رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا الشيخ غزال غزال لـ"النهار": الانتهاكات تجعلنا أكثر تمسّكاً بالفيدرالية
في ساحلٍ مثقلٍ بالتوتر والقلق من الغد، خرج اسم الشيخ غزال غزال فجأة إلى واجهة المشهد، بعدما نجح اعتصام دعا إليه في كسر صمت طويل داخل البيئة العلوية. لم يكن الاعتصام مجرّد تجمع عابر، بل شكّل اختباراً عملياً لقدرة الشيخ على حشد الشارع، ولمدى القبول بخطاب يطالب بالفيدرالية واللامركزية السياسية، ويضع المكوّن العلوي في قلب النقاش بشأن شكل سوريا بعد السقوط. ويكفي للدلالة على حجم الارتداد أن يسارع رامي مخلوف إلى مهاجمة الاعتصام واعتباره "تحركاً سيجلب البلاء".
وُلد غزال غزال عام 1962 في قرية تلا بريف اللاذقية، في بيت ديني أثّر فيه والده الشيخ وهيب غزال. تدرّج في التعليم الديني، قبل أن يتولى منذ عام 2004 مهام الإفتاء في اللاذقية، وهو ما منحه، بمرور الوقت، شرعية دينية.
بعد سقوط النظام، انتقل حضوره من فضاء الوعظ إلى فضاء السياسة، فأطلّ عبر مقابلة مع "تلفزيون سوريا"، واجتمع مع شخصيات من مختلف الانتماءات، ثم اختير في شباط الماضي رئيساً لـ"المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر". وبعد مجازر آذار/مارس في الساحل، ظهر في بيان مصوَّر، ليتحوّل نشاط المجلس بعدها إلى بيانات مكتوبة، أحدها ألمح إلى أن غياب الشيخ عن الظهور مرتبط بوضعه الأمني ومكان إقامته غير المعلن.
في هذا السياق، أجرت "النهار" حواراً مع الشيخ غزال غزال، سألته فيه عن قراءته للحظة الراهنة بعد اعتصام الساحل، وعن موقع الفيدرالية في مشروعه، وحدود علاقته بالسلطة الانتقالية وبالمكوّنات الأخرى.
التوقيت ومعنى التحوّل
جواباً عن سؤال بشأن توقيت الدعوة للاعتصام، الذي تزامن مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لسقوط النظام، يرفض الشيخ غزال وجود أي علاقة بين الأمرين، ويضع خطاً تحت تاريخ واحد يعتبره نقطة التحوّل الحقيقية، فيقول:
"ليس لدينا تاريخ يشكّل نقطة تحوّل سوى تاريخ 7/3/2025، وهو التاريخ الذي ارتكبت فيه هذه السلطة المؤقتة انتهاكات جسيمة في مناطق العلويين، أدّت إلى مقتل آلاف المدنيين".
وبشأن انطباعه عن استجابة المواطنين لدعوته قال: "حجم الاستجابة للاعتصام واضح للجميع، وهو رسالة صريحة عن حجم ما يتعرض له المكوّن العلوي من انتهاكات وقتل بشكل يومي، وليكن رسالة أيضاً لمن يظن أنه قادر على تهميش هذا المكوّن أو اضطهاده".
"دعوة إنسانية" وتواصل مع المكوّنات
خطاب غزال لم يُوجَّه للعلويين وحدهم. فهو يصرّ على أن الاعتصام لم يكن تحركاً فئوياً مغلقاً، بل هو موجّه إلى مختلف المكوّنات: "بالتاكيد لدينا تواصلاتنا مع مختلف المكونات السورية وقياداتهم، إذ يجمعنا هدف واحد وقضية واحدة. وقد شاهدنا التأييد والدعم لهذا التوجه، ولكن حتى لو لم نُجر أي اتصالات فإن الدعوة هي دعوة إنسانية لرفع الظلم عن المظلوم والابتعاد عن كل أشكال الإقصاء وأنواعه، وهذا مطلب حق".
وتجسّدت علاقة غزال غزال مع باقي المكونات عبر مشاركته في مؤتمر الحسكة الذي جمع ممثلين عن شمال وشرق سوريا والساحل والسويداء، ووصِف من قبل أنصار السلطة بأنه "حلف أقليات". كما شارك في مؤتمر عقده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، إذ دعا إلى دولة مدنية علمانية تعددية بنظام فيدرالي ولا مركزية سياسية، ما أعطى خطابه بعداً يتجاوز حدود الساحل.

الشيخ غزال غزال.
الفيدرالية كخيار لا تراجع عنه
منذ سقوط النظام، يدفع غزال غزال علناً باتجاه الفيدرالية واللامركزية السياسية باعتبارهما ضمانة لحماية المكوّنات. وعندما سُئل عمّا إذا كانت التطورات في السويداء وتعثّر اتفاق آذار مع "قسد" دفعاه إلى مراجعة هذا الخيار، جاء جوابه حاسماً: "على العكس تماماً، لم تدفعنا الأحداث الأخيرة إلى التراجع عن مطلب الفيدرالية ولن نتنازل عن هذا المطلب ، بل جعلتنا نتمسّك بها أكثر باعتبارها مطلباً أساسياً يحفظ حقوق المحكوم ويدفع ظلم السلطة. وثمة قاعدة فقهية تقول دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، ومن يعتبر هذا المطلب شكلاً من أشكال الانفصال، فليُمعن النظر في حجم إرهابه وانتهاكاته التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي تدفع البلاد نحو التقسيم".
هنا، يضع الشيخ الفيدرالية في خانة "الضرر الأخف" مقابل استبداد السلطة ووحدانية القرار، ويردّ تهمة التقسيم إلى ممارسات من يرفضون هذا الخيار أصلاً.
التهديدات ومستوى الخطر
وحين تنتقل الأسئلة إلى وضعه الأمني ومكان إقامته، يكتفي الشيخ بالتلميح، ويشرح طبيعة ما يتعرّض له من ضغوط: "بدأت التهديدات منذ اللحظة التي رفعنا فيها صوت الحق في مواجهة باطلهم، ولم يكتفوا بتوجيه التهديد إنما اتهموني أيضاً بارتكاب مجازر في بانياس وبأنني ارتدي زياً عسكرياً، وهذا الكلام لم أسمع به إلا من ألسنتهم وهذا كذب وافتراء. فأنا أعمل بالمجال الديني كمفتٍ للاذقية منذ عام 2004".
وعن مستوى الخطر الذي يشعر به اليوم يقول: "حذّرنا من مساعيهم لخلق فتنة بين المكوّنات، واستخدام المكوّن السني كأداة في هذا الصراع، بما قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية إذا استمر هذا النهج".
بين الداخل والخارج
هذا الشعور بالتهديد، كما يراه الشيخ غزال، لا يقتصر على الداخل. فعندما يُسأل عن الضغوط الإقليمية والدولية ومحاولات التأثير في مواقفه، يجيب: "لا توجد قوة في العالم قادرة على تغيير موقفي أو إسكات الصوت الذي رفعته منذ اليوم الأول. وبالطبع هناك دول وجهات دولية تدعم حقوق الشعوب وإرادتها ومطالبها، ومن ضمنها مطلب الفيدرالية".
"أمر واقع" لا شريك
أكثر الأسئلة حساسية كان عن علاقته بالسلطة الانتقالية، وكيفية تعاطيها مع مطالبه ومطالب المجلس. هنا يرسم غزال خطاً فاصلاً واضحاً: "لا توجد سلطة حقيقية بالمعنى المتعارف عليه، ولكن إذا اعتبرتموها سلطة في سؤالكم فهي سلطة أمر واقع وقد حاولت التواصل معنا بمختلف مستوياتها، لا بهدف الشراكة، بل لفرض السطوة والخنوع على المكوّن العلوي وهذا ما لا يمكن أن أقبل به، و قد رفضت كل أشكال التواصل.
وأي حوار قد يحدث مستقبلاً لن يكون إلا بعد تحقيق جميع المطالب، وعلى رأسها الفيدرالية واللامركزية السياسية، وإطلاق سراح المعتقلين، وأن يكون الحوار جامعاً لكل المكوّنات السورية، وفي مقدمها العلوية والموحدون الدروز والأكراد".
بهذه الشروط، يربط الشيخ غزال أي حوار مقبل بتغيير قواعد اللعبة نفسها، لا بمجرد تحسين آليات التمثيل أو تقاسم النفوذ.
نبض