صمت الأسرى المحررّين في الضّفة... "النّهار" تكشف خلفيّات الخوف والتّهديد

المشرق-العربي 20-10-2025 | 06:50

صمت الأسرى المحررّين في الضّفة... "النّهار" تكشف خلفيّات الخوف والتّهديد

هكذا بدا الأسير، كانت نظراته شاردة، كان يحاول استجماع قواه، وضبط لسانه عن الإجابة بأي كلمة ستؤدي إلى اعتقاله مرة أخرى.
صمت الأسرى المحررّين في الضّفة... "النّهار" تكشف خلفيّات الخوف والتّهديد
أسرى فلسطينيون في أحد المعتقلات الإسرائيلية. (نادي الأسير)
Smaller Bigger

بمجرد أن تنظر إلى عينيه ووجهه، يمكن رؤية آثار التعذيب وأشكال القمع التي تعرض لها خلال أيامه الأخيرة في المعتقل، لا تشبه شيئاً مما تعرض له خلال الـ21 عاماً من اعتقاله. هكذا بدا الأسير، كانت نظراته شاردة، يحاول استجماع قواه، وضبط لسانه عن الإجابة بأي كلمة ستؤدي إلى اعتقاله مرة أخرى. جروح وجهه والتشويه الذي أصاب محيط عينه بدأت تلتئم. وبين الواقع المرير الذي واجهه والسجن الذي خرج منه، يحاول أن يعتاد أنه في مكان أقل مرارة وسوءاً وقد عانق الشمس وبإمكانه النظر إلى السماء أخيراً...

 

عندما وصلت إلى منزله وعلم أنني صحافية، بدت ملامح التوتر على وجهه. كانت لحظات لا تُنسى مليئة بالخوف والتحدي، كيف سنتجاذب أطراف الحديث؟ كان مؤلماً أنني اضطُررت أن أذهب إلى منزله من دون إعلامه وذويه مسبقاً بهويتي الصحافية ورؤيته بهذه الطريقة.


على رغم أن الصديق الذي رافقني أخبرهم عن الزيارة، لكنه لم يكشف التفاصيل عبر الهاتف. كانت تستحق المجازفة. فالخطر يحيط بالجميع ولا يمكن توقع رد فعل جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش الإسرائيلي في مثل هذه الحالات، لذلك قمت باتخاذ الاحتياطات الأمنية للحفاظ على حياة جميع من قابلتهم، في إحدى مدن شمال الضفة الغربية. لن أذكر أسماءهم أو ألمّح إلى شخصياتهم، فما مروا به خلال الأسابيع الماضية مرعب وكفيل بتكميم أفواههم إلى الأبد.


حدّثني أنه خرج ليجد عائلته المكونة من 7 أفراد قد أصبحت 30، وأنه يتعرف إلى أزواج شقيقاته وأطفالهم، وزوجات أشقائه وأطفالهم، ولا تزال تختلط عليه الأسماء. أخبرني أيضاً أنه بحاجة للراحة كثيراً ليبدأ حياة جديدة. في الأسر أنهى دراسته وحصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، لكن أجمل ما حدث له حتى الآن هم الأطفال الذين يحيطون به دائماً، يجد في براءتهم مكاناً آمناً لم يره وراء القضبان، في نظراتهم حنان لا يوصف وأيديهم الصغيرة تبهره وتبعده عن كل ما عاشه، وقال: "أحبهم لأنني أشعر بصدق عواطفهم وأحاسيسهم".
عند خروجنا من المنزل رافقنا شقيقه الذي أخبرنا أن الأسير المحرر قد فقد 30 كيلوغراماً من وزنه خلال العامين الماضيين، وتعرض للضرب المبرح بمجرد أن أنهى مقابلة ضباط "الشاباك". لقد انهالوا عليه بالضرب بأيديهم وبالهراوات، وعندما سقط أرضاً انهالوا عليه مجدداً وركلوه بأقدامهم، جسده مليء بالكدمات وآثار الضرب واضحة عليه، وكل ذلك لينهار ولتنغيص فرحته، والمسّ بمعنوياته، وبث الرعب في المنزل، لكنه بدأ يتعافى الآن.

 

يرفض الأسرى المحررون الحديث إلى الإعلام بسبب تهديدات بإعادة اعتقالهم. (نادي الأسير)
يرفض الأسرى المحررون الحديث إلى الإعلام بسبب تهديدات بإعادة اعتقالهم. (نادي الأسير)

 

تهديد وتوعّد بالاعتقال
قبل أيام عدة، وبعد إتمام صفقة التبادل الاثنين الماضي، حاولت التواصل مع عدد كبير من عائلات الأسرى الفلسطينيين من مختلف محافظات الضفة الغربية، وحتى من الأسرى الذين أُبعدوا إلى مصر.


على عكس ما تعودنا عليه من ترحيب واستقبال حميم، جاءت الردود: "نحن نفهم اهتمامكم ونقدره لكننا لا نستطيع"، رفضوا جميعاً، وجاءت معظم الردود: "لن نتمكن من إجراء مقابلات، فضباط الشاباك هددوا أبناءنا ولا يزالون بالمرصاد. قبل إتمام الصفقة تواصل ضباط الشاباك معنا وهددونا مرة أخرى بأن لقاء الصحافيين والحديث معهم كفيل بأن يعرضهم للاعتقال مرة أخرى أو للقتل. كما قام جيش الاحتلال بالحضور إلى منازلنا قبل ساعات من الإفراج ليهددنا مرة أخرى ويؤكد عدم ظهورنا إعلامياً، كما أننا نسعى للسفر للقاء أسرانا المحررين بعد عقود من الاعتقال، لذلك لن نجري مقابلات قبل أن نراهم ونحتضنهم ونقبّلهم، لدواع أمنية".

 

يريد أن يبقى قريباً
التقيت بشقيقة أحد الأسرى المبعدين إلى مصر، وقد اختارت عدم ذكر اسمها واسم شقيقها حتى لا يتم منعها من السفر لرؤيته. قالت إنها صدمت عندما علمت أنه تم إبعاد شقيقها، فقد ورد اسمه في لوائح المفرج عنهم إلى الضفة الغربية. عشر عائلات أخرى واجهت الموقف نفسه.


وأضافت: "اقتربت من الحافلة عندما وصلت إلى رام الله، رأيت الأسرى ينزلون، لم أستطع التعرّف عليهم، فقد فقدوا الكثير من أوزانهم، ومنهم من شاب شعره أو بدا أصلع. هل تتخيلين ذلك؟ هؤلاء رفاق شقيقي. سألتهم عنه قالوا إنه نُقل في اللحظة الأخيرة على متن حافلة سلطة السجون إلى سجن النقب حيث سيُبعد، بعدها شعرت بأن الدنيا أصبحت سوداء أمام عيني، انهرت من البكاء".


بعد ذلك اتصلنا بشقيقها في مصر، الذي أوضح أن إدارة السجون منعت عنهم أي معلومة يمكن أن تشير إلى وجود صفقة بالأفق، وأضاف: "لكننا استنتجنا من الإجراءات أن أسماءنا وردت وأننا سنتحرر قريباً، لذلك فكرت بإجاباتي واستعددت لكل السيناريوات، البقاء أو الإبعاد... فضلت الإبعاد على البقاء في السجن، كانوا يريدون سماع رفضنا للإبعاد حتى يمنعوا عنا الإفراج في المستقبل، هذا ما استنتجناه من أسئلة الضباط وتكرار الأسئلة، خاصة عند الموافقة على الإبعاد". سألته: هل تفضل مصر أم تركيا؟ أجابني أنه يريد البقاء في مصر فهي الأقرب جغرافياً لفلسطين. يرفض الابتعاد أكثر. يريد أن يبقى قريباً.


وقال: "تعرضت للضرب المبرح مرتين، الأولى بعد إتمام كل الإجراءات للخروج إلى الضفة. كان السجانون بانتظارنا مع عناصر من قوة ناحشون. انهالوا علينا بالضرب. وبعدما أتممت إجراءات الإبعاد، تعرضت للضرب مرة أخرى. حتى خلال وجودنا في البوسطة، لم يكفوا عن ضربنا حتى وصلنا إلى معبر نيتسانا".


وأضاف: "هددونا بأنهم سيمنعون أهالينا من رؤيتنا إذا قاموا بالاحتفال بخروجنا أو بإجراء مقابلات"، وختم: "من يحمل هاتفاً ذكياً اليوم مراقب، ومن الممكن أن نكون مراقبين عن كثب هنا، وقد يحاولون قتلنا أيضاً".

 

قمع وتنكيل
"النهار" سألت مدير نادي الأسير الفلسطيني في نابلس مظفر ذوقان عن التهديدات التي تعرض لها الأسرى وعائلاتهم على حد سواء. قال إنّ "قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت المدن الفلسطينية، ودهمت منازل الأسرى المحكوم عليهم بالمؤبد، ويبلغ عددهم 98 أسيراً، وهددت عائلاتهم بعدم الاحتفال واستقبال المهنئين وتوزيع الحلويات والشوكولاتة، ورفع الأعلام الفلسطينية والرايات، والأهم من كل ما ورد عدم التعاطي مع وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والعالمية، وعدم التطرق للصفقة".

 

مدير نادي الأسير الفلسطيني في نابلس مظفر ذوقان. (النهار)
مدير نادي الأسير الفلسطيني في نابلس مظفر ذوقان. (النهار)

 

وتابع ذوقان: "قوات القمع في السجون قامت بالتنكيل بالأسرى وترويعهم وتهديدهم، وهذا ظهر في فيديوات مصلحة السجون التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، إضافة إلى أن مصلحة السجون تتبع سياسة التهديد اللفظي والتعذيب النفسي والجسدي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر".


وأضاف: "تم اعتقال أكثر من 20 ألف فلسطيني منذ عامين، ونحن نقوم بتوثيق ما يحدث في السجون من خلال شهادات الأسرى المحررين".


وأشار ذوقان إلى أنه "منذ أيام تقوم سلطات الاحتلال بإعادة أشقاء وأسر الأسرى المبعدين إلى مصر. من نجح منهم بالوصول هو من غادر الضفة مسبقاً قبل يوم من إتمام الصفقة، أو موجود فعلياً خارج البلاد للدراسة والعمل".


الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/22/2025 3:51:00 PM
لا يمكن اعتبار هذا التراجع "انهيارًا" أو حتى "تصحيحًا"، نظرًا لارتفاع الأسعار الكبير. لا تزال المعادن تحقق أرباحًا جيدة هذا العام، حتى بعد التراجعات الأخيرة
لبنان 10/20/2025 8:03:00 PM
تتشكل هذه السحب العدسية عادة على ارتفاع يتراوح بين 2000 و5000 متر فوق سطح البحر، عندما يتدفق هواء رطب ومستقر فوق الجبال
لبنان 10/22/2025 7:56:00 AM
صحيفة "جيروزاليم بوست": الطريق إلى النزع الكامل لسلاح حزب الله لا يزال طويلاً