كيف ساهمت السّجون الإسرائيليّة في نشأة جيل من قادة "حماس"؟

المشرق-العربي 20-10-2025 | 16:43

كيف ساهمت السّجون الإسرائيليّة في نشأة جيل من قادة "حماس"؟

تُعتبر صفقة جلعاد شاليط الآن كارثةً على إسرائيل
كيف ساهمت السّجون الإسرائيليّة في نشأة جيل من قادة "حماس"؟
سجن هداريم (أرشيفية).
Smaller Bigger

كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير أن السجون الإسرائيلية لعبت دوراً في تشكيل جيل من قادة "حماس"، حيث تحوّلت مراكز الاحتجاز إلى بيئة خصبة لبروز قادة الحركة الفلسطينية.

 

عندما عاد يحيى السنوار إلى غزة عام 2011 بعد أكثر من عقدين في السجون الإسرائيلية، كان يائساً. كان يُعرف فوراً من حاجبيه الأسودين وجبينه، وقد أُطلق سراحه كجزء من صفقة تبادلت فيها إسرائيل 1027 أسيراً فلسطينياً بجندي إسرائيلي واحد، جلعاد شاليط. لكن السنوار رأى أن هذه الشروط لم تكن كافية.

وتنقل الصحيفة عن الرئيس السابق لجهاز استخبارات السجون الإسرائيلية الدكتور يوفال بيتون عن السنوار قوله إن "صفقة شاليط كانت صفقة سيئة لأنهم تركوا وراءهم حسن سلامة ومحمود عيسى".

ولا يزال سلامة الذي أشرف على تفجيرات الحافلات في القدس وتل أبيب خلال التسعينيات، مسجوناً في سجن إسرائيلي حتى اليوم. أما عيسى، مؤسس خلية القسام العسكرية في القدس، فقد أُطلق سراحه الأسبوع الماضي.

وتُعتبر صفقة جلعاد شاليط الآن كارثةً على إسرائيل، وهي كارثةٌ يحرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كان رئيساً للوزراء عام 2011 أيضاً، على عدم تكرارها بعدما أقنعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقبول صفقة تبادل أسرى أخرى لإنهاء الحرب.

ولتحرير الرهائن، أطلقت إسرائيل سراح 1700 فلسطيني اختُطفوا من غزة خلال الحرب، وأفرجت عن 250 من أعضاء "حماس" و"فتح" الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لتفجيرات انتحارية وإطلاق نار ارتُكبت على مدار الأربعين عاماً الماضية.

قال بيتون: "إنه ثمن باهظ. لكنني أعتقد أن علينا دفع هذا الثمن لأنه ليس لدينا أي خيارات أخرى".


أثناء سجنه في سجن هداريم، تعلم السنوار اللغة العبرية، وأكمل دورات في الجامعة المفتوحة حول التاريخ اليهودي، وترجم كتباً لرؤساء المخابرات الإسرائيلية إلى العربية. كتب رواية "الشوك والقرنفل"، عن فلسطيني متدين يحلم بشن الجهاد ضد إسرائيل من شبكة أنفاق مترامية الأطراف تحت غزة.

قال ميكا كوبي الذي أمضى 150 ساعة في غرفة مع السنوار بصفته رئيس قسم التحقيقات السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك): "لقد دبّر مجزرة 7 أكتوبر في السجن".

بدا أن السنوار يُقر بذلك في مقابلة نادرة مع صحافي إيطالي عام 2018 حين قال: "السجن يبنيك".


بعد إطلاق سراحه عام 2011، تدرج السنوار في صفوف "حماس"، فأشرف على بناء "مترو غزة"، أي شبكة الأنقاق تحت الأرض في القطاع، ثم دبر هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما اجتاحت عناصر "حماس" مواقع قيادة الجيش الإسرائيلي، وأطلقت موجة من القتل على المستوطنات المحاذية لغزة.

وقُتل السنوار العام الماضي، وسُجِّلت لحظاته الأخيرة بالفيديو وهو يلوح بعصاه في وجه طائرة إسرائيلية مسيّرة بتحدٍّ.

وقصّته ليست فريدة من نوعها، بل تُجسِّد مخاطر تحرير أعضاء "حماس".

وحتى أن السجن الذي احتُجز فيه السنوار كان يُلقَّب بـ"جامعة هداريم". وفيه حفظ عيسى القرآن، وتعلم الخط، وألَّف العديد من الكتب خلال فترة سجنه.

من بين 250 فلسطينياً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد والذين أُطلق سراحهم، 157 من أعضاء "فتح" و65 من "حماس"، بينما ينتمي الباقون إلى فصائل أخرى.


وقال كوبي: "هؤلاء أشخاص خطرون. إنهم قتلة. سيظلون قتلة طوال حياتهم".


يحيى السنوار (وكالات)
يحيى السنوار (وكالات)

 

منذ تأسيسها عام 1948، دأبت إسرائيل على الموافقة على عمليات تبادل أسرى غير متوازنة، وهي فلسفة مستمدة من  مفهوم توراتي  يُعطي الأولوية للحفاظ على الحياة، وقد أُعيدت صياغتها في عقيدة عسكرية تقضي بعدم ترك أحد.

وقد أعطى هذا "حماس" حافزاً لاختطاف المزيد من الرهائن كوسيلة لتأمين إطلاق سراح الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وكان عيسى مسجوناً منذ عام 1993 لإشرافه على اختطاف الرقيب أول نسيم توليدانو، وهو جندي في الجيش الإسرائيلي قُتل على يد خاطفيه بعد رفض الحكومة الإسرائيلية مقترحاً لتبادل الأسرى.

ومن بين من أفرجت عنهم إسرائيل خلال عمليات تبادل أسرى سابقة، مرشد السنوار، الشيخ أحمد ياسين، الإمام المشلول الذي أسس حركة "حماس" واغتيل عام 2004.

من بين الذين قضوا سنوات تكوينهم في زنزانة إسرائيلية إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" المنفي قبل اغتياله في طهران العام الماضي.


هذه المرة،  حذف نتنياهو بعضاً من أبرز الأسماء التي كانت "حماس" تأمل الإفراج عنها في محاولة لتجنب تكرار كارثة السنوار.

مروان البرغوثي، 66 عاماً، الذي يُطلق عليه مؤيدوه لقب "مانديلا الفلسطيني" بينما تعتبره إسرائيل إرهابياً، لا يزال في السجن. كونه عضواً في حركة "فتح"، يُعدّ من السياسيين القلائل الذين يُعتقد أنهم يتمتعون بدعم كافٍ لتوحيد الفلسطينيين تحت راية واحدة، وكان دليلاً إلى نفوذه أن إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتعصب، قرر السخرية من أشهر سجين في البلاد خلال زيارة لزنزانته في آب/أغسطس.

ومن بين المعتقلين الآخرين الذين رفضت إسرائيل الإفراج عنهم عباس السيد، مُدبّر تفجير فندق بارك في نتانيا عام 2002، والذي أسفر عن مقتل 30 إسرائيلياً.

قال بيتون الذي درس قائمة الأسماء ويعرف العديد ممن لا يزالون خلف القضبان: "نجحت إسرائيل في هذه المفاوضات لأن أهم قادة حماس ما زالوا في السجن. لا أرى أحداً يُضاهي السنوار".

اختفت الامتيازات التي كان يتمتع بها السنوار في السجن، ما يعني أن احتمالات ظهور السجناء الفلسطينيين المُفرج عنهم كمقاتلين أكثر شراسةً باتت أقل.

قال كوبي: "لقد تعلمت إسرائيل. أصبحنا أكثر صرامة. ارتكبنا أخطاءً كبيرة لأننا منحناهم كل ما يريدونه. التلفزيون والجامعات والكتب. حتى أنهم كانوا قادرين على طهو طعامهم بأنفسهم. الآن غيّرنا كل شيء".

وفي مقطع فيديو للبرغوثي نشره بن غفير في آب/أغسطس، بدا السياسي هزيلاً وضعيف البنية. زعمت عائلته أنه تعرض للضرب حتى فقد وعيه الشهر الماضي، وهي معاملة تبدو متسقة مع الظروف القاسية التي يواجهها السجناء الفلسطينيون منذ 7 تشرين الأول.

وكشف تقرير للأمم المتحدة العام الماضي عن تعرض السجناء لاعتداءات جنسية، ووصفت منظمة "بتسيلم"، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان، سجون البلاد بأنها "شبكة من معسكرات التعذيب".

والمقامرة التي أقدمت عليها إسرائيل هي إطلاق سراح 96 فقط من السجناء المتشددين وإعادتهم إلى الضفة الغربية وغزة، مقارنة بـ154 تم ترحيلهم عبر مصر.

قال بيتون: "الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل الآن هو إطلاق سراحهم إلى الخارج. من الأفضل إطلاق سراحهم إلى غزة والضفة الغربية، حيث يكونون تحت الأنظار".

فيما أفراد مثل السنوار كان يُنظر إليهم دائماً على أنهم قادة المستقبل لـ"حماس"، إلا أنه ليس من الواضح دائماً أي السجناء قد يشكلون التهديد الأكبر.

ووفقاً لكوبي، كان صالح العاروري يُعتبر شخصية ثانوية نسبياً عندما أُطلق سراحه في الخارج عام 2007، حيث كان يعيش في تركيا ولبنان. ومع ذلك، أصبح في ما بعد زعيماً لـ"حماس" في الضفة الغربية، وكان له دور فعال في التخطيط لهجمات 7 أكتوبر.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.