محاسبة أمراء الحرب في ليبيا… بين ضغط دولي وتسويف محلي
دخلت الملاحقة الدولية لأمراء الحرب في ليبيا مرحلة مفصلية، مع تكثيف المجتمع الدولي الضغط لمعاقية المتهمين بارتكاب انتهاكات حقوقية ترتقي إلى "جرائم حرب".
وعلمت "النهار" أن مجلس الأمن عقد نهاية تشرين الأولأكتوبر الماضي، جلسة مغلقة حضرها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، خصصت لعرض الاخير تقريراً بشأن الملف الليبي، وذلك قبل إحاطة سيقدمها الأسبوع المقبل.
ولطالما اشتكت الجنائية الدولية من عدم التعاون في تسليم المطلوبين الليبيين، وهو ما ظهر بوضوح عندما سمحت السلطات الإيطالية، مطلع العام الجاري، بعودة المسؤول السابق في جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم إلى ليبيا بعد احتجازه لأيام، رغم انه مطلوب لدى المحكمة الدولية على ذمة قضايا تتعلق بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، فيما يوحي تسليم السلطات الألمانية، الأسبوع الماضي، القيادي البارز في "جهاز الردع" خالد الشهري إلى المحكمة التي تتخذ في مدينة لاهاي مقراً لها، بعدما كانت أوقفته قبل شهور، تنسيقاً دولياً بدأ يتبلور.

واكب ذلك قرار أصدره النائب العام الليبي بسجن أسامة نجيم على ذمة التحقيقات في اتهامات بـ"التعذيب وقتل سجين"، من دون أن يشير إلى تسليمه الى الجنائية الدولية، ما يطرح علامات استفهام حول ما إن كانت الخطوة استجابة للضغط الدولي وستتبعها ملاحقة مطلوبين آخرين دولياً، بعضهم يشغل مناصب أمنية عليا، أم أنها جاءت في إطار تصفية الحسابات مع نجيم بعدما تحول إلى خصم لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة؟
وقالت النيابة الليبية في بيان، إنها حققت في وقائع انتهاك حقوق نزلاء مؤسسة الإصلاح والتأهيل في طرابلس المنسوبة إلى المتهم، كما استجوبته بشأن ملابسات انتهاك حقوق عشرة نزلاء والتسبب بوفاة نزيل نتيجة التعذيب، وقد خلصت إلى إحالة المتهم، وهو قيد السجن الاحتياطي على القضاء.
ويشتبه في أن نجيم قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سجن معيتيقة بدءاً من شباط (فبراير) العام 2015، بما في ذلك القتل العمد والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي.
وكان الدبيبة كرر قبل أيام تعهداته المضي في "إنهاء وجود التشكيلات المسلحة خارج مؤسسات الدولة"، كاشفاً أن النائب العام أبلغه أخيراً أنه "للمرة الأولى منذ عام 2011 لا يوجد أي سجين خارج ولاية القضاء". واعتبر الدبيبة أن الإجراء المتخذ بشأن نجيم "تجسيد لقدرة القضاء على تطبيق القانون من دون استثناء".
و"لم تُعلن الجنائية الدولية رسمياً عدد القادة الأمنيين المطلوبيين لديها، إذ إنها تعمل وفق أوامر قبض سرية لا تُعلنها إلا عند الضرورة"، وفق الناشط الحقوقي الليبي طارق لملوم، الذي يُشير لـ "النهار" إلى أن من أبرز المطلوبين لدى المحكمة المعلن عنهم، بالإضافة إلى نجيم والشهري، نجل الرئيس الليبي الراحل سيف الإسلام القذافي، بالإضافة إلى ستة قياديين في المجموعة المسلحة المسماه "الكانيات" وعلى رأسهم عبد الرحيم الكاني، المتهمين بجرائم ضد الانسانية بعد الكشف عن مقابر جماعية في مدينة ترهونة شمال غرب ليبيا.
أما على مستوى العقوبات الدولية التي تتوزع بين مجلس الأمن، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، فهناك عدد من الأسماء البارزة المتهمة بالقتل خارج القانون، والاتجار بالبشر، وعلى رأسهم كان عبدالرحمن ميلاد المعروف بـ"البيدجا"، الذي اغتيل أواخر العام الماضي. وقائد ميليشيات "لواء الصمود" صلاح بادي، وفق لملوم.
وإذ يُلاحظ "مؤشرات على جدية التحركات الدولية الأخيرة، مقارنة بالسنوات الماضية، خصوصاً مع عودة المحكمة الجنائية بقوة إلى ملف ليبيا، وكذلك الضغط المتزايد من دول أوروبية بشأن الانتهاكات ضد المهاجرين والاتجار بالبشر"، يعتبر أن اجتماع مجلس الأمن المغلق في حضور المدعي العام "أمر نادر ويعكس حساسية الوضع، مع تكرار الأمم المتحدة الحديث عن ضرورة وضع حد للإفلات من العقاب".
يعتبر لملوم أن قرار سجن نجيم، "جاء في لحظة تتكثف فيها الضغوط الدولية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ما يجعله أقرب إلى خطوة استعراضية لإظهار وجود تحرك قضائي محلي يخفف من وطأة تلك الضغوط، لكن من جهة ثانية، لا يمكن فصل القرار عن الصراع السياسي داخل الغرب الليبي، حيث يُنظر إليه كجزء من تصفية حسابات بين رئيس الحكومة وخصومه داخل الأجهزة الأمنية، خصوصاً أن ملف تسليم المطلوبين يمس بتوازنات يصعب المساس بها"، مؤكداً أن "لا مؤشرات جدية على نية السلطات المحلية التعاون مع الجنائية الدولية، وتسليم المطلوبين".
ويضيف: "سيظل هذا الملف معلّقاً بين ضغوط دولية تسعى لإرسال رسائل سياسية حاسمة وبين سلطات محلية تحاول امتصاص هذه الضغوط دون الاقتراب من التحالفات المسلحة التي تستند إليها في بقائها. وقد عززت التجارب السابقة قناعة المجموعات المسلحة بأن المحاسبة الدولية لا تنعكس محلياً، فحتى من فُرضت عليهم عقوبات دولية في مدن مثل الزاوية ما زالوا يمارسون نفوذهم، ويلتقون الحكومة، ويظهرون في مناسبات رسمية من دون اكتراث بالعقوبات. وهذا الواقع رسّخ لدى بقية الميليشيات شعوراً بأنهم في مأمن من أي مساءلة داخلية، ما داموا محميين بنفوذهم".
وبالمثل يطالب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أحمد حمزة في تصريح لـ"النهار" السلطات الليبية بتسليم نجيم إلى الجنائية الدولية، إلى جانب جميع المطلوبين الآخرين، لضمان محاسبتهم وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ومن أجل ضمان تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا وإنهاء الإفلات"، مشدداً على "أهمية التزام السُلطات الليبية التعاون مع الجنائية الدولية وإحترام اختصاصها في الجرائم المرتكبة في ليبيا".
نبض