600 ألف زائر... اختتام معرض عمّان للكتاب بحضور واسع ودعوات لتجويده (فيديو)

برزت مع اختتام فعاليات الدورة الـ 24 لمعرض عمّان الدولي للكتاب 2025 يوم أمس السبت، دعوات تهدف إلى اتخاذ إجراءات من شأنها تجويد أداء المعرض في دوراته المقبلة، من بينها ما يتعلق بالأسعار والأمور التنظيمية الجاذبة.
واستقطب المعرض الذي شارك فيه نحو 400 دار نشر عربية وأجنبية من 22 دولة، تحت شعار "القدس عاصمة فلسطين"، ما يقارب 600 ألف زائر، في حين أكد وزير الثقافة مصطفى الرواشدة أن أسعار الكتب هذا العام كانت أقل من العام الماضي، لافتاً في الوقت ذاته، إلى أن دور النشر هي المسؤولة عن تسعير الكتب، وأنّ "أسعار منشورات وزارة الثقافة لا تتجاوز 25 قرشا (أقل من نصف دولار) للكتاب الواحد".
وبحسب رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين ومدير معرض عمّان الدولي للكتاب، جبر أبو فارس، فقد "عزّزت الدورة الـ24 من مكانة معرض عمّان الدولي للكتاب كأحد أبرز المعارض العربية، مسجلة حضورا قويا للكتاب والمثقفين، ونجاحا في تقديم تجربة ثقافية منظمة ومريحة للزوار، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على الإقبال اللافت بشكل يومي من قبل جمهور المعرض".
وأضاف أن "هذه الدورة شهدت تطورا على الصعيد الثقافي، مسجلة عدة نقاط بارزة شكّلت إضافة نوعية للحدث الثقافي الأبرز في الأردن، ومنها حضور سلطنة عُمان ضيف شرف على المعرض، بوفد ثقافي رفيع، وبرنامج ثقافي مميز ضمَّ أدباء من عُمان أثرى البرنامج الثقافي للمعرض الذي شهد هذا العام حضورا كبيرا".
وأشار أبو فارس إلى أن "المعرض سجل أيضا حضورا نوعيًا للفائزين بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، إذ شارك عدد من الروائيين الحائزين على الجائزة في ندوات وجلسات حوارية، مما أتاح للجمهور فرصة اللقاء والتفاعل مع أبرز الأسماء الروائية في العالم العربي".
ولفت كذلك إلى "التطوير على الصعيد اللوجستي، من خلال تصميم جديد لأجنحة المشاركين من دور النشر بهدف توفير جولات سهلة ومريحة للجمهور، الأمر الذي ساهم في انسيابية حركة الزوار وتجنب الازدحام التقليدي، لتعزيز تجربة القارئ والزائر".
"جمهور القراء بات محدودا"
لكن الأمر مختلف بالنسبة للشاعر وكاتب السيناريو غازي الذيبة، قائلا: "في عصر الذكاء الاصطناعي يمكننا أن نتوقف طويلا أمام دائرة معارض الكتب التي تنجبها دور النشر العربية وتحاول من خلالها أن تقدم نتاجها (الفكري والثقافي والأدبي والعلمي) لجمهور القراء العرب الذي بات محدودا في ظل المتاح للقارئ على الإنترنت والاستفادة من الذكاء الاصطناعي".
وأضاف الذيبة لـ"النهار": "عمليا هذه المعارض لم تعد تشكل انتقالة نوعية في عرض الكتاب وتقديمه للقارئ، لا سيما أننا لا نزال نحوم حول الطرق التقليدية في هذا المجال، وهي الطرق التي تحاول أن تروج للكتاب العربي في بلداننا بطرق خالية من إغراء القارئ بالكتاب، والجانب الثاني هو جانب احتفالي يؤكد من خلاله المشتغلون في هذا القطاع بأنهم لا يزالوا أحياء في ظل الذكاء الاصطناعي وانتشار الكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي".
ويتابع: "نحن في الأيام الأخيرة من عصر الكتاب الورقي والسبب واضح جدا ويتمثل بالتوجه العام للأجيال الجديدة نحو المواد الموجودة على الفضاء الإلكتروني. حقيقة هناك شيء مؤلم في عالم النشر العربي وهو غياب حقوق الملكية للكاتب، حيث يبذل الكاتب جهدا شاقا من أجل إنتاج كتابه ثم يذهب به إلى الناشر الذي يتقاضى ثمن هذا الجهد من الكاتب لينشر له الكتاب دون أن يقدم له أي مكافأة مالية أو أي أجر على ما أنتجه، وبالتالي تصبح العملية غير مجدية بالنسبة للكتّاب، وهو ما دفع كتّابا كثيرين للابتعاد عن تقديم منتجاتهم إلا من رحم ربي وهؤلاء هم قلة، أما من تبقى من الذين نراهم يوقعون كتبهم ويبتسمون للكاميرات وللجمهور، فيوقعون طبعا بأعداد محدودة".
ويرى أن "الاحتفال بأننا لا نزال نعتز بالكتاب ونقرأ الكتاب ولدينا جمهور قرّاء وما إلى ذلك، أمور لم تعد تقنع سوى دور النشر التي تريد أن تظهر بوجه ثقافي حضاري، لكن في الحقيقة هذا وجه غير سوي، فإذا أردنا أن نعيد النظر في هذه الاحتفاليات الشكلية لثقافة القراءة، فيجب أن نؤسس لها بنظرة جديدة ورؤية جديدة تعيد للكتاب دوره، فضلا عن أن المنتج الثقافي العربي منصب على ما يسمى الرواية والكتب البسيطة والكتب التي لا تقدم معارف جديدة في نطاقات المعارف العالمية، ذلك أنه لا يمكن أن تقارن معرض كتاب في دولة عربية ما بمعرض الكتاب في دولة أوروبية، فالمنتج الثقافي الغربي منتج علمي معرفي ثقافي فكري أدبي متنوع وجديد وحداثي".
"تجربة مختلطة الشعور"
أما الصحافية سوسن مكحل فتقول: "كان المعرض بالنسبة لي تجربة مختلطة الشعور؛ إذ كان فيه زخم جماهيري كبير؛ وباعتقادي أن ذلك يعود بالدرجة الأولى لإقامة المعرض داخل مركز تسوق حيوي جدا، وبصرف النظر عن الجدل الذي أُثير حوله سابقا. فهذا الموقع حوّل روّاد التسوق إلى زوار للكتاب، مما رفع أعداد الحضور والمشاركين بشكل ملحوظ".
وأضافت مكحل لـ"النهار": "لكن الجانب الآخر الذي كان أكثر إحباطا هو ردة فعل عدد من الناشرين، إذ أشاروا إلى أن هناك تراجعا في حركة البيع والقدرة الشرائية للزوار، وهو طبيعي ومفهوم في ظل الظروف الاقتصادية التي يواجهها المواطن الأردني والتي لم يعد فيها الكتاب أساسيا بل للأسف رفاهية مؤجلة، خصوصا مع توفر البدائل الرقمية والتربوية".
أما النقطة التي تحسب للمنظمين وفقا لمكحل فهي "البرنامج الثقافي الغني، الذي شمل ندوات فكرية وأدبية وسياسية ووطنية تناولت قضايا عميقة على مستوى الوطن العربي. ورغم مواضيع الندوات المهم، إلا أنني لاحظت قلة عدد الحضور الجماهيري لها. وفي رأيي، يرجع ذلك بشكل أساسي إلى ضعف التوزيع التنظيمي، فمكان قاعات الندوات كان غير مباشر للزوار".
تنظيم الزيارات المدرسية والجامعية
وفي مقالها اليوم بصحيفة الغد الأردنية، تطرقت الكاتبة تهاني روحي إلى المعرض قائلة: "رغم الزخم الكبير والحضور اللافت، فإنّ الانطباع السائد لدى كثير من الزوار هو أن القاعات تعجّ بالمتجوّلين الذين يلتقطون الصور أكثر مما تعجّ بمشتري الكتب. وهنا يُطرح سؤال جوهري: هل تكمن المشكلة في المكان الجديد؟ أم في ضعف الدعاية؟ أم أنّ سعر الكتاب لم يعد متناسبًا مع القدرة الشرائية؟ أم أن الكتب الصوتية والملخصات السريعة باتت منافسًا جذابًا لشرائح واسعة من الجمهور؟".
وأضافت: "التجارب العربية والدولية أثبتت أن تنظيم الزيارات المدرسية والجامعية قادر على إحداث فارق نوعي في أي معرض كتاب. فحين تُعتمد جداول يومية مخصصة للمدارس، ويُمنح الطلبة قسائم شراء رمزية بتمويل من رعاة محليين، يشعر الطالب أن لديه قدرة حقيقية على اقتناء الكتب بدل الاكتفاء بجولة صور عابرة. مثل هذه الخطوات البسيطة تحوّل القراءة إلى تجربة عملية ملموسة، وتبني عادة مستمرة عبر الأجيال. أما العائق الأكبر فيبقى ارتفاع الأسعار".
وختمت روحي مقالها بالقول: "التحدي الحقيقي هو كيف ننتقل بمعرض عمّان من كونه فعالية موسمية عابرة إلى عادة ينتظرها الأردنيون بشغف كل عام، كما هو الحال في معارض كبرى بالمنطقة، حيث تتوافر فعاليات مبتكرة وجذابة، إلى جانب دمج الكتاب الورقي بالصيغ الحديثة. عندها فقط يمكن للمعرض أن يتحول من مساحة مزدحمة بالصور إلى مساحة تزدهر فيها القراءة وتترسخ فيها الثقافة كجزء أصيل من حياة الناس".