شهادات من قلب غزة... "النهار" تنقل حكايات الألم والصمود تحت النار

المشرق-العربي 16-09-2025 | 20:00

شهادات من قلب غزة... "النهار" تنقل حكايات الألم والصمود تحت النار

"القصف لا يتوقف. أنا وزوجي مصابان، وابني استُشهد في بداية الحرب. لا مكان ننزح إليه بسبب انعدام قدرتنا المالية... لا أقارب نلجأ إليهم، ولا أرض، ولا خيمة، ولا حتى شادر".
شهادات من قلب غزة... "النهار" تنقل حكايات الألم والصمود تحت النار
ركام جراء قصف إسرائيلي على مدينة غزة. (النهار)
Smaller Bigger

"الوضع الحالي سيّئ وصعب للغاية. لا نستطيع الخروج أو حتى التحرّك. نحن محاصرون بمسيّرة كوادكابتر تلاحقنا باستمرار، حتى إنني لم أتمكن من إحضار الماء لأطفالي"، يقول أحمد عبد العال لـ"النهار" بصوت حزين مرتجف، وهو من سكان شارع الجلاء، حيث يعيش مع عائلته المكوّنة من عشرة أفراد. ويضيف: "إذا حاولت الخروج فسيقتلونني، وسيبقى أبنائي عطاشى".


أما ريم أبو دية، المحاصرة في محيط بركة الشيخ رضوان، فتصف الوضع بالقول: "إنه صعب جداً. نسمع أصوات الآليات، نحن محاصرون والأطفال مرعوبون. نكره الليل، فمع اقتراب ساعاته تشتد وتيرة القصف، ويبدأ الأطفال بالصراخ والبكاء".
من جهتها، تقول فايزة صقر من سكان تل الهوا لـ"النهار": "القصف لا يتوقف. أنا وزوجي مصابان، وابني استُشهد في بداية الحرب. لا مكان ننزح إليه بسبب انعدام قدرتنا المالية... لا أقارب نلجأ إليهم، ولا أرض، ولا خيمة، ولا حتى شادر".

 


منذ أيام عدة يواصل سلاح الجوّ الإسرائيلي قصفه الهيستيري للمباني والأبراج السكنية في مدينة غزة. ويقطن في المدينة أكثر من مليون ومئتي ألف فلسطيني وفق تقديرات محلية. وتتركز التحركات البرية والضغط الناري شمالاً وغرباً، حيث تضم هذه المناطق مساحات ساحلية وبرية.

 

تهدف التكتيكات العسكرية الإسرائيلية إلى دفع المدنيين للنزوح غرباً وجنوباً. (النهار)
تهدف التكتيكات العسكرية الإسرائيلية إلى دفع المدنيين للنزوح غرباً وجنوباً. (النهار)

 

دفع السكان إلى النزوح
وتهدف التكتيكات العسكرية الإسرائيلية إلى دفع المدنيين للنزوح غرباً وجنوباً. ويعمل الجيش الإسرائيلي على تضييق الممرات، مستخدماً كثافة نارية متواصلة لتفريغ الأحياء قبل إدخال الآليات العسكرية والقوات الراجلة.


وتتركز التحركات في حي الكرامة ومحيط بركة الشيخ رضوان وشرق المدينة، إضافة إلى محاور في حي الزيتون وشارعي ثمانية وعشرة، وهي مناطق تشهد غارات متواصلة وتوغلات آلية، من دون أن تصل إلى مستوى الاحتشاد البري الواسع الذي يروّج له الجيش الإسرائيلي.


وبحسب تقديرات ميدانية، يراوح عرض شارع الرشيد وممرات النزوح بين 5 و10 أمتار في بعض أجزائه، ما يجعل أي حركة نزوح جماعي عرضة للخطر. وفي المقابل، تغص المواصي جنوباً بأعداد هائلة من النازحين، وهو ما يقوّض عملياً مفهوم "المناطق الآمنة".


ويرى مراقبون أن "الهستيريا العسكرية" ناجمة عن فشل الاحتلال في تحقيق اختراق ميداني واضح. فبينما يسعى السياسيون لفرض "حسم سريع"، يطالب كبار قادة الجيش بالتحرك ببطء وحذر، وهو ما يفاقم حالة الارتباك على الأرض.


كذلك، فإنّ "لعنة الجغرافيا" ــ من شوارع ضيقة، وكثافة سكانية عالية، وتداخل مواقع المدنيين مع ساحات القتال ــ تشكّل العائق الأكبر أمام أي عملية برية موسعة. فأيّ تقدّم غير محسوب سيكلّف الجيش الإسرائيلي ثمناً عسكرياً وإنسانياً باهظاً، وفق تحذيرات أطلقها قادة عسكريون إسرائيليون سابقون وحاليون.


وخلال القصف المكثف في الساعات الأخيرة، قُتل عشرات المدنيين ونزح آلاف آخرون قسراً، فيما تشير تقارير طبية إلى اكتظاظ المستشفيات بالشهداء والجرحى، مع نقص حاد في الأدوية ووحدات الدم، وارتفاع ملحوظ في وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية الناجم عن التجويع الممنهج.

 

 

استهداف الأبراج والمباني العالية
وخلال الأيام الماضية، ركّز الجيش الإسرائيلي على استهداف الأبراج والمباني العالية في مدينة غزة. وبحسب الفلسطينيين الذين تحدّثت إليهم "النهار"، فإن الهدف من هذا الاستهداف المباشر هو تفريغ المدينة من سكانها بسرعة، إذ باتت الأبراج السكنية تؤوي أعداداً مضاعفة من النازحين. فبرج مؤلف من 14 إلى 16 طابقاً، مأهول بنسبة 80%، يضم في كل طابق أربع شقق، وفي كل شقة أربع إلى خمس عائلات.


فهيمة أحمد (39 عاماً)، إحدى مالكات برج "مشتهى"، تقول لـ"النهار" إنها سكنت مع أسرتها المؤلفة من ستة أفراد في الطابق الثامن. وتوضح أنها نزحت في بداية الحرب بإرادتها، لكنها خلال النزوح الأخير خرجت قسراً خلال عشر دقائق بعد تلقيها اتصالاً من الجيش الإسرائيلي لقصف البرج. لم تستطع أخذ شيء سوى أطفالها. وتضيف: "أنا مهندسة معمارية، صمّمت البيت بيدي، وكان بيت أحلامي. خرجت من دون أن آخذ قطعة أو ذكرى. التجربة مؤلمة جداً، ولا يشعر بها إلا من عاشها".


وتشير فهيمة إلى أن الهدف من ضرب الأبراج هو إرهاب السكان ودفعهم إلى النزوح، قائلة: "مجرد رؤية منزل أو برج ينهار أمام أعينهم، تكفي ليزرع الرعب في قلوب الناس".


وتتابع: "لحظة نزولي الدرج من الطابق الثامن كانت من أصعب اللحظات، خصوصاً مع وجود كبار سنّ ومقعدين لا يستطيعون إلا النزول ببطء. كنا نعطي الأولوية لهم. وعند خروجي بقيت مع أطفالي أراقب البرج من بعيد. قصفوه بثلاثة صواريخ ولم ينهَر فوراً، فرحتُ وقلت: الحمد لله، ربما نعود إليه. لكن بعد لحظات انهار بالكامل. شعرت حينها كأن قلبي خرج من جسدي. أطفالي بكوا على ألعابهم وقالوا: يا أمي، البرج وقع على ألعابنا، نريد اللعبة من تحت الركام".


تؤكد فهيمة أن الهدف الأساسي من قصف الأبراج هو تسريع النزوح جنوباً، وقد نجحت إسرائيل في ذلك، إذ نزح معظم سكان البرج بالفعل، فيما بقي القليل ممّن لم يملكوا المال الكافي لتغطية تكاليف النقل أو استئجار مأوى جديد، أو حتى شراء خيمة أو شادر.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.