهم كانوا هم المسلحون. انتهت الحادثة بعد حضور الشرطة الإسرائيلية، التي دققت في وثائقنا ولم تجد ما يدعو إلى الشك أو الاعتقال، فتابعنا طريقنا.

 

 

ما واجهناه خلال ساعة يُعدّ بسيطاً مقارنة بما يعانيه سكان القرية يومياً. فالطيبة، التي تشتهر بتاريخها العريق وطبيعتها الخلابة وكرم أهلها، ترمز إلى الأمن والطمأنينة؛ ويُروى أن السيد المسيح لجأ إليها بعدما خرج من القدس هرباً من مؤامرة قتله، فوجد في برّيتها الهدوء والسكينة.

 

لكن الطيبة اليوم تفتقد تلك الطمأنينة، إذ يتعرّض سكانها، وجميعهم من المسيحيين، لاعتداءات متكررة من المستوطنين المتطرفين. فقد هاجم هؤلاء قبل ثلاثة أشهر كنيسة الخضر، وهي من أقدم المعالم الأثرية في القرية، ويعود بناؤها إلى القرن الرابع الميلادي، وأحرقوا محيطها، ما دفع 12 عائلة مسيحية إلى مغادرة البلدة، في مشهد يهدد الوجود المسيحي فيها.

 

تتميز الطيبة بموقعها الاستراتيجي، إذ تُعد نقطة وصل بين مدن أريحا ونابلس ورام الله، وممراً تجارياً ومركزاً للحضارات والأديان. وقد شهدت عصوراً مختلفة من الفترة البيزنطية إلى الإسلامية، ما ترك آثاراً تاريخية غنية. كما تُعدّ منطقة زراعية بامتياز، تشتهر بزراعة الزيتون والقمح والشعير والكروم وأشجار الفاكهة، إلى جانب تربية الماعز والنحل.

 

جانب من قرية الطيبة. (النهار)
جانب من قرية الطيبة. (النهار)

 

موسم زيتون كارثي بكل المقاييس
في الصباح، تجمع سكان القرية في ساحة الكنيسة بانتظار وصول ديبلوماسيين أجانب من القنصليات الفرنسية والإيطالية والبلجيكية، برفقة طواقم الحراسة الخاصة بكل بعثة. قرروا دخول أراضيهم بعد حرمان استمرّ عامين كاملين.

 

في الطريق، اعترضتهم سيارة يستقلها أربعة مستوطنين مسلّحين، داروا حول المركبة التي تقلّ المزارعين، لكنهم ما أن رأوا سيارة القنصلية البلجيكية حتى غادروا المكان. لكنهم أطلقوا طائراتهم المسيّرة لتصوير المزارعين وملاحقتهم أثناء قطفهم الزيتون.

 

يقول عضو المجلس البلدي فرح عودة لـ"النهار" إن "أشجار الزيتون تحتاج إلى عناية دائمة كغيرها من الأشجار، لكن بسبب الحرب لم نتمكن من الوصول إليها، إذ تقع معظم أراضينا في أطراف المنطقة (سي)، وتحيط بنا المستوطنات من كل الجهات. هم مسلحون، ونحن لا نملك سوى عزيمتنا".

 

ويضيف: "موسم الزيتون جزء من تراثنا وتقاليدنا منذ مئات السنين، وشجرة الزيتون رمز مبارك من مكونات هويتنا الفلسطينية. للأسف، حرمنا الاحتلال من ممارسة طقوسنا المفرحة، ومنعتنا شراسة الهجمات من اصطحاب أبنائنا وزوجاتنا للاحتفال بالموسم كما اعتدنا".

 

بدوره، يصف الباحث والناشط في شؤون الاستيطان عايد غفري الموسم الحالي بأنه "كارثي بكل المقاييس"، موضحاً في حديثه مع "النهار" بأن "المزارعين بعد عامين من المنع وجدوا أراضيهم في حالة يرثى لها. فالموسم هو الأقلّ إنتاجية منذ سنوات، بسبب الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تجتاح الضفة الغربية".

 

ويشير إلى أن "المزارع عندما يصل إلى أرضه يجد أشجار الزيتون مقطوعة أو مكسّرة، أو يرى آثار رعي الأغنام والأبقار التي يطلقها المستوطنون، ما يؤدي إلى اصفرار أوراق الأشجار وموت الثمار. وحتى عندما يتمكّن من الوصول، يتعرض للاعتداء أو يُمنع من دخول أرضه، فيما الجنود يكتفون بالمشاهدة، والمستوطنون يعربدون تحت حماية الجيش الإسرائيلي".

 

ويؤكد غفري أن "الزيتون مصدر رزق أساسي للمزارعين، وعنصر من عناصر الأمن الغذائي الفلسطيني، بتوفيره الزيت والزيتون".

 

ويتساءل أحد الموجودين: "هل أصبح دخول المزارعين إلى أراضيهم ممكناً فقط بوجود القنصليات الأوروبية؟ هل الحل أن تتولى قوات دولية حمايتهم لتأمين مصدر رزقهم؟ وأين السلطة الفلسطينية من كل ذلك؟ هل ستبقى صامتة؟".

جانب من الزيتون الذي قطفه أهالي الطيبة. (النهار)
جانب من الزيتون الذي قطفه أهالي الطيبة. (النهار)

 

ترهيب وتخويف وإطلاق نار مباشر
بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفّذ جيش الاحتلال والمستوطنون 158 اعتداء ضد قاطفي الزيتون منذ انطلاق الموسم في الأسبوع الأول من تشرين الأول/ أكتوبر.

 

ورُصد تنفيذ الجيش لـ17 اعتداء، مقابل 141 اعتداء من قبل المستوطنين، تراوحت بين اعتداءات جسدية عنيفة، وحملات اعتقال، وتقييد حركة، ومنع وصول، وترهيب، وصولاً إلى إطلاق النار المباشر.

 

تركّزت الاعتداءات في محافظة نابلس (56 حالة)، تلتها رام الله (51 حالة)، ثم الخليل (15 حالة). كما سجّل الموسم الحالي 57 حالة تقييد حركة وترويع للمزارعين، و22 حالة ضرب واعتداء جسدي، إضافة إلى 74 اعتداءً على الأراضي المزروعة، بينها 29 عملية قطع وتكسير وتجريف أدّت إلى تخريب نحو 795 شجرة زيتون.

 

هذا الموسم هو الأصعب والأخطر منذ عقود، إذ يستغلّ الجيش والمستوطنون أجواء الحرب لتنفيذ جرائمهم، مدعومين بسياسات وتشريعات تعزز الاعتداء والإرهاب، من بينها إغلاق المحافظات، وتسليم الأسلحة لعصابات "فتيان التلال"، والأخطر إعفاؤهم من المساءلة والمحاكمة، فضلاً عن فرض المناطق العسكرية المغلقة على الأراضي الزراعية.

 

وهكذا، تستمر السلطات الإسرائيلية في استهداف أسلوب الحياة الفلسطيني المرتبط تاريخياً بالأرض كمصدر رزق ونموذج حياة، إذ يُستهدف موسم الزيتون بشكل ممنهج وعن قصد، نظراً إلى وجدانية وأصالة العلاقة بين الفلسطيني وأرضه.

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/28/2025 5:28:00 AM
تتحمل المصارف  مسؤولية استثمار جزء أساسي من أموال المودعين في مصرف لبنان، رغم علمها بعجز المالية العامة، فيما يتحمل "المركزي" مسؤولية تمويل الدولة خارج الأطر القانونية
اقتصاد وأعمال 10/28/2025 10:49:00 AM
يعطي المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو عناية خاصة لملف المبالغ المستعادة ومتابعة كل تفاصيله.
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
أوروبا 10/29/2025 1:12:00 AM
ابنة بريجيت ماكرون في شهادة أمام القضاء: "إنهم يسخرون من أولادي ويقولون أن جدتهم متحولة".