"المصالح" تتحكّم بمسار الكرة المصرية
في عالم كرة القدم، من المفترض أن تكون القوانين واللوائح التي أقرّها الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات المحلية هي المرجع الأساسي لضمان تطبيق العدالة على الجميع بلا استثناء، بعيداً عن هوية النادي أو مكانته. لكن الواقع في مصر يظهر أوجه قصور واضحة في تحقيق العدالة، إذ يجري انتهاك اللوائح أو تعديلها وفقاً للمواقف وطبيعة الأندية المستهدفة، مما يخلق بيئة غير متوازنة تسيطر عليها المصالح الشخصية، ويفقد النظام نزاهته وصدقيته.
فضح الموسم الحالي العديد من المشكلات العميقة التي تقف عائقاً أمام استعادة الكرة المصرية ريادتها أفريقياً وعربياً، والتي يتحمّل مسؤوليتها بالدرجة الأولى القيّمون على اللعبة، إذ شهدت سلسلة من الأحداث التي أكدت أنّ التأثير الأكبر على مجريات الأمور يعود إلى الأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك، إلى جانب أندية أخرى مدعومة جماهيرياً أو مادياً كنادي بيراميدز المستحدث.

إحدى أبرز الأزمات التي كشفت قصور القدرة الإدارية في تطبيق اللوائح بشكل متساوٍ كانت مباراة القمة بين الأهلي والزمالك. فبدلاً من تطبيق العقوبات المعتادة بخصم نقاط إضافية من الأهلي بسبب انسحابه، اكتفى الاتحاد باعتباره خاسراً بثلاثة أهداف فقط، مبرّراً ذلك بتغيير اللوائح من دون تقديم أيّ تفاصيل.
وفي إطار محاولات الحفاظ على مصالح البعض على حساب العدالة، قرّرت الجهات المسؤولة إلغاء الهبوط في هذا الموسم لحماية نادي الإسماعيلي من مغادرة الدوري الممتاز. جاء القرار بذريعة مكانة النادي التاريخية وقاعدته الجماهيرية الكبيرة، وبموافقة ضمنية من الأندية الكبرى كالأهلي والزمالك. هذا القرار لم يكتفِ بضرب القوانين بعرض الحائط فحسب، بل قتل المتعة التنافسية التي سادت طوال الموسم.
الممارسات غير النزيهة لم تقتصر على الموسم الحالي فقط، فقد كان للمواسم السابقة نصيبها من القرارات الكارثية، أبرزها عندما أعلن نادي الزمالك انسحابه من إحدى مباريات القمة سابقاً، ونصّت اللوائح حينها على خصم النقاط وهبوط الفريق المنسحب. ورغم ذلك، لم يُطبق بند الهبوط بحجة أنّ الزمالك يُعتبر أحد قطبي الكرة المصرية ولا يمكن إسقاطه.
كذلك، تضمنت مشاركة الزمالك في البطولات الأفريقية - رغم ديونه - انتهاكاً واضحاً بما يتعارض مع لوائح الـ"كاف"، التي تمنع مشاركة الأندية المديونة. وبدلاً من احترام تلك القوانين، حصل الزمالك على ترتيبات لجدولة ديونه بشكل لم يتم إيضاح آلياته، والسماح له بتسجيل لاعبين جدد رغم إيقاف قيده، إضافة إلى منح نادي بيراميدز رخصة نادٍ محترف من دون استيفاء المتطلّبات الأساسية.
كل هذه الانتهاكات تُشير إلى أنّ الكرة المصرية أصبحت أسيرة مصالح شخصية لا علاقة لها بالقانون، وتفتقر إلى العدالة والمساواة. وإذا لم يحصل تغيير جوهريّ يُعيد ترتيب الأمور وفقاً لأسس شفافة وقواعد ثابتة تُطبق على الجميع، فإنّ النهاية الحتمية ستكون انهيار المنظومة الكروية بالكامل.
نبض