بطالة وركود في سوق العمل... دراسة الأردنيين للطب تصطدم بواقع مرير

المشرق-العربي 09-08-2025 | 18:11

بطالة وركود في سوق العمل... دراسة الأردنيين للطب تصطدم بواقع مرير

بطالة وركود في سوق العمل الطبي، حيث يبلغ عدد الأطباء الأردنيين المتعطلين عن العمل أكثر من 4 آلاف طبيب.
بطالة وركود في سوق العمل... دراسة الأردنيين للطب تصطدم بواقع مرير
مشهد من الجامعة الأردنية في العاصمة عمّان (أرشيفية)
Smaller Bigger

رغم أن التصريحات الداعية إلى تجنب دراسة الطب ليست جديدة في الأردن، إلا أنها تتجدد عادة تزامناً مع إعلان نتائج الثانوية العامة (التوجيهي)، وذلك بسبب ارتفاع أرقام البطالة في هذا التخصص وعدم قدرة سوق العمل على استيعاب خريجيه.

 

وقبل يومين، أعلنت وزارة التربية والتعليم نتائج "التوجيهي" في المملكة التي تعد واحدة من البلدان التي ينظر فيها إلى دراسة الطب بوصفها طموحاً كبيراً للطلبة وذويهم على حد سواء، وتحظى كذلك بمكانة اجتماعية فضلاً عن مكانتها العلمية.

 

في هذا الصدد، يقفز إلى الذهن واحد من التصريحات السابقة في العام 2022 على لسان وزير التعليم العالي الأسبق وجيه عويس، والتي نصح فيها الطلبة وأهاليهم بعدم دراسة تخصص الطب لمدة 10 سنوات مقبلة، مشيراً في الوقت نفسه إلى التفكير بتغيير سياسات القبول في ذلك التخصص وتخصصات أخرى كالصيدلة والهندسة والحقوق، علماً أن تصريحات أخرى سابقة من قبل مسؤولين ومختصين لطالما وجهت النصيحة ذاتها.

 

ويوم أمس، تحدث الناطق باسم وزارة التعليم العالي مهند الخطيب، عن أن قراراً اتخذ في وقت سابق بتقليل أعداد القبول في تخصصي الطب وطب الأسنان سيظل ساريا دون تراجع.

 

وأوضح الخطيب في تصريح تلفزيوني أن العام الدراسي القادم سيشهد قبول 640 طالباً في تخصص الطب موزعين على 6 جامعات، و256 طالباً في طب الأسنان موزعين على أربع جامعات فقط، لافتاً إلى أن هذا القرار يأتي في إطار مواجهة ظاهرة البطالة والركود في سوق العمل الطبي، حيث يبلغ عدد الأطباء الأردنيين المتعطلين عن العمل أكثر من 4 آلاف طبيب.

 

وقبل ذلك بأيام، أكد وزير التعليم العالي عزمي محافظة، أن عدد الأطباء الممارسين في الأردن يبلغ نحو 30 ألفاً، بينما يدرس الطب داخل المملكة وخارجها أكثر من 35 ألف طالب، ما قد يرفع نسبة الأطباء إلى 6 لكل ألف مواطن، وهو معدل مرتفع قد يهدد توازن سوق العمل مستقبلاً.

 

وأشار إلى أن الحكومة كانت قد قررت خفض عدد المقبولين في تخصص الطب إلى 600 سنوياً، إلا أن الأرقام الفعلية تجاوزت 1000 طالب، ما يستدعي إعادة ضبط آليات القبول مع الحفاظ على جودة التعليم الطبي.

 

نسبة الأطباء في الأردن قد ترتفع إلى 6 لكل ألف مواطن (أرشيفية)
نسبة الأطباء في الأردن قد ترتفع إلى 6 لكل ألف مواطن (أرشيفية)

 

وبحسب ما يقول لـ"النهار" أمين سر نقابة الأطباء الأردنية الدكتور مظفر الجلامدة، ففي الوقت الذي يكون فيه أعداد الأطباء الخريجين كثير ويفوق عدد من في صفوف البطالة 5 آلاف، تعاني وزارة الصحة من نقص شديد في عدد الأطباء وشح في الاختصاصات، وذلك كله لمضاعفة تعيينات وعدم التوسع في القبول في برامج الإقامات والاختصاصات والمعادلة الأخرى".

 

والذي لا يفهمه الجميع كما يؤكد الجلامدة أن "الكل يحاول تخفيف أعداد القبولات في كليات الطب في الجامعات الحكومية أو من خلال زيادة معدلات القبولات للطب وفي نفس الوقت يتم إعطاء ومنح رخص جديدة لكليات طب خاصة وتقريبا بحدود الثلاث كليات طب في الأردن".

 

وأضاف: "من حق العائلات الأردنية أن ترى أبناءها أطباء في حال كان لديهم الرغبة، والأمر بات ثقافة تنافسية مجتمعية محقة، لكن اليوم نحن أمام واقع من الأرقام يظهر أعداداً كبيرة من البطالة تفوق 5 آلاف طبيب، وفي الست سنوات القادمة سيتخرج أكثر من 30 ألف طبيب أردني من كليات الطب داخل الأردن وخارجها، وما يتوفر داخل الأردن سنوياً بحدود ألفين مكان للاختصاص في مختلف المؤسسات الصحية الأردنية وزارة الصحة والخدمات الطبية والقطاع الخاص والمستشفيات الجامعية، وبالتالي هناك عدد كبير يتراكم سنويا لا يوجد له أي مكان لاختصاص أو العمل وقد نضيف أيضا لما يقارب 700 طبيب سنويا وبجهودهم الشخصية يسافروا الي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وأوروبا، فهذه الأرقام هي أرقام بحاجة إلى دراسة بصورة مختلفة لحل الأزمة وتحويلها إلى فرصة من خلال حلول داخل الوطن وخارجه نستغل ونستند من خلالها على سمعة الطبيب الأردني وجودة التعليم الطبي لدينا سواء في دول العالم المتقدمة وعند جيراننا في دول الخليج".

 

وقال الجلامدة: "ما نبحث عنه ونطمح هو إيجاد فرص عمل لأطبائنا من خلال تعاون وزارة الصحة ونقابة الأطباء والخارجية الأردنية في دول العالم المتقدم، حيث نتحدث عن وجود نقص بحدود 200 ألف طبيب في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، ففرص العمل هذه المتوفرة والمتاحة خلال العشر سنوات القادمة يستطيع الطبيب الأردني الاستفادة منها، لا سيما أن لديه القدرة على المنافسة عليها عالمياً من خلال إيجاد التنسيق والتمويل اللازم لأطبائنا الأردنيين لتسهيل حصولهم على الإقامات وفرص العمل وإيجاد لهم سبل دعم إما لتغطية امتحاناتهم وتكاليف السفر من خلال صندوق دعم الطالب مثلا وإما محلياً أو داخلياً بزيادة أو مضاعفة أعداد التعيينات في وزارة الصحة والقطاعات الطبية المختلفة بما يتناسب مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان الموجود في الأردن".

 

وتابع: "كما يجب وضع خطة خمسية - عشرية لوزارة الصحة بحيث تسد جميع النقص الحاصل في الاختصاصات وبنفس الوقت تستطيع أن تستثمر في الطبيب الأردني والاختصاص بتصدير كفاءات أردنية، فيما الحل الذي يجب العمل عليه أردنيا هو تفعيل عقود الصحة المدرسية والصحة المهنية بحيث يوجد في الأردن أكثر من خمسة آلاف مدرسة خاصة عدا عن الحضانات وهذا الرقم كافي لتأمين عقود لحل مشكلة الأطباء، كما نتحدث أيضا عن عدد لا يستهان به من المصانع التي تستحق وجود أطباء وعيادات طبية ويتم تفعيلها من خلال التنسيق مع نقابة الأطباء ووضع التشريعات التي تضبط هاي العملية وتنظمها بصورة كاملة".

 

الدكتور مظفر الجلامدة (أرشيفية)
الدكتور مظفر الجلامدة (أرشيفية)

 

ومن وجهة نظر الصحافي المتخصص في الشأن النقابي الطبي محمد الكيالي، فإن "قطاع الطب في الأردن يشهد أزمة متصاعدة تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة بين الأطباء نتيجة تضخم أعداد الخريجين مقارنة بقدرة سوق العمل على استيعابهم".

 

وأضاف الكيالي لـ"النهار" أن "البيانات تشير إلى وجود حوالي 22 ألف طالب طب داخل المملكة وعدد مماثل يدرسون في الخارج، ما ينذر بدخول ما بين 35 و37 ألف طبيب جديد إلى سوق العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، في حين لا يتجاوز عدد الأطباء الممارسين حالياً 27.900".

 

وتابع: "بلغ عدد الأطباء الحاصلين على شهادة الامتياز هذا العام 3544 طبيباً، مع استمرار الإقبال المرتفع على دراسة الطب رغم التحديات المتزايدة".

 

وبحسب الكيالي: "يرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تصورات المجتمع الأردني حول مهنة الطب، حيث لا تزال العديد من الأسر تعتبرها الخيار الأمثل لتحقيق الاستقرار المالي والمكانة الاجتماعية، ما يؤدي إلى إصرار الطلبة على الالتحاق بكليات الطب فور إنهاء الثانوية العامة، حتى في ظل وجود بدائل واعدة أخرى".

 

وقال: "رغم التدفق الكبير للخريجين، لا تتجاوز التعيينات السنوية في القطاعين الصحي الحكومي والعسكري والخاص 1100 طبيب، الأمر الذي يترك نحو 2000 طبيب سنوياً في حالة بطالة. وتزداد الأزمة تعقيدا بسبب محدودية مقاعد برامج التخصص التي لا تستوعب سوى أقل من نصف الخريجين، بالإضافة إلى ظروف العمل الصعبة والأجور المتدنية، ما يدفع الكثير من الأطباء إلى الهجرة، خصوصاً إلى بريطانيا التي ارتفعت نسبة استقطابها للأطباء الأردنيين بنسبة 470% بين عامي 2017 و2021".

 

ويقف الأردن أمام معادلة معقدة وفقاً للكيالي، وتتمثل بفائض في مخرجات التعليم الطبي يقابله عجز في فرص العمل، ما يتطلب مراجعة شاملة لسياسات التعليم والتوظيف وتوجيه الشباب نحو مسارات مهنية أكثر توافقا مع احتياجات المستقبل.

 

وأكد الكيالي أن "استمرار ربط النجاح المادي والاجتماعي بمهنة الطب ساهم في تفاقم الأزمة"، مشيراً إلى أن "التوجه نحو تخصصات حديثة مثل الأمن السيبراني وأمن المعلومات قد يفتح آفاقا أوسع للتوظيف، خاصة في ظل التطور السريع في مجالات التكنولوجيا والتكامل الصناعي، وما توفره من فرص عمل قد تتجاوز ما يتيحه القطاع الطبي في الوقت الراهن".  

 

اقرأ أيضاً: وزير أردني يطلق "صفارة إنذار"... تشويه لسمعة الجامعات أم تصحيح لمسارها؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.