بيت لحم تستقبل الميلاد بلا شجرة ولا أضواء... حرب غزة آخر الضربات للمدينة ومسيحييها

حزينة وشبه فارغة من المارة والمتسوقين، هكذا بدت مدينة بيت لحم الفلسطينية. على غير العادة وللعام الثاني على التوالي، تقتصر احتفالات عيد الميلاد على الشعائر الدينية في كنيسة المهد والكنائس المجاورة، فأربعة عشر شهراً من حرب الإبادة على غزة جعلت من الصعب الإحتفال بفرح المجيء.
في فلسطين، حيث تُعتبر ذكرى ميلاد السيد المسيح عيداً وطنياً، خيّمت أجواء الحزن والقلق على وجوه الناس، لا احتفالات لإضاءة شجرة الميلاد التي كانت تزين ساحة المنجر التي تُعرف أيضاً بساحة المهد، ولا فرق موسيقية، ولا حتى قافلة الميلاد التي كانت تتنقل بين المدن الفلسطينية وتضفي أجواءً من البهجة والسرور.
تفضح نظرات العيون الخوف وكمّ الألم والحرقة والحسرة جراء ما خلّفته الحرب المستمرة، بينما تنعكس على الوجوه تعابير التوتر والقلق من مصير مجهول ينتظر الضفة الغربية، شيء من الحياة انطفأ داخل القلوب.
شعبٌ واحدٌ ألمٌ واحدٌ
في كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية التقت "النهار" القس الدكتور منذر اسحاق، راعي الكنيسة والكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت ساحور الذي قال: "لم نكن نتوقع أن تستمر الحرب حتى اليوم، المغارة بقيت من العام الماضي، "مغارة المسيح تحت الأنقاض" لذلك فالرسالة هي ذاتها، أطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض وعائلات مشرّدة وبيوت مهدّمة، هذا هو شكل الميلاد في فلسطين. والمسيح اليوم يتضامن في ميلاده مع المقهورين والمتألمين والمضطهدين".
وأضاف إسحاق: "عندما ولد السيد المسيح قبل أكثر من ألفي عام ولد تحت الإحتلال، لعائلة أصبحت مهجرة، خلال ميلاده نجا من مجزرة بحق الأطفال، الظروف لا تختلف كثيراً عن ظروف الحرب والاستعمار والقهر، كأن الله يتضامن معنا، بينما يتجاهل العالم كل ذلك. وقبل أن يكون الفلسطيني ضحية كل المخططات والمؤامرات، نحن نرى في كل طفل قُتل -أكثر من 17 ألف صورة المسيح".
ورأى أن "بيت لحم تبقى محط أنظار العالم في ليلة الميلاد، فترسل برسالتها إلى العالم بأنه لا يمكن أن نحتفل بالعيد وأهلنا وأصدقاؤنا ونصفنا الثاني يبادون، سنصلي من أجل أن تنتهي الحرب ويتوقف شلال الدم النازف في غزة".
عضو المجلس البلدي للمدينة لوسي ثلجية شرحت لـ "النهار" التحدّيات التي تواجه السكان "العجلة الاقتصادية صفر تقريباً، الممارسات الإسرائيلية من إغلاق وحصار محكم ومصادرة أراضٍ جعلت المدينة تختنق".
وتابعت: "العيد هو أن ترتدي المدينة حلّة جديدة، وحلّتنا أن تنتهي الحرب، وأن يندحر الاحتلال، الناس تأثروا اجتماعياً واقتصادياً بهذه الظروف الصعبة التي تسببت بضائقة غير مسبوقة".
المسيحيون ضحايا صراع ديمغرافي فرضه الاحتلال
من الواضح أن اقتصاد المدينة يواجه أزمة كبيرة، فهو يعتمد على قطاعي السياحة والخدمات بالإضافة إلى الصناعات اليدوية والحرفية التي انقطعت نهائياً بسبب حربي غزة ولبنان، وأمتدت إلى ما هو أبعد من ذلك، ما تسبب بتوقف المشاريع وإغلاق المنشآت وإفلاس أخرى، فارتفعت معدلات البطالة وبالتالي ساهمت في ارتفاع حاد في نسب الفقر، وأصبح الناس في كفاح مستمر للبقاء على قيد الحياة ".
الدكتور سمير حزبون رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيت لحم قال لـ "النهار" إنه "لا يمكن مقارنة الأوضاع الحالية التي تمرّ فيها المدينة بالسنوات السابقة، في هذه الفترة من العام عادة نواجه صعوبات في حجوزات الفنادق بسبب توافد السياح الدوليين، وأكثر من 80 في المئة منهم من الحجاج، الذين يأتون ليمارسوا طقوسهم الدينية، بخاصة في كنيسة المهد ويتوقون لحضور قداس منتصف الليل، فيما الأسواق تغصّ بالمتسوقين، وقطاعا السياحة والخدمات في أوجهما، اليوم نحن أمام مدينة أشباح لولا وجود القليل من المارة".
ولا تقتصر الهجرة من فلسطين خلال السنوات الماضية على المسيحيين، بل أنها تنتشر بين الشباب الفلسطيني ككل، قد تختلف النسب والأرقام لأن أياً من الجهات لم يوثقها بدقة، وقد تنحصر بين 40 أو 70 عائلة غادرت منذ بداية الحرب.
أحد الكهنة في كنيسة المهد الذي أخبر "النهار" أن عشر عائلات مسيحية رحلت عن المدينة خلال العام الماضي، 70 فرداً يتوزعون اليوم بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.
يُعتبر الوجود المسيحي في فلسطين بشكل عام وفي القدس وبيت لحم والناصرة بشكل خاص، مرتبطاً بالكنيسة الأولى، فهم المسيحيون الأوائل الذين يجسّدون بوجودهم التاريخ الانساني للبلاد والإرث المشترك.