الفرق بين لبنان والدول المتطورة: ليس التكنولوجيا فقط… بل النظافة أيضاً

لينا مراد
عندما نسافر إلى دول أجنبية متطورة مثل فرنسا أو بريطانيا، أو حتى إلى دول عربية مثل دبي وقطر والسعودية، نُدهش من مشهد الشوارع النظيفة والساحات المرتبة، فلا نفايات مرمية على الطرق أو أكياساً تتطاير في الهواء.
لكن، ما إن نعود إلى لبنان، حتى نصطدم بالواقع المرير: نفايات على الأرصفة، أكواب بلاستيكية على الشاطئ، وأكياس متناثرة في الحدائق العامة.
السؤال البديهي هنا: ما الفرق؟ أهي فقط مسؤولية الدولة؟ أم أن المشكلة أعمق وتتعلق بثقافة المجتمع وسلوك أفراده؟
في لبنان، تتوزع النفايات على مختلف المناطق بشكل بات مشهداً مألوفاً ومؤلماً في آن واحد. ففي بيروت وضواحيها، ولاسيما منها برج حمود والجديدة، تتكدّس النفايات في الطرق والمطامر المكتظة. أما في جبل لبنان والشمال وعكار، فالمطامر العشوائية تتكاثر وتحوّل القرى إلى بؤر تلوث دائمة.
وعلى طول الشواطئ، من صور إلى جبيل، تعج الرمال والمياه بالبلاستيك وبقايا النفايات التي تحملها الأنهار إلى البحر. وحتى مطمر الناعمة الذي كان حلاً موقتاً، تحوّل مع الوقت إلى رمز للأزمة البيئية.
لا تعكس هذه المشاهد نقصاً في الإمكانات، فالمشهد لا يختلف كثيراً في البقاع عن باقي المناطق اللبنانية. فالمكبات العشوائية تنتشر على أطراف القرى والبلدات، وغالباً ما تُحرق النفايات في العراء، فتنبعث منها روائح خانقة ودخان ملوّث يهدد صحة السكان. الأنهار التي تشقّ السهل البقاعي، مثل الليطاني، تحوّلت إلى مجرى يحمل نفايات صلبة وسائلة معاً، ما جعل التلوث البيئي يتضاعف ويؤثر مباشرة على الزراعة والمياه الجوفية. هذه الأزمة في البقاع ليست مشكلة نظافة فحسب، بل خطر بيئي وصحي يهدد واحدة من أغنى المناطق الزراعية في لبنان. بل غياب في الإدارة والوعي، ما يجعل لبنان من أكثر الدول العربية معاناة من أزمة النفايات.
دولة ومواطن
لا شك في أن الدولة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، من خلال غياب سياسات واضحة لإدارة النفايات، وضعف البنية التحتية لمعالجتها أو إعادة تدويرها، إضافة إلى التقصير في فرض القوانين والرقابة.
لكن هل يبرر ذلك تصرفات الناس؟ بالتأكيد لا. فالمواطن الذي يرمي علبة مياه في الشارع أو يترك بقايا طعامه في الحديقة شريك في هذه الكارثة البيئية. كيف يمكن بلداً أن يكون نظيفاً إذا كان أبناؤه لا يحترمون شوارعه ولا يعتبرونه بيتهم الكبير؟
ثقافة النظافة
في الدول المتطورة، النظافة ليست خدمة عامة توفرها الدولة فحسب، بل ثقافة مجتمعية يلتزمها الفرد قبل أن تُفرض بالقانون. الطفل يتعلم منذ صغره أن يرمي النفايات في سلة المهملات، والبالغ يعرف أن رمي سيجارة على الطريق فعل معيب قبل أن يكون مخالفاً للقانون.
القوانين في الدول مثل فرنسا و بريطانيا ليست مجرد إرشادات، بل أنظمة صارمة تُطبّق يومياً مع غرامات كبيرة، وهي السبب الأساسي الذي يجعل الناس يترددون قبل رمي أي نفايات في الشارع.
كي نكون أكثر وضوحاً، يمكننا مقارنة القوانين المتعلقة بالنظافة ورمي النفايات في لبنان والدول الأخرى:
النقطة الجوهرية
لكن الفارق الحقيقي ليس في وجود القانون وحده، بل في تطبيقه الفعلي. فالمواطن هناك يعرف أن أي مخالفة ستُسجَّل وتُحاسَب، ما يجعله يحترم النظام العام. أما في لبنان، فرغم وجود قوانين قديمة تحظر رمي النفايات (مثل قانون حماية البيئة رقم 444/2002)، إلا أن ضعف تطبيقها جعل الشارع ساحة مفتوحة للأوساخ، كأن لا رادع ولا مسؤولية.
قانون حماية البيئة في لبنان رقم 444/2002 هو الإطار التشريعي الأساسي لحماية البيئة. نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 29/7/2002، ويتألف من أبواب وفصول عدة.
أهم ما يتعلّق بالنفايات والنظافة العامة:
• المادة 25: تفرض على كل شخص طبيعي أو معنوي واجب عدم رمي أو طرح أو تخزين أي نوع من النفايات في غير المواقع المخصّصة لها.
• المادة 26: تلزم البلديات والسلطات المحلية تأمين أماكن مخصّصة لجمع النفايات ونقلها إلى مواقع المعالجة أو الطمر.
• المادة 27: تمنع حرق النفايات عشوائياً لما يسببه من تلوث.
• المادة 29: تشدد على اعتماد الفرز من المصدر وإعادة التدوير قدر الإمكان.
• المادة 58 وما يليها: تحدد العقوبات: كل من يخالف أحكام القانون يتعرض لغرامات مالية، ويمكن أن تصل العقوبة إلى الحبس إذا تسببت المخالفة بتلوث جسيم أو تهديد للصحة العامة.
القانون 444/2002 وُضع ليؤكد أن حماية البيئة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، وينص على "الحق لكل مواطن في بيئة سليمة ونظيفة"، ويُلزم السلطات تطبيق مبدأ "الملوِّث يدفع" أي أن من يسبب التلوث يتحمل تكلفة إصلاحه.
آن الأوان أن نتوقف عن تعليق كل الأخطاء على الدولة وحدها. فالتغيير الحقيقي يبدأ منّا نحن، من سلوكياتنا اليومية البسيطة: رمي النفايات في مكانها، الحفاظ على الحدائق والشوارع، وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية. هذه التفاصيل الصغيرة تصنع فارقاً كبيراً، وتتحول مع الوقت إلى وعي جماعي راسخ.
النظافة ليست ترفاً، بل حق وواجب، ومسؤولية أمام الوطن وأمام أنفسنا. وكما ننبهر بنظافة شوارع الدول الأجنبية والعربية، حان الوقت أن ننبهر بلبناننا نحن، لبنان الجميل، حين نحافظ عليه كما يستحق.