المشرق-العربي 14-03-2025 | 09:10

كلّ شيء بيد الرئيس... كيف ستوفّق سوريا بين لامركزية المناطق ومركزية السلطات؟

منح الإعلان الدستوري الموقت الرئيس حق احتكار السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إذ بحسب نصّ الإعلان الدستوري لم يعد في سوريا مجلس للوزراء ولا منصب رئيس وزراء، بل الرئيس هو المسؤول الأول عن إدارة البلاد، بما يشبه النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية. 
كلّ شيء بيد الرئيس... كيف ستوفّق سوريا بين لامركزية المناطق ومركزية السلطات؟
أحمد الشرع رئيس بصلاحيات واسعة
Smaller Bigger

تتجه الأوضاع في سوريا عبر مسارات متوازية إلى فرض أمر واقع سياسي ودستوري وعسكري يخالف، بل يناقض، الحالة الموقتة التي يُفترض أن السلطات الانتقالية في البلاد تتّصف بها حالياً.

 

وبداية من إصدار إعلان دستوري موقت وقّعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الخميس، مروراً بالاتفاق مع "قوات سوريا الديموقراطية" وبقية الفصائل المسلحة في الجنوب السوري، وصولاً إلى تشكيل مجلس للأمن القومي، يبدو أن السلطات الانتقالية استطاعت أن تحسم مسائل استراتيجية متعلقة بشكل الدولة السورية وبنيتها ونظام الحكم فيها خلال أشهر قليلة، في الوقت الذي تتذرّع بحاجتها إلى وقت أطول، قد يمتدّ لسنوات، من أجل حسم قضايا إجرائية تتعلق بالانتخابات ونشاط الأحزاب، بل وحتى قضية العدالة الانتقالية التي طالما قيل إنها من القضايا الجوهرية التي تهتم بها هذه السلطات.

 

وفي الوقت الذي لا يزال يخيّم فيه الكثير من الغموض على العديد من تفاصيل الاتفاقات التي وُقّعت مع الفصائل المسلحة، بما فيها "قسد" وفصائل الجنوب، الأمر الذي لا يسمح برسم صورة واضحة لعلاقة المركز مع المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الفصائل، يبدو في موازاة ذلك اتجاه يقضي بتجميع كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية والأمنية بيد شخص واحد هو أحمد الشرع الذي حاز منصب الرئاسة بموجب تفويض صدر عن فصائل مسلحة شاركت في "مؤتمر النصر".

 

ومنح الإعلان الدستوري الموقت الرئيس حق احتكار السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إذ بحسب نصّ الإعلان الدستوري لم يعد في سوريا مجلس للوزراء ولا منصب رئيس وزراء، بل الرئيس هو المسؤول الأول عن إدارة البلاد، بما يشبه النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية. والرئيس أيضاً هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ومنحه الإعلان الدستوري كذلك حق تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، وتعيين المجلس الأعلى للقضاء، وكذلك صلاحية سنّ القوانين وإصدارها، وغيرها من الصلاحيات الأخرى.

 

إلى جانب ذلك أصدر الشرع الخميس، القرار رقم /5/ القاضي بتأسيس مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية، وتكون مهمته "تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية". ويضم المجلس في عضويته كلاً من وزراء الخارجية والدفاع والداخلية. وإلى جانب رئاسة المجلس يعيّن رئيس الجمهورية ثلاثة أعضاء آخرين في المجلس، اثنين استشاريين وواحد تقني فني.

 

ويفترض في مجالس الأمن القومي، بحسب التجارب المعمول بها في العديد من الدول، أن تتولى وضع الاستراتيجيات الأمنية والسياسية البعيدة الأمد، وهو ما يستلزم وجود بنية دستورية وقانونية مستقرة في البلاد، بالإضافة إلى وجود سلطة منتخبة فوّض إليها الشعب وضع مثل هذه الاستراتيجيات. وهذا ما يتناقض مع الواقع السوري الذي يمر بمرحلة انتقالية تتنافر بطبيعتها مع أيّ رسم لاستراتيجيات طويلة المدى تتجاوز الحدّ الزمني الموضوع لانتهاء هذه المرحلة.

 

وقد التقط البعض من تشكيل هذا المجلس إشارة سلبية تدلّ إلى وجود توجّه عام يقضي بالاهتمام بترسيخ نوع من الحكم الأمني في البلاد عوضاً عن بناء المؤسسات المدنية كمؤسسات القضاء والإعلام والتشريع، خصوصاً أن أمام البلاد استحقاقات معقدة تتعلق بالعدالة الانتقالية والإصلاح السياسي تحتاج إلى البدء بتأسيس البنية التحتية اللازمة لتحقيقها، قبل الاهتمام بالجانب الأمني ببعده الاستراتيجي.

 

وفي الواقع، مع تجميع هذه السلطات والصلاحيات كلها بيد شخص الرئيس، لم تكن ثمة حاجة إلى إصدار إعلان دستوري مؤقت مؤلف من 43 مادة، وكان يكفي الاقتداء بما جرى في فترات تاريخية سابقة إذ سجّلت بعض الانقلابات العسكرية إصدار إعلان دستوري لم يشتمل سوى على مادتين فقط، تنصّان على منح الرئيس صلاحية السلطتين التنفيذية والتشريعية.

 

والمفارقة، أنه بينما يجري العمل على تركيز السلطات بيد فرد واحد، يبدو مشهد الجغرافيا السورية مقطّعاً وغير قابل للتوحيد الكامل في المدى المنظور. وهو ما من شأنه أن يطرح تساؤلات كثيرة حول كيفية التوفيق بين هذين المسارين: لامركزية المناطق، ومركزية السلطات.

 

كذلك ثمة شكوك وراء تبنّي هذه النزعة الفردية في تأسيس السلطات، فهل هي ردّ فعل من السلطات الانتقالية على عدم قدرتها على تحرير كل الأراضي السورية، واضطرارها للاتفاق مع المسيطرين عليها، فاستعاضت عن ذلك باحتكار السلطات، أم لعلّها أرادت من خلال ذلك أن تضع بين يديها أوراق قوة تمكنها لاحقاً من التحكم بتنفيذ بنود الاتفاقات وفق ما تسمح به موازين القوى في كل مرحلة، وربما الانقلاب على هذا الاتفاقات عندما تشعر بقدرتها على ذلك في أيّ لحظة مواتية.


الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
اقتصاد وأعمال 9/29/2025 10:48:00 AM
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا.
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟ 
النهار تتحقق 9/30/2025 9:34:00 AM
العماد رودولف هيكل ووفيق صفا جالسين معاً. صورة قيد التداول، وتبيّن "النّهار" حقيقتها.