عملية السلطة في مخيّم جنين... ما هي رسائل الدم الفلسطيني المهدور؟
مع دخول العملية العسكرية المثيرة للجدل "حماية وطن" التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في مخيم جنين في الضفة الغربية شهرها الثاني، متسببة حتى الآن بمقتل 14 فلسطينياً بين مدني وعسكري، تثار الكثير من التساؤلات بشأن رمزية المكان والتوقيت والغاية الحقيقية وراء تنفيذها.
ومع ارتفاع أعداد الضحايا، وتشديد الحصار على المخيّم بعدد كبير من الآليات والعناصر، قُطعت المياه والكهرباء عن السكان وحُرموا من أبسط حقوقهم من الخدمات الطبّية والإنسانية في ما يشبه عقاباً جماعياً، وتحويلهم إلى هدف مباشر لإطلاق الرصاص العشوائي ورصاص القناصين. كذلك اعتُقلت أعداد من النساء والشبان على خلفية انتقاداتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسياسات السلطة الفلسطينية وتنفيذ العملية في هذا الوقت بالذات في خضمّ حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
كذلك اعتقل رئيس قسم الطوارئ في مستشفى جنين قاسم بني غرة الذي تعرّض لاستجواب ولتعذيب شديد، وفقاً لبيان "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية".
توتر شديد
وخلال أربعة أسابيع من الاشتباكات التي أثرت كثيراً على أوجه الحياة المختلفة، خلت الأسواق من المارة ومن المتسوقين من داخل محافظة جنين وخارجها، وتأثر اقتصاد المدينة مباشرة بسبب انعدام القدرة الشرائية للمواطنين، أما القلة الذين يصلون يومياً فباتوا ينهون معاملاتهم وأمورهم بسرعة ليغادروا قبل اشتداد وتيرة الاشتباكات.
أزقّة المخيم فارغة من الحياة، تغمر بعضها المياه الجارية من جراء إطلاق النار العشوائي على الأسطح، ما تسبّب بانفجار خزانات المياه، ولم يسلم منها المارة أو سكّان المخيم داخل منازلهم أو خارجها، كما حدث عند مقتل الصحافية شذى الصباغ قبل نحو أسبوع، والمواطن موسى الحاج الجلقموسي (43 عاماً) وابنه قاسم (14 عاماً) اللذين قتلا يوم الجمعة الماضي في حي الحواشين وسط المخيم فيما أصيبت ابنته بجروح خطرة بعد قنصهم أثناء تعبئة الماء.
الاحتقان الحاد داخلياً يزداد يوماً بعد آخر في الشارع الفلسطيني، وسط انتقادات شديدة وقاسية ورفض شعبي للحملة الأمنية، وتخوفات من أن تندفع الامور في اتجاه مرحلة أخطر.
إنهاء المقاومة
يتفق محللون للشأن الفلسطيني الداخلي على أن القرار الفلسطيني بتنفيذ الحملة هو قرار سياسي إسرائيلي - أميركي، تحضيراً واستعداداً لوصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى البيت الأبيض في 20 من كانون الثاني (يناير) الجاري، وعلى أن السلطة الفلسطينية أرادت إرسال رسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأنها جاهزة لتسلم مقاليد الحكم في غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب، لتكون البديل الأقوى، إذ إنها تحكم قبضتها الحديدية وتفرض سيطرتها بكل قوة على الضفة الغربية، وتعمل باستمرار على إنهاء الحالة المقاومة التي ظهرت في جنين شمال الضفة منذ أربع سنوات.
لكن متابعين للسياسة الفلسطينية يرون أن حالة "المقاومة المسلحة" تتسبب بإحراج للسلطة وسياستها، بعدما فشلت كل الوساطات في تهدئة الأوضاع أو الوصول إلى اتفاق.
وقال مسؤول فلسطيني كبير لم يكشف اسمه لوكالة "فرانس برس" إن الرئيس محمود عباس يرفض رفضاً قاطعاً أي وساطة، مشدداً على أن "على هؤلاء المسلحين أن يسلّموا أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية". حتى إن داعمي سياسات السلطة من بعض الدول العربية ليسوا راضين عن العملية ولا يستحسنون بقاء القوات الأمنية الفلسطينية في المخيم، لأسباب كثيرة منها ارتفاع حصيلة الضحايا، وتجاوز العناصر الأمنيين الكثير من الخطوط الحمر، كما لا يمكن حتى الآن تحديد ماهية النتائج التي تحقّقت، بل إنها ربما جاءت معاكسة للتوقعات، وكل يوم إضافي هو بمثابة الغرق في صراع داخلي مسلح قد يصل إلى مرحلة يصعب تجاوزها إذا طالت العملية، وأخيراً إمكان أن تتطوّر الأمور لتتحوّل إلى تمرّد شعبي يهدّد وجود السلطة ككل.
نبض