يحاول زعماء القوى السياسية التقليدية في العراق إعادة رسم خريطة النفوذ في قلب بغداد، من خلال إقحام أسمائهم في الماراثون الانتخابي المرتقب في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ما يجعل الحملات الدعائية التي انطلقت بشكل مبطن، الأكثر سخونة في تاريخ النظام السياسي بعد عام 2003.
وسيحضر كلّ من محمد شياع السوداني، ونوري المالكي، وهادي العامري، ومحمد الحلبوسي، ومحسن المندلاوي، وغيرهم، على رأس القوائم الانتخابية في بغداد، بتسلسل (1) في الاقتراع العام.
وتتداول مواقع التواصل الاجتماعي "اسكتشات" و"ريلات" لزعماء الكتل السياسية الشيعية والسنية، مذيّلة بهاشتاغ "#واحد_بغداد"، في إشارة إلى ترؤسهم قوائمهم الانتخابية.

اقتراع لإثبات الوجود
يعزو القيادي في تحالف "العزم" عزام الحمداني مشاركة زعماء القوى السياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة بدورتها السادسة إلى محاولة "كسر الفتور والعزوف الانتخابي لدى الناخبين"، معتبراً أنها تشكل "معركة لإثبات الوجود" على الساحة السياسية العراقية.
ويقول الحمداني، لـ"النهار"، إن الصراعات التي شهدتها المرحلة السابقة، ولا تزال مستمرة، دفعت الزعماء للعودة إلى الساحة الانتخابية، ما يجعل المعادلة السياسية بعد الانتخابات أكثر تعقيداً، مشيراً إلى أن خطابات الشحن الطائفي تسعى إلى إنقاذ الأحزاب التقليدية، التي لم يلمس المواطن من سياساتها ما يصب في صالحه.

تعزيز حظوظ المكوّن السني
من جهته، يرى القيادي في حزب "تقدّم" مصطفى الجميلي أن ترؤس الحلبوسي، رئيس مجلس النواب السابق، لقائمة الحزب في بغداد، يهدف إلى تعزيز حظوظ المكوّن السني في العاصمة، مشيراً إلى أن "تقدّم" يتعامل مع الانتخابات وفق "خطة استراتيجية".
ويقول الجميلي، لـ"النهار"، إن "الجمهور السني في بغداد طالب الحلبوسي بتمثيله في المرحلة المقبلة، إذ إن كثيرين منهم يفكرون في العزوف عن المشاركة".
ويضيف أن دخول أسماء مثل السوداني والمالكي والعامري والحلبوسي في السباق الانتخابي، سيحدد مصير أحزابهم وحجم ثقلهم السياسي في الشارع البغدادي، فهم يمثلون أبرز رموز العملية السياسية في البلاد.

لعبة "سانت ليغو"
من جانبه، يبرّر النائب عن ائتلاف "دولة القانون" محمد الشمري مشاركة زعماء الكتل والأحزاب في الانتخابات المقبلة باعتماد قانون "سانت ليغو"، الذي يُعدّ آلية حسابية تتيح للمرشح الحاصل على أعلى الأصوات توزيع فائض الأصوات على مرشحي قائمته، ممن لم تؤهلهم أصواتهم لتجاوز العتبة الانتخابية.
ويقول الشمري، لـ"النهار"، إن هذا القانون يخدم القائمة لا المرشح الفرد، لذا قررت قيادات الأحزاب الترشح مباشرة لتكون "رافعات" لبقية مرشحي القوائم.
ويشير إلى أن المالكي حصل في آخر انتخابات شارك فيها على نحو 725 ألف صوت، واستثمرها لصالح مرشحي "دولة القانون"، وهو اليوم يسعى لتغذية كتلته مجدداً.
ويخلص الشمري إلى أن بعض المحافظين الذين حققوا إنجازات خدمية، سيترأسون بدورهم قوائم كتلهم، بهدف ضمان أعلى عدد من الأصوات.

المالكي يلاحق نفوذ السوداني
بدوره، يرى الصحافي والكاتب السياسي أحمد الموسوي أن حصر التنافس الانتخابي في بغداد يعكس محاولة القوى السياسية إعادة رسم خريطة النفوذ، خصوصاً بين المكوّنين الشيعي والسني.
ويقول الموسوي، لـ"النهار"، إن عودة المالكي إلى المعترك الانتخابي هي محاولة لتقويض نفوذ السوداني، الذي يشهد تصاعداً في ظل رئاسته للحكومة، مشيراً إلى أن ائتلاف "دولة القانون" يدرك أن السوداني قد يستميل جزءاً من جمهوره عبر الوعود والامتيازات، في حال فاز بولاية ثانية.
ويؤكد أن الزعامات السياسية لا تسعى فقط إلى حصد المقاعد، بل تهدف إلى ترسيخ وجودها كقوى حاكمة، مشدداً على أن بغداد تمثل قلب العملية السياسية، وساحة التنافس الحقيقي بين الأحزاب.
ويشير الموسوي إلى أن قانون "سانت ليغو" بصيغته الحالية يضع القوائم الصغيرة والمستقلين أمام مغامرة سياسية، كما أن المال السياسي الذي تمتلكه الأحزاب الكبرى سيحدّ بشدة من قدرة القوى المدنية والناشئة على إطلاق حملات دعائية فعالة، بل قد يسعى إلى إقصائها لمنع نشوء معارضة برلمانية فاعلة.
ويختم الموسوي بالقول إن تنافس المالكي والعامري والسوداني ضمن ساحة انتخابية واحدة قد يؤدي إلى تشظي "الإطار التنسيقي"، في مشهد يعكس صراعاً داخلياً على الزعامة والنفوذ.