من قتل "أبو الدرداء" إلى اتساع بنك الأهداف: منطق واشنطن في الاغتيالات بعد السقوط

المشرق-العربي 09-10-2025 | 06:05

من قتل "أبو الدرداء" إلى اتساع بنك الأهداف: منطق واشنطن في الاغتيالات بعد السقوط

 اتّسع بنك الأهداف من "داعش" إلى محيط "القاعدة".
من قتل "أبو الدرداء" إلى اتساع بنك الأهداف: منطق واشنطن في الاغتيالات بعد السقوط
عناصر من تنظيم "داعش". (وسائل تواصل)
Smaller Bigger

منذ سقوط النظام، اتّسع بنك الأهداف من "داعش" إلى محيط "القاعدة". الفارق لم يعد في الراية، بل في العقد التي تُمسك الشبكات: المال والخبرة والملاذ. واختيار أسلوب الاغتيال، إن كان مسيّرة، أم مقاتلة حربية، أم مداهمة، بات تابعاً لوظيفة الهدف لا لاسمه.
في الوقت الذي أعلنت فيه القيادة المركزية الأميركية مقتل محمد عبد الوهاب الأحمد، المعروف بـ"أبو الدرداء الكردي"، بدا المشهد حلقة جديدة في مسلسل "الضربات الدقيقة" التي لا تُحدِث ضجيجاً لكنها تغيّر الخرائط بهدوء. الضربة نُفِّذت في شمال غرب سوريا واستهدفت شخصية تُنسب إلى "أنصار الإسلام المستقلّين" - تسميةٌ يتداولها مناصروه لتمييز فصيلهم عن الفرع الذي بايع "داعش" - وهي بيئة ذات جذر قاعدي رغم غياب المبايعة المعلنة. وهذا وحده يكشف اتساع دائرة الاستهداف بعد سقوط النظام، في دلالةٍ على أن واشنطن تمدّ يدها إلى كل خليةٍ تتحوّل إلى تهديد خارجي أو مُسرِّع لفوضى محلية. وكان أول استهدافٍ أميركي لأنصار الإسلام في أيلول/ سبتمبر 2024، قبيل السقوط، بما كرّس انتقال الاستهداف من "داعش" وحده إلى محيطٍ قاعدي أوسع. وعلى هذا الأساس، يمكن قراءة الأشهر اللاحقة عبر بنية عملياتية تتكرر ملامحها بوضوح.

 

أبو الدرداء الكردي. (وسائل تواصل)
أبو الدرداء الكردي. (وسائل تواصل)

 

وعند تفكيك المشهد يبرز خيط واضح: ثلاثة مسارات عملياتية. المسار الأول: ضربات جوية/مسيّرة تطاول قيادات من المدرسة القاعدية في الشمال الغربي؛ ضربات على الرأس لا على الجسد. المسار الثاني: مداهمات مُسقطة جوّاً حين يلزم مردود استخباري مباشر (نموذجها عملية الباب في تموز/يوليو). المسار الثالث: تعقّب ممولين ومخططين (كما في أطمة في آب/أغسطس). غير أنّ هذا التقسيم لا يكتمل من دون الحلقة البشرية التي تمنح الصورة عمقها.
تلك هي حلقة "الاعتقال ثم الاغتيال": أبو الدرداء أمضى ستة أشهر موقوفاً في إدلب (2022)، وأبو عبد الرحمن الأردني خاض التجربة قبل مقتله جواً (2024). لا نزعم جسراً مُعلناً، لكن الأثر المعلوماتي الذي يتركه التوقيف - أسماء وأجهزة - يجعل الضربة اللاحقة أشبه بإحكام الدائرة. وكأن صدى الأزمة التي هزّت الهيئة العام الماضي لم يختفِ بعد انتقالها إلى الحكم؛ اتّسعت نقاط التماس وتزايدت احتمالات تسرّب المعلومات. وعلى وقع هذه الخلفية، برز تفصيلٌ إضافي غيّر تموضع بنك الأهداف.

مطلع العام أعلن حراس الدين حلّ نفسه، لكن الضربات اللاحقة على شخصيات من البيئة ذاتها أوحت بانطفاء شكلي أو تبدّل في العنوان لا في البنية. كما أفادت تقارير محليّة وبحثيّة بأنّ بعض قيادات "حراس الدين" آوَوا إلى شبكات قريبة من "أنصار الإسلام"، وهو ما يفسّر استمرار استهداف هذا المحيط بعد "الحلّ". بهذا المفتاح تُقرأ ضربة "أبو الدرداء": استهداف فاعل من محيط قاعدي داخل إدلب بمعيار تعطيل المال والخبرة والملاذ أكثر من تتبّع المسميات التنظيمية. ومن هنا يصبح اختيار الأداة تفصيلاً تابعاً لوظيفة الهدف لا لاسمه.
تتبدّل الأداة بحسب الوظيفة: مسيّرة لهدف متحرّك منخفض الضجيج؛ غارة موضعية مع إحداثيات مؤكَّدة؛ مداهمة لاستخراج معلومات. في الباب رُجّحت المداهمة بتنسيق محلي، وفي أطمة قدِّمت فائدة الاستخراج على القصف. بعد السقوط، صار هذا المنطق أكثر تنقّلاً بين البادية وإدلب وفق طبيعة الهدف. وبموازاة الأداة، تتعدد هوية الأهداف نفسها.
أما هوية الأهداف فلا تصُبّ في مجرى واحد. صحيح أن "داعش" يبقى النهر الأعظم، لكن جدول القاعدة وفروعها غدا أعلى ضوضاءً مما كان قبل عام. ضربة "أبو الدرداء" - المنتسب إلى أنصار الإسلام المستقلّين والقائد العسكري العامّ للفصيل — تُظهر أن خريطة الاصطياد لا تتوقف عند الراية، بل تتتبّع عُقَد الربط: ممرات تمويل، قنوات تسليح، ملاذات آمنة، ومساحات دعوية وتعبوية تُعيد تشكيل الشبكات في صيغ صغيرة ومرنة. وعلى قاعدة هذه المسارات، يتبدّى منطق الاختيار العملي.
إذا كان الهدف قيادياً داعشياً مع توقُّع مردود استخباريّ مباشر، يُرجَّح خيار المداهمة. وإذا كان "مسهِّلاً" قاعدياً أو من وجوه "حراس الدين" حيث المطلوب إطفاء شرارة التخطيط سريعاً، تُرجَّح الضربة الدقيقة من الجو. هكذا يُقرأ مقتل "أبو الدرداء": استهداف جوي مُحدّد في بيئة مكتظة بولاءات متشابكة، مع تجنّب الاحتكاك الأرضي الذي قد يقلب مشهد الاشتباك. وتحت هذا كلّه، يظل الظل السياسي هو الإطار الناظم.
في الخلفية يلوح ظلّ سياسي لا يقتصر على مطاردة أفراد، بل على رسم حدود المشهد الانتقالي: رسائل ردع تُعطّل القدرة على تنفيذ هجمات خارجية، وتبريد للفراغ كي لا يتحول الشمال الغربي إلى ملاذ. ويتضمن هذا الظل أيضاً إشارةً للفاعلين المحليين، أنّ الحلول الاسمية أو تبديل اللافتات لا يُحصّن الشبكات من الاستهداف، وطمأنةً للشركاء بأن مكافحة الإرهاب مستمرة من دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة. وبذلك لا تُقاس الجدوى بعدد الرايات التي هبطت من الساريات، بل بعدد الدوائر التي تعطّلت: تمويل جفّ، وممرّ إيواء انقطع، وغرفة عملياتٍ أُجهِضت.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا