خطاب كراهية بِنَقرة: "أضحكني" تقوّض السلم الأهلي في سوريا

مقالات 10-10-2025 | 13:56

خطاب كراهية بِنَقرة: "أضحكني" تقوّض السلم الأهلي في سوريا

تصرفات تغذّي خطاب الكراهية، وتزرع جوًاً من الاستفزاز المتبادل، وتُنتج مزيدًا من الانقسام والعداوة، بدلًا من خلق مساحات للتعاطف أو التضامن.
خطاب كراهية بِنَقرة: "أضحكني" تقوّض السلم الأهلي في سوريا
يجب أن ترتكز التدخلات الفعالة ضد خطاب الكراهية على فهم عميق للسياق المحلي (الأمم المتحدة)
Smaller Bigger

 

 نايا نور المحمد*

 

 

في سوريا اليوم، تُقابل دموع الضحايا وذويهم بضغطة (نقرة) على زر "أضحكني"، ويتحوّل مشهد الدم إلى مادة تهكّمية، ويصبح الضحك الصامت على الجثث فعلًا يوميًا في الفضاء الرقمي، كاشفًا عن سقوط وعبث أخلاقي.

 

تجاوز "أضحكني" مهمته كزرّ للتفاعل في نطاق النُكات والطرائف، وتحوّل إلى أداة تعبير مسيئة ورصاصة افتراضية تُطلَق على وجع السوريين، فرافقت اشتباكات الساحل وضحاياه، ومواجهات السويداء وجراحها، ومرّت على جثث مدنيين ونازحين ومهجّرين وعناصر من الأجهزة الحكومية.

 

"أضحكني" شماتة علنية وإساءة موجهة مباشرة إلى الضحايا وذويهم، تُظهر انقسامًا وشرخًا في المجتمع السوري، ما يهدّد أيّ إمكانية حقيقية للعبور إلى أرضيّة سلام، فخطاب الكراهية الذي يتغذّى على التشفّي والسخرية من آلام الآخرين، يقف عائقًا أمام هذا العبور.

 

وتندرج هذه الممارسة ضمن أشكال خطاب الكراهية الذي لا يوجد له تعريف شامل بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فهو أوسع من "التحريض على التمييز أو العداء أو العنف"، وفق الأمم المتحدة.

 

ولعل أبرز سمات خطاب الكراهية بأنه يتخذ أشكالًا متعددة من التعبير، بما في ذلك الصور والرسوم المتحركة والميمات والأشياء والإيماءات والرموز، التي يمكن نشرها عبر شبكة الإنترنت أو خارجها.

 

"كانتونات" بينها حديد ونار

بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، انتهج نظام الأسد سياسة التضليل الإعلامي، وأنشأ جيوشًا إلكترونية لدعمه إعلاميًا واستهداف مواقع وشخصيات معارضة له، واختراقها ومحاولة إسكاتها.

 

ومن أبرز المجموعات التي ظهرت في هذا السياق كانت "الجيش السوري الإلكتروني"، وهي مجموعة افتراضية استهدفت بعملياتها المواقع المعارضة للنظام، ونُسب إليها اختراق موقع تابع لمشاة البحرية الأميركية عام 2013.

 

في المقابل، أطلق بعض معارضي النظام السوري مجموعات افتراضية على وسائل التواصل استهدفت صفحات النظام ومؤيديه، وشنّوا حملات "أضحكني" على منشورات عن قتلى المعارك أو أخبار التحشيد العسكري تجاه المدن.

 

ولا يقتصر الأمر على النظام أو المعارضة، فالحالة رافقت الجهات التي سيطرت على مناطق جغرافية في سوريا، من كيانات وهيئات وفصائل وتنظيمات، فلكل منها جمهورها وسردياتها.

 

اليوم، وفي مرحلة انتقالية حساسة تعيشها سوريا، يشهد الفضاء الرقمي السوري تفشّيًا واسعًا لخطاب الكراهية والتجييش والاستقطاب، واضطر إعلاميون وناشطون إلى إغلاق التعليقات على منشوراتهم، بينما ازداد استخدام ورواج "أضحكني" على مشاهد الموت.

 

يرى الناشط المدني عبد الرحمن طالب أن استخدام "أضحكني" على منشورات توثّق المآسي سلوك مارسته معظم شرائح الشعب السوري، إثر انقسام عميق تمتد جذوره منذ سنوات حين تحوّلت البلاد إلى "كانتونات" تفصل بينها خطوط من حديد ونار.

 

ويقول الناشط إن التواصل بين السوريين من مختلف الاصطفافات انقطع خلال الحرب، وتشكّلت مجتمعات افتراضية، واصطفت مع طرف يمثلها، وظهرت جماعات رقمية تحمل أسماء مثل "جيش الأضحكني" و"الجيش الإلكتروني" وغيرها، ومارست السخرية.

 

وعلى سبيل المثال، كان ينهال تفاعل "أضحكني" على منشور ينقل خبر مقتل جندي من قوات الأسد المخلوع وميليشياته، من قبل جمهور محسوب على المعارضة، ويُقابَل بوابل مماثل من جمهور النظام على منشورات توثّق قصفًا يستهدف مدن وبلدات الشمال السوري.

 

دوافع "أضحكني" وأثرها في السلم الأهلي

تعاني شريحة واسعة من السوريين من اضطرابات نفسية نتيجة للحرب والنزوح وتدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث تُقدِّر منظمة الصحة العالمية أن سوريًا واحدًا من بين كل 30 سوريًا يعاني من حالات نفسية وخيمة، من قبيل الاكتئاب الوخيم أو الذُّهان أو أي شكل مـُسبِّب للإعاقة وأشكال القلق.

 

وتقول منظمة الصحة إن سوريًا واحدًا من بين كل 5 سوريين يعاني من حالات نفسية متوسطة إلى معتدلة، من قبيل الاكتئاب المتوسط إلى المعتدل أو الاضطرابات الناجمة عن القلق.

 

وترى مدربة العلاقات والمختصة النفسية، آلاء زينو، أن الدافع وراء السخرية والتفاعل بـ"أضحكني" على مآسي الآخرين في وسائل التواصل، يرتبط أحيانًا بفقدان التعاطف، أو برغبة في الاستفزاز واستعراض قوة وهمية أمام الناس.

 

وتوضح بأن هذا السلوك قد يكون ناتجًا عن تجارب سابقة تعرّض فيها الشخص للعنف أو العنصرية أو الطائفية، أو بدافع نزعة "أنا أفضل"، ما يجعله يسمح لنفسه بأن يحقر من ألم الآخرين.

 

وتشير المختصة إلى أن الدافع أحيانًا يكون شماتة، أو كرهًا شخصيًا أو طائفيًا، وأحيانًا أخرى مجرد "مزاح أسوَد"، من دون أي إحساس بعواقبه.

 

وتحذر من أن هذه التصرفات تغذّي خطاب الكراهية، وتزرع جوًا من الاستفزاز المتبادل، وتُنتج مزيدًا من الانقسام والعداوة، بدلًا من خلق مساحات للتعاطف أو التضامن. وهذا، بحسب قولها، يهدّم أيّ فرصة للسلم الأهلي أو للحوار البنّاء.

 

ويؤكّد الناشط المدني، عبد الرحمن طالب، أن هذا المشهد الرقمي وتفاقمه يعمّق الشرخ، ويغذّي الكراهية، ويحوّل الفضاء العام إلى ساحة شماتة مفتوحة، ويصبح من الصعب ترميم أيّ أرضية مشتركة للسلم الأهلي، خاصة حين تجد الانتهاكات جمهورًا يصفّق لها رقميًا.

 

ويُعرف السلم الأهلي بأنه حالة من الاستقرار والتعايش السلمي داخل المجتمع، يقوم على رفض جميع أشكال العنف والتقاتل، سواءٌ عبر الممارسة المباشرة أم من خلال الدعوة أو التحريض أو التبرير.

 

ويهدف السلم الأهلي إلى ترسيخ ثقافة الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع، وتعزيز قيم احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمشاركة المتساوية في الحياة السياسية والاقتصادية، بعيدًا عن أيّ شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء.

 

أثر نفسي عميق.. خطوات لمواجهة "أضحكني"

تترك السخرية من مآسي الآخرين أثرًا نفسيًا عميقًا في نفوس الضحايا وذويهم، إذ تعيد تفعيل الصدمة وتُشعرهم بالإهانة والعزلة بدلًا من التضامن والدعم.

 

وتحذّر منظمة الصحة العالمية من أن التنمّر والسخرية في البيئات المنكوبة تساهم في تفاقم اضطرابات القلق والاكتئاب وتعيق عمليات التعافي الفردي والجماعي.

 

وتقول المختصة النفسية، آلاء زينو، إن الشماتة والسخرية تجاه الضحايا أو ذويهم تُشكل إهانة مضاعفة لهم، إذ يتحول الألم الذي يمرّون به إلى مادة للسخرية والضحك، ما يزيد من حدة الصدمة ويعمّق الجرح النفسي، الأمر الذي يجعل الضحايا يشعرون بالرفض والاحتقار داخل المجتمع.

 

كما تؤدي هذه المعاملة إلى تعزيز مشاعر الدونية والرغبة في الانتقام، مما يؤثر سلبًا على حالتهم النفسية والاجتماعية، وفق المختصة.

 

وترى أن مواجهة هذا السلوك يجب أن تكون على مستويين:

الأول يكمن في منصات التواصل، وذلك عبر تفعيل الإبلاغ عن التعليقات وردع هذا السلوك بقوانين واضحة، مع وعي المستخدمين بعدم ترك التعليقات السامّة دون تبليغ.

 

والمستوى الثاني هو المجتمع، عبر نشر التوعية عن أثر المزاح الأسوَد وخطاب الكراهية، وتربية الناس على ثقافة الاحترام حتى في الاختلاف، مع حملات ضد السخرية من الألم الإنساني.

 

من جانبه، يؤكد الناشط المدني، عبد الرحمن طالب، على ضرورة وجود قوانين صارمة تواجه هذا السلوك الرقمي المؤذي، وتجرّمه.

 

*صحافية وكاتبة ومترجمة سورية مقيمة في ألمانيا

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.