المشرق-العربي 11-12-2024 | 10:16

عن ابنة عمّتي المفقودة في سوريا منذ 12 عاماً... وقَهر التّعذيب في سجن صيدنايا

سقط النظام السوري وبات بمقدوري الكتابة عن جرح عائلتنا المفتوح منذ 12 عاماً. أروي قصة رنا، ابنة عمّتي المفقودة في غياهب السجون السورية، أو المقتولة لحظة اعتقالها، أو ربّما المختطفة على أيدي التنظيمات المسلّحة التي اجتاحت دمشق حينذاك.
عن ابنة عمّتي المفقودة في سوريا منذ 12 عاماً... وقَهر التّعذيب في سجن صيدنايا
سجن صيدنايا (أ ف ب).
Smaller Bigger
هواجس وتساؤلات عديدة رافقت سنوات الغياب القسريّة لابنة فلسطين التي وُلِدت في منطقة "السبنية" في ريف دمشق، عام 1980، لأب فلسطينيّ سوريّ، وأمّ لبنانيّة، وعائلة وجدت في العاصمة السورية مكاناً آمناً وبيتاً دافئاً، قبل أن تُكشّر سنوات الحرب عن أنيابها، وتُشتّت العائلة في دول عربية وأجنبية عديدة.

 

وفي كلّ لحظة تتكشّف خبايا السجون السورية وممارسات السجّان ونظامه، نسأل عن رنا. في نيسان (أبريل) عام 2013، توجّهت رنا من منزلها في منطقة الكسوة إلى وسط دمشق مستقلّة النقل العام، ولدى وصول الحافلة إلى حاجز "بيجو"، قُرب دمشق، سأل العناصر عنها باسمها الكامل: رنا حسني الشاويش.

 

كان زوجها فؤاد وحيد أسود قد فُقد قبل أربعة أشهر أيضاً على الحاجز نفسه، فما كان منها إلّا أن توجّهت مراراً للسؤال عنه، "ممّا أثار شكوكاً لدى العناصر"، واختُطفت في ما بعد.

 

السؤال عن هوية الحاجز الأمني يُحيلنا إلى تأكيدات بأنّه "حاجز للنظام"، وسط شائعات سَرَت بأن يكون مسلّحو الجماعات الإرهابية قد استولوا على الحاجز وتنكّروا بلباس الجيش السوري.

 

 

رحلةُ البحث المضنية...

 

بعد 12 عاماً على الانتظار في أفق مجهول، سطعت آمال في العثور على رنا وزوجها في أحد السجون، حيّان يُرزقان، بعدما تركا خلفهما أربعة أطفال لم يكُن يتجاوز أكبرهم الخمسة أعوام حينذاك، من دون معيل.

 

عائلة الزوج التي بقيت في سوريا برغم الحرب، لم تستلم يوماً بالبحث عنهما، والسؤال الأخير عام 2017 أحالها إلى سجن صيدنايا، أو المعتقل الأكثر وحشية في تاريخ سوريا، حيث تتكشّف للعالم خفايا الاعتقال والاضطهاد والتعذيب والتنكيل بالجثث، وصولاً إلى طحنها!  

 

الخوف من أن تكون رنا قد تعرّضت للتعذيب أو الاغتصاب، كما يروي الناجون من داخل السجن، يُراود كلّ فرد من عائلتنا. تقول شقيقتها لـ"النهار": "قد تكون رنا فاقدة للذاكرة اليوم... نحن قبلانين... بس تكون عايشة... أملنا بالله كبير".

 

لا يُمكن لعقل بشري استيعاب المشاهد التي تظهر من أقبية السجون السورية، وهذا ما يُقلق شقيقة رنا: "أن نجدها متوفاة أسهل علينا من أن تكون قد تعرّضت للتعذيب لسنوات، فهذا القهر كبير جداً".

 

 

سقوط النظام "أحيا الأمل"

منذ سقوط النظام السوري الأحد، لم تُوفّر شقيقة رنا حساباً سورياً ناشطاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلّا وبحثت من خلاله عن أسماء المعتقلين: "بدي إلمح اسمها... حتى ولو كانت ضمن المتوفّين... لئلّا أبقى في انتظار".

 

يُعرَّف عن رنا وزوجها فؤاد اليوم في الدوائر السوريّة ضمن خانة "المفقودين"، بعد بحث مضنٍ من العائلة على مدى سنوات طوال.

 

وخلال زيارتها الأخيرة لسوريا هذا العام، أعادت ابنة عمتي البحث مجدّداً عن شقيقتها المفقودة، وسألت عنها في الدوائر الحكومية، فكان الجواب: "لو أنّ شقيقتك متوفّاة لدينا (في السجون السورية)، لكنّا أصدرنا لها وثيقة وفاة رسمية، وسلّمنا أغراضها الشخصية لعائلتها... لكنّ أختك ليست في قوائم الوفيات، ويجب السؤال عنها لدى جهات أخرى"، أي المعارضة السورية.

 

كانت عائلة أسود تتّجه لإصدار وثيقتَي وفاة للزوجَين في الأشهر الماضية، لإرفاقها بملفّ ابنهما الوحيد ضمن إجراءات الإعفاء من الخدمة العسكرية في الجيش السوري، إلّا أنّ القدر شاء أن يسقط النظام قبل إنجاز المعاملة.

 

وفي الساعات الأخيرة، يُكثّف أولاد رنا وفؤاد بحثهم عنهما في كلّ المحافظات السورية، من سجن صيدنايا إلى سجون أخرى، لا تقلّ مأساةً أيضاً.

 

 

نزوح من سوريا إلى لبنان...

بعد سنة من اختطاف ابنتها، رحلَت عمتي عن هذه الدنيا مصابة بمرض الألزهايمر، عام 2014. ولو كان يُقدّر لها أن تكون مدركةً حينها، لعادت إلى سوريا من لبنان، مشياً على الأقدام، لتبحث عن فلذة كبدها في أزقة البلد وسراديب سجونه. ومثلها أيضاً، لم يفقد زوج عمتي الأمل بالعثور على ابنته، متمسّكاً للحظة الأخيرة، قبل وفاته في لبنان عام 2022، بالقول: "رنا عايشة".

 

العائلة التي تركت دمشق تحت أزيز الرصاص وخطر التكفير عام 2012، لم تُفلح في اصطحاب رنا معها، التي انتقلت من "النجاة إلى الضياع"، بحسب توصيف شقيقتها.

 

وتضيف: "كنتُ أتمنى لو استطاعت رنا النزوح إلى لبنان معنا... لا نُعارض قدر الله، لكنّنا قدّمنا لها خيارات عديدة. وبعد فقدان زوجها، عاشت رنا حالة من التردّد بالانتقال إلى لبنان، إلى حين اختطافها ودخول العائلة في دوّامة الانتظار والمجهول".

 

وفيما تنظر العائلة إلى الله بأمل كبير، بعد انتظار شاقّ ورحلة بحث مضنية لسنوات، تتخيّل شقيقة رنا لحظة اللقاء بها في حال العثور عليها، وتقول: "في كتير حكي إذا عرفتني... يمكن إبكي... مشاعر ملخبطة... 12 سنة ما كانوا سهلين".

 

هذه قصة رنا. ابنة عمتي التي اختُطِفت في وضح النهار، وفي قلب العاصمة دمشق، بعمر الـ33، من دون أسباب واضحة، ربّما ستعود إلى ديارها بعمر الـ45، لتروي جراحات سنوات من الظلم والقهر لمعتقلين ومعتقلات جُرّدوا من أدنى حقوقهم الإنسانية.

 

الحقّ يا رنا يُحطّم قيد السجّان ولو بعد حين. سقط النظام السوري. ونحن بانتظارك.

 

[email protected]

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".