رواتب البيشمركة... ملفّ عالق بين بغداد وأربيل

طالبت الولايات المتحدة الحكومةَ الاتحادية في بغداد بتمويل رواتب عناصر قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان، أسوةً بالجيش العراقي؛ وذلك بعد أن أوقفت واشنطن تمويل بعض قطاعات البيشمركة، وفق قانون موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2026، بعدما كانت تقدّم هذا التمويل منذ سنوات. الدعوة الأميركية جاءت منسجمة مع مطالب مماثلة من حكومة الإقليم وقياداته السياسية.
تتزامن هذه المطالب مع مؤشرات "إيجابية" في العلاقة بين بغداد وأربيل، إذ استؤنف خلال الأيام الماضية تصدير نفط الإقليم بعد سنوات من التوقف، في وقت تواصل فيه اللجان الفنية المشتركة التوصل إلى تفاهمات بشأن تمويل مستدام لرواتب موظفي الإقليم، بعد أكثر من عقد من الخلافات حول هذا الملف. لكنها تأتي أيضاً في مرحلة أنهت فيها الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي وجودهما في معظم مناطق العراق، وأبقت على تمركزها في إقليم كردستان حصراً، مع إعادة هيكلة مهامها العسكرية واللوجستية.
يُعدّ ملف تمويل وتسليح قوات البيشمركة أحد أبرز الملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، نتيجة خلافات سياسية ولوجستية مزمنة. مصدر سياسي كردي رفيع يكشف لـ"النهار" جوهر الخلاف قائلاً: "منذ إقرار الدستور عام 2005، تصرّ الحكومات العراقية المتعاقبة على السيطرة الكاملة على هوية وعقيدة وتحركات قوات البيشمركة، في حين يعتبرها الإقليم قوةً مشتركة تخضع للقيادة العليا للجيش العراقي ورئاسة الإقليم معاً".
ويضيف المصدر: "إقليم كردستان يستند إلى الفقرة الخامسة من المادة 121 من الدستور، التي تنصّ على أن قوات البيشمركة جزء من القوات الدفاعية العراقية. وقد حدد قانون وزارة البيشمركة مهامها الرئيسية، وفي مقدّمها الدفاع عن الإقليم باعتباره جزءاً من السيادة العراقية. لكن الحكومات الاتحادية، وبدفع من أحزاب مركزية ذات توجّهات إقليمية معروفة، تحاول التعامل مع هذه القوات النظامية كفصيل محليّ، وهو ما يرفضه الإقليم منذ فترة الاحتلال الأميركي".
وتُقدَّر أعداد عناصر البيشمركة بأكثر من مئة ألف مقاتل منتشرين في مختلف أنحاء الإقليم، ومجهزين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ويتلقّون منذ سنوات تدريبات مستمرة من الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي. وتتعاون هذه القوات مع الجيش العراقي في مجالات عسكرية ولوجستية واستخباراتية، ولا سيما في مكافحة الإرهاب وحماية الحدود مع تركيا وإيران وسوريا.
وتشتكي حكومة الإقليم من امتناع بغداد عن تمويل وتسليح قوات البيشمركة، في وقت تضع الحكومة الاتحادية شروطاً "معقدة" لذلك، أبرزها السيطرة التنظيمية على تحرّكاتها.
رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني قال في بيان رسمي إن "البيشمركة، بموجب الدستور، جزء من القوات المسلحة العراقية، مما يستوجب ضمان مستحقاتها المالية ومساواة رواتبها برواتب الجيش العراقي". وفي الاتجاه ذاته، قال زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني خلال إطلاق حملته الانتخابية: "يجب أن تُعامَل قوات البيشمركة مثل الجيش العراقي من حيث الرواتب والامتيازات وسائر الحقوق".
ويعتبر الباحث والكاتب السياسي أحمد حسن أن جذور الأزمة تعود إلى غياب التوافق السياسي منذ وضع الدستور، موضحاً في حديث لـ"النهار" أن "القوى السياسية العراقية لا تؤمن فعلياً بالنظام الفيديرالي الجديد، إذ ترى أن الفيديرالية تعني تقاسماً نسبياً للسيادة؛ ولذلك تستخدم شعار مركزية الجيش لتفكيك المنظومة الدفاعية التي تكرّس موقع إقليم كردستان ضمن هذا الإطار الفيديرالي".