"حين تتحوّل السخرية إلى فنّ": جاك توماس تايلور يكشف لـ"النهار" فلسفة الميمز
شهدت الدوحة أخيراً افتتاح معرض غير تقليدي بعنوان "ميميميم"، سلط الضوء على الميمز – تلك الصور واللقطات الساخرة التي تملأ فضاءات التواصل الاجتماعي – ليطرحها في سياق فني وثقافي جديد. المعرض قدّم الميمز بوصفها أكثر من مجرد مادة ترفيهية عابرة، بل كظاهرة اجتماعية وثقافية تحمل رسائل سياسية، وتعيد صياغة مفهوم التعبير الجماعي في زمن الرقمنة.
أمين المعرض، جاك توماس تايلور، في مقابلة مع "النهار"، قدّم رؤية نقدية تضع الميمز في قلب النقاش حول الفن، الهوية، والتحولات المجتمعية، مؤكداً أنها تعكس روح العصر بنفس السرعة التي يتغير بها.
كيف جرى اختيار مجموعة الميمز في المعرض؟
يقول تايلور إن تعريف الميم لا يزال موضع نقاش بين الأكاديميين والمستخدمين والمبدعين. لكنه اختار التعامل معها بوصفها ممارسة أيديولوجية وأدوات للتعبير والانتقاد وبناء التضامن، لا مجرد صور مضحكة أو رموز ثقافية. المعرض قدّمها كـ"أدوات حياتية" تسكن تفاصيل يومنا، واعتبرها إشارات ثقافية تتشكّل من الجغرافيا واللغة والسياسة والتجارب المشتركة، خاصة في عصر الإنترنت الذي يتيح لها الانتشار بسرعة وبأشكال متعددة.

كيف يتحدى المعرض التعريفات التقليدية للفن؟
يؤكد تايلور أن الهدف لم يكن إعادة تعريف الفن بقدر ما هو إبراز أن الميمز تعمل بآليات مختلفة: سرعة الانتشار، غياب المؤلف المحدد، وقابلية التغيير اللانهائية. هذه الخصائص تضعها في موقع متناقض مع سوق الفن التقليدي الذي يقدّس "الملكية الفكرية"، لكنها في المقابل تمنح الجميع الحق في المشاركة وصياغة خطاب بصري مشترك.
ماذا تكشف الميمز عن قضايا الهويّة والانتماء؟
المعرض يناقش الميمز كأدوات لهوية "جدلية" تؤسس للانتماء وتُقوّضه في الوقت ذاته. فهي تتأرجح بين الظهور العلني والتمويه المجهول. الدعابة المشفّرة تحمي أصحابها لكنها قد تحدّ من وصول رسائلهم. ومع أن بعضها يستهدف جمهوراً محدداً، فإن معظم الميمز الناقدة تخاطب مجموعتين: من يفهم النكتة ومن هو هدفها.
هل يمكن اعتبار الميمز فناً معاصراً أم مجرد ترفيه عابر؟
يقول تايلور إن المعرض يوضح أن العابر والدائم ليسا ضدّين، بل عنصران متداخلان في الثقافة. ما يميّز الميمز ليس حداثتها بل قدرتها على التعبير الصادق عن الأحداث السياسية والاجتماعية. بخلاف الفن التقليدي الذي يعتمد على السوق والمؤسسات، تقبل الميمز بطبيعتها العابرة لكنها تبقى راسخة في اللغة والوعي الجمعي كـ"رسائل لاصقة".
كيف غيّرت الميمز علاقتنا بالصور والرموز الثقافية؟
"قصّرت الميمز المسافة بين استهلاك المحتوى وصناعته، فلم نعد نتلقى الصور بشكل سلبي بل نفكر فوراً في إمكانية إعادة توظيفها. كل صورة تصلنا اليوم تبدو "مهيّأة" مسبقاً للتحوّل".
ماذا تكشف الميمز عن الفجوات أو القيم المشتركة بين الأجيال؟
يرى تايلور أن الميمز توصل الأجيال وتفصلها في آن واحد. سلوكيات مثل "التمرير القهري" أو "الاستلقاء الطويل في السرير" يراها الشباب تعبيراً عن مقاومة لضغط الرأسمالية الرقمية، بينما يراها الجيل الأكبر سلبياً. الاختلاف يكمن في طريقة التعامل مع الميمز: فالبعض يعبّر بها عن مشاعر معقدة، بينما يسيء آخرون فهم السخرية فيعيدون نشرها بجدية.
هل تعكس الميمز التغيّر الاجتماعي أسرع من الفن أو الإعلام التقليدي؟
الميمز لا توثّق التغيير فقط بل تسهم في صنعه، لأنها تُنشأ وتُتداول فوراً بلا رقابة تحريرية أو مؤسساتية. فهي أداة مباشرة للتعليق على الأحداث والتموضع داخلها. في زمن تُبنى فيه الحركات الاجتماعية عبر "واتساب" والوعي السياسي عبر "إنستغرام" ومعالجة الصدمات عبر "تيك توك"، لم يعد ممكناً الفصل بين الملاحظة والمشاركة.
يبرهن معرض "ميميميم" أن ما بدأ كدعابة عابرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحوّل اليوم إلى لغة معاصرة تعكس قضايا الهوية والذاكرة والاحتجاج بقدر ما تبعث على الترفيه. فالميمز لم تعد مجرد "نكات رقمية"، بل باتت وسيلة للتوثيق والنقد والتأثير الثقافي، تُعيد صياغة علاقتنا بالفن والإعلام والرموز الجماعية. وبينما قد يراها البعض محتوى سريع الزوال، فإن قوتها تكمن في قدرتها على البقاء في الذاكرة الجمعية، لتثبت أن أكثر أشكال التعبير بساطة قد تكون الأعمق أثراً في زمن رقمي سريع الإيقاع.
نبض