"حراس التلال" يصدّون المستوطنين في الضفة
أينما جلت في الضفة الغربية، تشعر بأن الخطر يكبر، يحدق بك من كل اتجاه، في الشوارع التي تمر بها، والطرق التي تصلك بالمدن الفلسطينية، بعدما تقطعت أواصالها بفعل بوابات الحديد ومكعبات الإسمنت المنتشرة على المداخل، لتفصل المدن عن القرى والمخيمات.

أينما أدرت رأسك، فأنت في مرمى المستوطنين، خصوصاً أن المستوطنات وحركة المستوطنين تغيرت في السنوات الأخيرة. ففي عام 2011، كانت ميليشيات المستوطنين تطلق على هجماتها في القرى الفلسطينية المحيطة والقريبة من المستوطنات "تدفيع الثمن" (تاغ برايس)، لكن نقطة التحول كانت عندما كُسر حاجز الخوف في عام 2014 حين خطف المستوطنون الفتى محمد أبو خضير من أمام منزله في شعفاط بالقدس وأحرقوه حياً بعد تعذيبه، وفي عام 2015 حين هاجموا عائلة الدوابشة في بلدة دوما جنوب نابلس وهم نيام وأحرقوهم أحياء، وما نجا منهم إلا أحمد ذو الأربعة أعوام.
إلا أن الحسم بدأ منذ إحراق حوارة والهجوم على ترمسعيا في بداية عام 2023. تطورت هجمات "فتيان التلال" وبلورت أشكالاً جديدة من هجمات الخطف والقتل، وأخذت منحى آخر بدأ قبل "7 أكتوبر" وهو مستمر حتى اليوم. تنوعت أشكال الاعتداءات وأساليبها، وصارت أكثر تنظيماً، تقوم على أسس متناغمة عقائدياً مع إمكانات لتحولهّا إلى إرهاب دولة.

تتكامل أدوار المعتدين: فالمستوطن المعتدي يعود إلى القرية التي اعتدى عليها بعد أن يرتدي البزة العسكرية للجيش الإسرائيلي. ناهيك بالدعمين المادي والمعنوي اللذين يتلقوهما من الوزراء وأعضاء الكنيست المبادرين من خلال الجمعيات الإستيطانية الإسرائيلية والأميركية.
ما لم يتغير هو الفلسطيني الذي لا يزال يقف وحيداً من دون أن يُوفَّر له أي شكلٍ من أشكال الحماية، وعليه أن يبتكر بنفسه أساليب الاستمرار والبقاء. فالمؤسسات التي توثق وتدعم قانونياً اليوم قد تنسحب غداً، بينما السلطة الفلسطينية عاجزة عن توفير أي حماية حتى لنفسها، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزاً أمام تطرف الحكومة الإسرائيلية اليمينية، التي تعتمد في بقائها على الدم الفلسطيني بحماية أميركية منقطعة النظير.
في ليلة خريفية رافقت دوريات الحراسة الليلية الى بلدة سنجل شمال رام الله. استقبلتنا البلدية وبعض النشطاء، وشرحوا لنا كيف قسم المتطوعون أنفسهم في مجموعات لحماية السكان من اعتداءات المستوطنين المسلحين على مدار الساعة.
تراوح أعداد المتطوعين بين 150-200 شاب من مختلف الأعمار، يحملون المصابيح اليدوية وأجهزة الإتصال اللاسلكية والعصي وليس بحوزتهم أي سلاح.
يقضي "حراس التلال" لياليهم داخل خيمتين نصبوهما لمتابعة تحركات المستوطنين في المستوطنات المحيطة، وإبلاغ السكان من خلال مجموعات التواصل عند الخطر. فهم يوفرون شعوراً بالأمان ويشكلون ردعاً للمهاجمين في آن واحد.
تشكلت لجان الحراسة بإشراف بلدية سنجل قبل نحو 6 أشهر، بدعم من المجتمع المحلي، بعد هجمات أسفرت عن استشهاد 3 شبان وإصابة العشرات وإحراق منازل وسيارات وأراضٍ زراعية، بينما تمت مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي لصالح المستوطنات والجدار الشائك الذي يطوقها تقريباً ويغلق معظم مداخلها.
قرب البؤرة الاستيطانية المحاذية للبلدة، يتمركز الحراس في نقاط ثابتة، مدفوعين بذاكرة مليئة بالحوادث. فالتجربة فرضت نفسها وسط واقعٍ مرير ملئ بالأخطار. فمنذ ثلاثة أعوام، تحولت حياة الفلسطينين في القرى الواقعة على الخط بين جنوب نابلس وشمال شرق رام الله الى جحيم. لذلك، لم تعد هذه الخطوة خياراً، إنما ضرورة ملحة في ظل غياب أي حماية رسمية. وأضحى تضامن السكان السلاح الوحيد في مواجهة اعتداءات المستوطنين المتكررة.

يؤكد بهاء الفقهاء، نائب رئيس بلدية سنجل، لـ"النهار" الارتفاع في وتيرة الاعتداءات وسرقة محصول الزيتون وبعض المعدات في المنطقة الشمالية، ومنع الجيش المواطنين من الوصول الى أراضيهم لقطف الزيتون".
يضيف: "تم استهداف المنازل والمواطنين بشكل مباشر في المنطقة الجنوبية من البلدة، وأطلق المستوطنون المسلحون الرصاص الحي على منزل، ما تسبب بتفجير خزانات المياه وتكسير الكشافات المحيطة به"، خاتماً بالقول: "لولا لجان الحراسة والحماية على أطراف البلدة وفي المنطقة الجنوبية تحديداً، لشهدنا خسائر أكبر في البيوت والمركبات، ولكانت الاعتداءات الجسدية طاولت النساء والأطفال، ولارتكبوا جرائم أشد بشاعة، لكن صمود أهالي سنجل ووقوف الشبان درعاً واقية، وتصديهم المستمر لأي محاولة إعتداء ممنهج ومدروس، ومحاولات التخويف عبر إطلاق الرصاص الحي والهجوم المباشر عليهم منعت حدوث الكوارث".
ويقول أحد المتطوعين لـ"النهار": "لولا هذه الحراسات لخسرنا أرواحاً وممتلكات، لا نملك أسلحة كل ما لدينا أجهزة اتصال بسيطة وأدوات بدائية، لكن وجودنا يمنع المستوطنين من الإقتراب".
نبض