منتخب إنكلترا بوجه مختلف تحت قيادة توخيل

ما بين الظلام الذي خيّم على عاصمة الضباب، والهدوء الذي سيطر عليها منذ صمت زئير الأسود الثلاثة، جاءت لحظة التغيير التي طال انتظارها. الألماني توماس توخيل أتى ليشعل أول شعاع نور في الملاعب الإنكليزية، فيبعث الحياة مجدداً في المدرجات التي أنهكها الإحباط واليأس، ويعيد الأمل الى جماهير فقدت الحلم بالعودة إلى المجد الأوروبي والعالمي منذ سنوات طوال.
منذ لحظة توليه القيادة الفنية للمنتخب الإنكليزي، بدا توخيل مدركاً تماماً ما يريد أن يفعله. هدفه لم يكن إعادة النتائج الجيدة فحسب، بل بناء منتخب متوازن يجمع بين خبرة المخضرمين وحيوية المواهب الشابة. فقد أراد فريقاً لا يعتمد على أسماء نجومه، بل على نظام متكامل وهوية واضحة تعكس روح الـ"بريميرليغ"، من حيث الانتشار التكتيكي والضغط العالي وسرعة التحوّل من الدفاع إلى الهجوم.
في ست مباريات رسمية فقط تحت قيادته، نجح توخيل في إعادة صوغ المنتخب كلياً. منتخب إنكلترا الذي كان يعاني من التذبذب الفني، تحوّل تحت قيادته إلى منظومة مترابطة تعتمد على الضغط الأمامي المنظم، والدفاع من منتصف الميدان، واللعب من العمق بتنوّع مراكز المهاجمين وتبادل الأدوار داخل الملعب.
النتيجة كانت ستة انتصارات متتالية بلا أي خسارة أو هدف في مرماه، وسجل الهجوم 15 هدفاً، ليصبح المنتخب الإنكليزي أحد أقوى خطوط الهجوم في التصفيات، وأصلبها دفاعياً. ومع الفوز الأخير بثلاثية نظيفة على ويلز، باتت إنكلترا على بُعد خطوة واحدة فقط من حسم التأهل إلى كأس العالم 2026، إذ تحتاج إلى الفوز في المباراة المقبلة أمام لاتفيا لتضمن بطاقة العبور رسمياً.
قد يرى البعض أنّ المنتخبات التي واجهها توخيل، مثل صربيا وأندورا ولاتفيا وألبانيا وويلز، لا تمثل تحدياً حقيقياً، لكن التحوّل في الأداء والهوية لا يمكن تجاهله. هذه هي الأسماء نفسها التي كانت تلعب تحت قيادة غاريث ساوثغيت من دون أن تقدم شيئاً يُذكر، لكنها اليوم تلعب بإبداع وتحرّر وثقة. توخيل لم يغير اللاعبين فحسب، بل غيّر عقليتهم وطريقة تفكيرهم، وجعل كل مباراة تبدو أسهل من سابقتها بفضل مرونته التكتيكية وقدرته على التكيّف مع خصومه.
توماس توخيل يدرك أن الطريق نحو المجد لا يزال طويلاً، لكن الأسس وُضعت بوضوح. منتخب إنكلترا بات يمتلك هوية، شخصية، وتنظيماً يجعله منافساً حقيقياً على أعلى المستويات.