زيارة يفيكروف إلى دمشق تثبيت للبصمة الروسية في مشهد سوري متغيّر

العالم العربي 18-11-2025 | 06:00

زيارة يفيكروف إلى دمشق تثبيت للبصمة الروسية في مشهد سوري متغيّر

وُصف اللقاء الذي جمعه بوزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة بأنه الأوسع من نوعه منذ سنوات، وتناول سبل تعزيز التعاون العسكري وتطوير آليات التنسيق.
زيارة يفيكروف إلى دمشق تثبيت للبصمة الروسية في مشهد سوري متغيّر
وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة مجتمعاً بالوفد الروسي في دمشق. (سانا)
Smaller Bigger

في خطوة تجمع بين الاستعراض والقلق، استقبلت العاصمة السورية دمشق الأحد وفداً عسكرياً روسياً غير مسبوق من حيث الحجم والتوقيت، ضم نحو 190 شخصية من وزارات وهيئات روسية متعددة، يترأسه نائب وزير الدفاع يونس بك يفكيروف. 

وُصف اللقاء الذي جمع الوفد الروسي بوزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة بأنه الأوسع من نوعه منذ سنوات، وتناول سبل تعزيز التعاون العسكري وتطوير آليات التنسيق، في إشارة إلى سعي موسكو لتثبيت حضورها العسكري في الملف السوري، على رغم التحولات الجذرية التي شهدتها البلاد خلال العام الأخير. 

حمل توقيت الزيارة دلالة رمزية واضحة، إذ جاء بعد أسبوع فقط من إعلان دمشق انضمامها رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن. هذه الخطوة، التي أنهت سنوات من القطيعة مع الغرب، أثارت تساؤلات بشأن مستقبل العلاقة مع موسكو، الحليف العسكري الأبرز لسوريا منذ عام 2015. واختيار موسكو هذا التوقيت حمل رسائل مزدوجة: تثبيت الشراكة مع دمشق رغم انفتاحها على واشنطن، وتأكيد على أن بصمتها العسكرية والسياسية لن تُمحى من مشهد يتجه نحو إعادة هندسة التحالفات.

 

احتواء الانفتاح
قبل زيارة الوفد الروسي بأيام قليلة، وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر، صرّح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن موسكو "تتفهم خيارات دمشق"، وأنها "تطوّر علاقاتها مع القيادة الجديدة بمعزل عن أي تفاهمات مع واشنطن". جاء التصريح في سياق التعليق على التقارب السوري – الأميركي وزيارة الشرع إلى البيت الأبيض، لكنه يرسم في الوقت نفسه الإطار الذي تحاول موسكو من خلاله التعامل مع المتغير الجديد في موقع دمشق بين موسكو وواشنطن. التصريح عُدّ محاولة لاحتواء الانفتاح السوري من دون الدخول في مواجهة مباشرة، مع الحفاظ على موقع روسيا كشريك عسكري استراتيجي. 

 

مباحثات عسكرية وأمنية روسية في سوريا. (سانا)
مباحثات عسكرية وأمنية روسية في سوريا. (سانا)

 

ورغم لهجة التفهم التي تبناها الكرملين، فإن حجم الوفد الروسي وتنوعه يعكسان قلقاً استراتيجياً من أن الانفتاح السوري على واشنطن قد يفضي إلى إعادة هندسة التحالفات على نحو لا يخدم المصالح الروسية في المدى الطويل.

من جانبها، تسعى القيادة السورية الجديدة إلى إعادة تعريف العلاقة مع موسكو بما يضمن استقلالية القرارين العسكري والسياسي، مع الاستفادة في الوقت نفسه من الانفتاح على واشنطن والعواصم الغربية لتوسيع هامش الحركة. وفي هذا الإطار، تبدو دمشق كأنها تراهن على صيغة "الحياد النشط"، بحيث تحاول الإبقاء على قناة دعم عسكرية وسياسية مع روسيا من دون الارتهان الكامل لها، مستخدمة التقارب مع الغرب عامل موازنة إضافياً.

 

وفود استخبارية في دمشق
ترافقت الزيارة الروسية مع تحركات أمنية غير معلنة في دمشق، إذ أفادت تقارير متطابقة بأن وفوداً استخبارية من روسيا وتركيا والولايات المتحدة أجرت محادثات مع مسؤولين سوريين بشأن ملفات إعادة توزيع النفوذ في الساحل والشمال، ومستقبل القواعد العسكرية الأجنبية، ومصير مناطق انتشار "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) شرق الفرات. كذلك ناقش وفد من الكونغرس الأميركي مصير العقوبات، وعلى رأسها "قانون قيصر" الذي تم تعليقه موقتاً في سياق التقارب بين الطرفين. 

 

جانب من الاجتماعات العسكرية والأمنية الروسية - السورية في دمشق. (سانا)
جانب من الاجتماعات العسكرية والأمنية الروسية - السورية في دمشق. (سانا)

 

ورغم نفي موسكو وجود اجتماع ثلاثي رسمي، رجّحت مصادر ديبلوماسية وجود قنوات تواصل غير معلنة بين دمشق وكل من موسكو وواشنطن وأنقرة، في إطار تنسيق أمني يعكس حجم التغير الجاري في بنية الصراع السوري وإعادة رسم خطوط التماس السياسية والعسكرية. 

في موازاة ذلك، أشارت تقارير إلى أن الوفد السوري خلال زيارته لموسكو في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، طلب ضمانات بألا تدعم روسيا أطرافاً من النظام السابق قد تسعى إلى زعزعة الاستقرار، كما ناقش الجانبان إمكان إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بدعم روسي. وتكتسب هذه النقطة أهمية خاصة في ضوء ما نقله "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن توقف رامي مخلوف عن تمويل شبكات عسكرية وإعلامية كانت تنشط داخل سوريا، ما يضيف بعداً داخلياً الى حسابات موسكو في التعامل مع القوى المرتبطة بالعهد السابق. 

يُنظر إلى زيارة الوفد الروسي على أنها أول اختبار عملي لنتائج لقاء الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو منتصف الشهر الماضي، خصوصاً في الساحل السوري حيث تتركز قواعدها العسكرية الأساسية.

 

مرحلة إدارة التوازنات
في تعليقها على الزيارة، رأت وكالة "تاس" الروسية أنها تمثّل انتقالاً من مرحلة إدارة التوازنات إلى تثبيت قواعد تعاون طويل الأمد بين موسكو ودمشق، مشيرة إلى أن التنسيق العسكري سيبقى ركناً أساسياً في العلاقة بين الطرفين رغم التفاهمات الجديدة مع واشنطن. أما "سبوتنيك"، فأكدت أن القيادة السورية الجديدة تحرص على الإبقاء على الشراكة الدفاعية مع روسيا، مع توسيع قنوات التواصل مع الغرب. 

ونقلت صحيفة "الوطن" السورية عن مصدر رسمي أن الزيارة "تُثبت أن العلاقة بين دمشق وموسكو لن تتأثر بأي انفتاح سياسي خارجي ما دامت المصالح المتبادلة تُحترم"، فيما رأى محللون أنها تشكل فرصة لإعادة هيكلة العلاقة الثنائية على أسس أكثر واقعية، تراعي التوازنات الدولية الجديدة، وتستجيب للمتغيرات الداخلية أيضاً.

في ضوء هذه المعطيات، تبدو زيارة الوفد الروسي إلى دمشق أكثر من مجرد تثبيت تقني لعلاقات عسكرية قائمة، بل محاولة لإعادة ضبط الإيقاع السياسي بين موسكو ودمشق في مرحلة تتسم بإعادة تعريف التحالفات، لا مجرد إعادة تموضع. فروسيا، التي اعتادت إدارة التوازنات في سوريا، تجد نفسها اليوم أمام قيادة تسعى إلى توسيع هامش المناورة، بينما تحاول الحفاظ على موطئ قدم استراتيجي في مشهد يتغير بسرعة وبلا ضمانات. 

في هذا السياق، تتحول الزيارات العسكرية إلى أدوات تفاهم سياسي، لا مجرد مظاهر دعم، في لحظة تتقاطع فيها الحسابات الأمنية مع رهانات السيادة وإعادة الهيكلة. 


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/17/2025 9:19:00 AM
منذ ساعات، يستحوذ الفيديو على اهتمام مستخدمين كثر تفاعلوا معه بآلاف اللايكات والتعليقات. ما قصته؟ 
النهار تتحقق 11/17/2025 11:20:00 AM
"هذه الصور وصلتنا قبل قليل للخلية التي ألقت عناصر من الأمن والداخلية السورية القبض عليها، وهي تابعة لحزب الله..."، تقول المذيعة. ما حقيقة هذا المقطع؟
العالم 11/17/2025 6:30:00 AM
لم يتم بعد الكشف عن طبيعة الحادث الذي تعرضت له الحافلة.
سياسة 11/16/2025 7:55:00 PM
يتمتع مرتينوس بخبرة تزيد عن 25 عاماً في ممارسة المحاماة، وقد شغل عدة مناصب داخل نقابة المحامين في بيروت قبل ترشحه للنقابة