الأردن إلى "صفحة جديدة" مع سوريا... استقرار أمني – سياسي وانتعاش تجاري

يتطلع الأردن الذي زار وزير خارجيته أيمن الصفدي دمشق الاثنين، إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع سوريا، تفضي إلى حالة من الاستقرار الأمني – السياسي، وكذلك انتعاش الحركة التجارية بين البلدين اللذين تربطهما حدود طولها 375 كم.
وبذلك، تطوي المملكة صفحات كثيرة من الأزمات والتوترات التي سادت العلاقات في ظل حكم عائلة الأسد، ومن بين أحدثها وأبرزها ملف تهريب المخدرات والأسلحة الذي ظل يؤرق الأردن على مدى سنين، فضلاً عن عبء اللاجئين السوريين الذي ألقى بثقله منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وانتشار الميليشيات المسلحة الموالية لإيران على حدوده وسط فوضى في المشهدين الأمني والعسكري.
الصفدي أجرى مباحثات موسعة وصفها بـ"الصريحة والإيجابية" مع القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، وهو أول وزير خارجية عربي يزور دمشق بعد سقوط حكم الأسد، وقد أكد أن إعادة بناء سوريا أمر مهم للأردن وللمنطقة ككل، مبدياً استعداد المملكة لتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة في عملية إعادة الإعمار.
كما بحث الصفدي مع الشرع سبل الدعم التي يمكن أن يقدمها الأردن للشعب السوري، بالإضافة إلى مناقشة الجانب الأمني ومكافحة الأرهاب، وأكد دعم العملية الانتقالية في سوريا وصوغ دستور جديد للبلاد، فضلاً عن طرح ملفات التجارة والحدود والمساعدات والربط الكهربائي.
مستقبل العلاقة رهن بناء الثقة
ووفق ما يقول لـ"النهار" الباحث المتخصص بالشأن السوري وقضايا الشرق الأوسط في معهد السياسة والمجتمع حسن جابر، فإن "الأردن ينظر إلى مستقبل العلاقة مع سوريا على أنها علاقة مع سلطة أمر واقع، إذ يُدرك أنها لم تتجاوز مرحلة ما بعد الصراع بعد. كما لا تزال هناك قضايا محلية لم تُحسم، كالمفاوضات مع قوات سوريا الديموقراطية في شمال شرقي سوريا، والحديث عن توافقات محلية داخل المجتمع السوري ومع القوى الاجتماعية الأخرى، ومستقبل المرحلة الانتقالية".
ويضيف أن "مستقبل العلاقة يبقى مرهوناً بخطوات بناء الثقة، وهي المعيار الرئيسي والمطلب الأساسي للمجتمع الدولي، ومن ضمنه الأردن بطبيعة الحال"، موضحاً أن "زيارة وزير الخارجية الأردني تأتي في إطار تقدير الموقف من القضايا الأردنية الرئيسية الشاغلة، خصوصاً أن الصفدي هو أول وزير خارجية عربي يصل دمشق، وفي مقدمة الأولويات الأردنية تأمين الحدود وضمان الاستقرار في الجنوب السوري ومنع حدوث سيناريوات تقسيم لسوريا، وصوغ تصوّر حقيقي وواقعي بعد الاشتباك الديبلوماسي المباشر مع الحكومة الجديدة، لا سيما في سياق ما بعد اجتماع العقبة الأخير".
وكان البيان الختامي لمؤتمر العقبة في الأردن الذي شاركت فيه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وممثل الأمم المتحدة، إلى جانب وزراء خارجية الإمارات والسعودية والعراق ولبنان ومصر والبحرين وقطر، أكد ضرورة تحقيق انتقال سياسي سلمي في سوريا، عبر عملية سورية - سورية جامعة تشمل القوى السياسية والاجتماعية كافة، بما يضمن مستقبلاً مستقراً للبلاد.
ويشير جابر إلى أن "هذه الزيارة قد تساهم في محاولات بناء موقف عربي موحد، إذ إن الأردن له خبرة ديبلوماسية مهمة في الشأن السوري وقضايا الإقليم،ما يعزز دوره في صوغ العلاقات المستقبلية مع سوريا في سياق إقليمي ودولي يتسم بالحذر والترقب".
ويتابع: "بناء الثقة سيكون تبعاً للوفاء بالالتزامات والمبادرات التي قدمتها الإدارة السورية الجديدة للأردن والدول الأخرى، وهو ما يمثل التحدي الأكبر، خصوصاً في ضوء الأوضاع الراهنة في سوريا والتطورات الإقليمية والدولية المحيطة بها".
تفاؤل اقتصادي - تجاري
وثمة آمال أردنية تترقب ازدياد النشاط الاقتصادي والتجاري بين البلدين بما ينعكس على القطاعات كافة، لا سيما مع عودة حركة شحن البضائع عبر معبر (جابر – نصيب) الحدود بين البلدين قبل أيام.
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي محمد البشير إن "هناك تفاؤلاً بالمستقبل وفرصاً كبيرة للأردن وسوريا في المرحلة المقبلة على مستوى التبادل التجاري"، مشيراً إلى أن "الحكومة السورية الجديدة توجهت برسائل قوية تؤكد اهتمامها بتعزيز الاقتصاد وتنمية اقتصاديات سوريا التي هي بحاجة ماسة إلى خدمات إعادة الإعمار".
وفي هذا السياق، يؤكد البشير لـ"النهار"، أن "الأردن قادر على تقديم خدمات متنوعة تساهم في إعادة الإعمار، ومنها مشروع تشغيل خط الغاز العربي الذي سيساعد السوريين واللبنانيين، وهو المشروع الذي لم يتم تنفيذه في الماضي بسبب تأثيرات قانون قيصر"، مشدداً على أن "هذا المشروع سيكون له دور مهم في توفير احتياجات الكهرباء والغاز، وهو ما يشكل خطوة إيجابية نحو التعاون المشترك بين الأردن وسوريا".
ويتابع: "سوريا بحاجة إلى تطوير صناعات مختلفة لتنشيط اقتصادها ودعم الحياة المعيشية، مثل صناعات البناء والتكنولوجيا والمعلومات، وهذا يتطلب تفعيل التعاون مع الأردن. فاليوم، من الضروري أن تقوم الحكومة الأردنية بتحسين قدرة الاقتصاد على المنافسة، خصوصاً مع تدفق السلع إلى السوق السورية من تركيا ودول شرق آسيا".
وفي سياق متصل، يلفت البشير إلى أن "الحكومة الأردنية يجب أن تعمل على خفض تكلفة المنتج الأردني،الذي يعاني من ارتفاع تكلفة ضريبة المبيعات وأسعار الطاقة، فضلاً عن الفوائد على تمويل الاستثمارات. وهذه التحديات تجعل من الضروري مراجعة كل مسببات ارتفاع التكلفة لضمان تقديم سلع قادرة على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية".