عيش لبنان 28-07-2025 | 02:14

في جنوبي لبنان... مبادرة تمنح الأمل لسلاحف مهدّدة وشاطئ منسيّ

لم تخطّط فاديا يوماً لتدخل عالم السلاحف، بل وجدت نفسها فيه بعد موقف إنسانيّ بسيط، ترك فيها أثراً عميقاً. 
في جنوبي لبنان... مبادرة تمنح الأمل لسلاحف مهدّدة وشاطئ منسيّ
سلحفاة بحرية على شاطئ المنصوري (النهار)
Smaller Bigger

في أقصى الجنوب اللبناني، وعلى شاطئ لا يزال يحتفظ بجماله الطبيعي وتنوعه البيولوجي رغم كل التحديات، تتكرر مشاهد نادرة تلامس القلب: سلحفاة بحرية تخرج من عمق البحر تحت جنح الليل، تحفر في الرمال بصبر، وتضع بيضها في صمتٍ، ثم تعود إلى المجهول.

 

 

في هذا المكان البعيد عن الصخب، تتكوّن حكاية بيئية لافتة، بطلتُها فاديا جمعة، صحافية لبنانية تحوّلت تدريجياً إلى ناشطة ميدانية. وجدت في هذا الشاطئ أكثر من مشهد جميل... وجدت فيه قضية، ومسؤولية، ورسالة تستحق أن يضحى بالوقت لأجلها.

 

 

بدأ كل شيء قبل نحو عشر سنوات، حين قررت التطوع لحماية السلاحف البحرية على شاطئ "حمى المنصوري"، أحد أهم مواقع تعشيش السلاحف في لبنان.

 

"عيش لبنان": جواز سفر إلى روح بلد يلتقي فيها التاريخ بالأفق
The tourism edition by Annahar
Enter
keywords


كانت أيامها تبدأ مع أول خيوط الفجر على الشاطئ، وتمتد بين التوثيق، وتنظيف الرمال، وتنظيم النشاطات البيئية، وتوعية الناس. شيئاً فشيئاً، تحوّل هذا الجهد إلى مشروع حيّ، ينبض بالشغف والعزم.

 

سلحفاة بحرية على شاطئ المنصوري (النهار)
سلحفاة بحرية على شاطئ المنصوري (النهار)

 

لم تخطّط فاديا يوماً لتدخل عالم السلاحف، بل وجدت نفسها فيه بعد موقف إنساني بسيط، ترك فيها أثراً عميقاً. خلال عملها الصحافي عام 2016، وصلت إليها معلومة عن سلحفاة مصابة على شاطئ الرميلة. بحثت عن جهة مختصة لإنقاذها، فلم تجد، فقررت التدخل بنفسها. كان ذلك الموقف البسيط شرارة البداية لمسار غير متوقع.

 

 

في ما بعد، تعرفت إلى منى خليل، المرأة التي كرّست عقدين من عمرها لحماية السلاحف في المنصوري. تطوّعت جمعة ضمن فريقها، وتدربت ميدانياً على مراقبة الأعشاش وتوثيق البيانات، ثم تابعت مسارها بتعزيز معرفتها عبر دورات تدريبية وتشاركية في جنوبي إيطاليا. وبعدما تُرك الشاطئ من دون حماية لعامين، عادت جمعة لتتسلم زمام المبادرة، ولتشكل مع ابنتها وشابين من أبناء المنصوري فريقاً صغيراً يكمل المسار الطويل الذي بدأته منى.

 

 

من عام 2023، بدأ هذا الفريق الصغير مراقبة الشاطئ كل يوم خلال موسم التبييض، الذي يطل عادة في أيار/مايو. يتابعون آثار السلاحف، يحدّدون أماكن الأعشاش، يغطّونها بشبك لحمايتها من الحيوانات، ويجمعون ما أمكن من معلومات حول الفقس والتكاثر.

 

 

لكن الحكاية لا تقف عند حدود الرمال والمراقبة اليومية.
فاديا تنقل شغفها إلى المدارس، خصوصاً في المناطق الساحلية، وتفتح المجال للزوار والمتطوعين لمعايشة لحظات إطلاق السلاحف الصغيرة نحو البحر، لحظات تختزن أملاً كبيراً في قلب كل من يشاهدها.

 

 

 

في الموسم الماضي، ورغم الحرب والتوترات الأمنية التي شهدها الجنوب، تمكّن الفريق من حماية 52 عشاً من أصل 62، وأطلق نحو 2800 سلحفاة صغيرة، رقم يُعتبر إنجازاً لافتاً في ظل الظروف الصعبة، والبيئة المهددة.

 

 

أما في هذا الموسم، فقد بلغ عدد الأعشاش حتى مطلع تموز/يوليو 53 عشاً، وسط توقعات بتجاوز الـ 60 مع نهاية الموسم. كل هذا يتحقق رغم أن الشاطئ لا يُعد محمية رسمية، بل هو "حمى" ينهض من رحم مبادرة أهلية، ويستقبل سنوياً نوعين من السلاحف المهددة بالانقراض عالمياً: السلحفاة الضخمة الرأس (Caretta caretta) والسلحفاة الخضراء (Chelonia mydas).


 

تقول جمعة: "في الموسمين الماضيين، تلقينا دعماً من مشروع Blue Tyre المموّل من الوكالة الإيطالية للتنمية والتعاون، لكن هذا العام نواصل العمل بإمكاناتنا الذاتية، وسط غياب التمويل".

مشروع حماية السلاحف البحرية في المنصوري لم يولد من مؤسسة، بل من موقف؛ من التزام شخصي تحوّل إلى جهد جماعي؛ من سؤال بسيط: "من يحمي الكائنات التي لا صوت لها؟" إلى واقع بيئي يُكتب كل فجر، في الرمل، بالعرق والإيمان.

 

 

 

"أنا لا أحمي سلحفاة فقط... أنا أحمي حكاية. بدأت بموقف، تحوّلت إلى التزام، وتستمر اليوم على أمل أن نحافظ على ما تبقّى".

رسالة من فاديا إلى الدولة والناس:

"في زمن تُسرق فيه الشواطئ بلا رقيب، ويُحرم الناس من حقهم الطبيعي في الاستمتاع بالبحر، هناك من يعمل بصمت لحماية ما تبقى من جمال هذا الوطن.

إلى الدولة: الشواطئ ليست ملكاً خاصاً، بل حق عام مقدّس، وهي الثروة الطبيعية والملاذ الأخير للناس. حمايتها ليست خياراً، بل واجب. إن الإهمال، والسكوت على الجرائم البيئية والتعديات على المحميات والملك العام البحري هو تخلٍّ عن مسؤولية بيئية وأخلاقية.

 

 

وإلى الناس: حماية الشاطئ تبدأ من الوعي، من احترام المكان، من الدفاع عن حقنا جميعاً بالبحر... وبالأمل.

فلنرفع الصوت معاً لاستعادة الأملاك العامة البحرية، ولحماية الكائنات التي لا تملك إلا رمال هذا الساحل لتستمر في الحياة".

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".