الأردن... الاقتصاد تحت المجهر في أوّل تعديل على حكومة حسان
شهدت الحكومة الأردنية، اليوم الأربعاء، أول تعديل وزاري منذ تشكيلها قبل نحو عام برئاسة جعفر حسان، إذ شمل التعديل خروج 10 وزراء، ودخول 8 جدد يحملون للمرة الأولى لقب وزير.
كذلك، أخرج حسان سيدتين وأدخل سيدة واحدة جديدة، ليقلّ عدد السيدات في حكومته إلى 4 بدلاً من 5 وزيرات.
ولم يحمل التعديل أبعاداً سياسية، بل جاء بطابع اقتصادي في خطوة تهدف إلى تعزيز الفريق الوزاري بقدرات جديدة تبني على ما أُنجز، وتواكب السرعة التي يتطلّبها تنفيذ مشاريع التحديث، وفي مقدمها رؤية التحديث الاقتصادي التي سبق أن أطلقها الأردن.
وشمل التعديل مغادرة كل من وزير الاستثمار مثنى غرايبة، ووزير الزراعة خالد الحنيفات، ووزير الصحة فراس الهواري، ووزير الدولة أحمد علي العويدي، ووزيرة النقل وسام التهتموني، ووزير البيئة معاوية الردايدة، ووزيرة السياحة لينا عنّاب.
وكذلك، خرج من التشكيلة وزير الدولة لتطوير القطاع العام خير الله أبو صعيليك، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء عبدالله نوفان العدوان، ووزير الشباب يزن الشديفات.
أما التشكيلة الجديدة، فشملت تعيين طارق أبو غزالة وزيراً للاستثمار، وعبداللطيف النجداوي وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، وصائب خريسات وزيراً للزراعة، وإبراهيم البدور وزيراً للصحة.
وشمل التعديل أيضاً تعيين عماد حجازين وزيراً للسياحة، ورائد العدوان وزيراً للشباب، وأيمن سليمان وزيراً للبيئة، وبدرية البلبيسي وزيرة دولة لتطوير القطاع العام.

"لا رسائل سياسية أو أسباب خارجية"
ومن وجهة نظر النائب السابق الدكتور هايل ودعان الدعجة: "لا تقف وراء هذا التعديل أي رسائل سياسية أو أسباب خارجية، بل جاء استجابةً لحاجة موضوعية وملحّة عقب ورشة التحديث الاقتصادي، وفي ظل ما شاب التشكيلة السابقة من ثغرات، سواء على مستوى حجم الفريق الوزاري أو تعدد الحقائب، ولا سيما وزراء الدولة".
ويضيف الدعجة لـ"النهار" أن "هناك حالة من عدم الانسجام والتناغم بين العديد من عناصر الفريق الوزاري، في إطار تقليدي تجاوزه الزمن. وكان متوقعاً من رئيس الحكومة جعفر حسان، الذي كان قريباً من جلالة الملك وشغل منصب مدير مكتبه، أن يشكّل حكومة أكثر رشاقة وتمثيلاً، تأخذ بالاعتبار الكفاءات والمؤهلات".
ويؤكد أن "الدافع وراء هذا التعديل أن رئيس الحكومة رهن نفسه لمنظومة التحديث المطروحة في الأردن عبر برنامج إصلاح وطني، استناداً إلى التوجيهات الملكية السامية، وجعل هذه المنظومة هدفاً أساسياً، معتبراً أن الأداء سيكون المعيار الرئيسي لتقييم الوزراء. وقد طلب، قبل التعديل، من الوزراء تقديم تقارير أداء شهرية تتضمن مدى إنجازهم للمشاريع الموكلة إليهم وفق رؤية التحديث الاقتصادي، التي تترجم المسار الاقتصادي في منظومة التحديث المكوّنة من ثلاثة مسارات: السياسي، والاقتصادي، والإداري. ومن خلال هذه التقارير، لاحظ الرئيس تفاوتاً في الأداء، ما فسّره البعض بالحاجة لتغيير أسماء في الفريق الوزاري يصل إلى ثلثه أو حتى نصفه، وهو ما انعكس في التعديل الحالي الذي شمل حقائب اقتصادية وسياحة واستثمار ونقل وغيرها".
ومع ذلك، يتابع الدعجة: "فإن هذا التعديل لم يكن بالمستوى المطلوب، إذ كان من المتوقع تقليص عدد الحقائب الوزارية أو دمج بعضها، خاصة تلك التي لا ضرورة لها، ولا سيما وزارات الدولة. وقد غلب على هذا التعديل طابع التمثيل، فيما غابت عن بعض الاختيارات معايير الكفاءة".
ويضيف: "أما على صعيد الأحزاب، فلم تكن ممثلة في التعديل، وهو ما يتناقض مع منظومة التحديث السياسي في مسارها الهادف إلى تشكيل حكومات حزبية أساسها المشاركة الشعبية، بما يضمن وجود برلمان حزبي مؤسسي وبرامجي قادر على الارتقاء بأداء المؤسسة التشريعية. كما أن التعديل جرى دون مشاورات مع النواب أو الكتل البرلمانية الحزبية، الأمر الذي يتناقض مع فلسفة التحديث السياسي".
وكان من المفترض وفقاً للدعجة: "مشاورة النواب ليكون لهم رأي في الحكومة أو تعديلها، غير أن الحكومة انفردت بالمسار الاقتصادي، وللأسف لا يوجد أي دور يُذكر للبرلمان في هذا الملف الحيوي، رغم أنه جزء أساسي من مشروع الإصلاح الوطني".

"تجميل شكلي"
ويقول الخبير الاقتصادي موسى الساكت لـ"النهار": "رغم الاهتمام على أعلى المستويات برؤية التحديث الاقتصادي، إلا أن التعديل الوزاري الأخير لم يعكس ترجمة فعلية لهذا الالتزام".
فالتعديل، كما يراه الساكت، جاء "أقرب إلى تجميل شكلي منه إلى إعادة ضبط حقيقية للمسار التنفيذي، إذ لم يُبنَ على تقييم موضوعي لأداء الفريق السابق، ولم يُراعِ معايير الكفاءة والإنجاز. وبالتالي، فإن هذا التعديل، دون مأسسة للمساءلة، سيبقى قاصراً عن تحفيز التقدم المطلوب في تنفيذ الرؤية".
ويتابع: "أي تعديل وزاري لا يستند إلى معايير موضوعية في اختيار القيادات سيظل معرّضاً لإنتاج حالة من التباطؤ المؤسسي. فالتنفيذ السريع يتطلب فرقاً تمتلك الخبرة الفنية والقيادية، لا مجرد التوزيع السياسي أو الاجتماعي للمناصب. وعليه، فإن التغيير بحد ذاته لا يكفي؛ المهم هو نوعية الفريق، ومدى انسجامه مع أولويات الرؤية، وقدرته على اتخاذ قرارات جريئة، وتحقيق نتائج قابلة للقياس".
ويضيف الساكت: "هناك مجموعة من الملفات الجوهرية التي تحتاج إلى معالجة فورية وجذرية بنهج اقتصادي قيادي لا يكتفي بردة الفعل أو إدارة الأزمات، بل يؤسس لمرحلة من الحلول المستدامة المبنية على البيانات والرؤية الاستراتيجية".
أما أبرز تلك الملفات، من وجهة نظره، فهي "تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي عبر إزالة المعوّقات الإجرائية والتشريعية، وتعزيز فرص التشغيل من خلال ربط التعليم بالتدريب وسوق العمل، وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي وشامل ينعكس على معيشة المواطنين، واستعادة ثقة المواطن بالحكومة والمؤسسات من خلال الشفافية والعدالة في توزيع الفرص، بالإضافة إلى الإدارة الفاعلة للموارد، لا سيما المياه والطاقة والمال العام".
"جاء مدروساً"
من جهته، يؤكد مدير قسم الاقتصاد في صحيفة "الغد" الأردنية يوسف ضمرة أن "التعديل جاء مدروساً بعناية من ناحية ربط الحقيبة بالخبرة الأكاديمية والعلمية للوزراء الجدد بهدف تحقيق مؤشرات الأداء برؤية التحديث الثانية"، مشيراً إلى أن التعديل أتى بعد جلسات تقييمية في الديوان الملكي لما تحقق من مؤشرات في الرؤية، لا سيما معالجة الاختلالات والتحديات التي يواجهها قطاعا الاستثمار والسياحة.
ويعتبر ضمرة، في حديثه لـ"النهار"، أن "الرهان يظل على مدى انسجام الفريق الاقتصادي في الحكومة، وقدرته على تحقيق إنجازات يلمس المواطن أثرها، وتنعكس نتائجها بلغة الأرقام على الواقع الاقتصادي".
نبض