"معاً من أجل صور"... مبادرة جمعت اللبنانيين في قلب المدينة

دخل لبنان اليوم مرحلة جديدة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية المدمرة، ميزانها الاستقرار وعنوانها إعادة الإعمار، وتهيئة ظروفه وشروطه، وسط تقارير تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه في عام 2023 تُقدر بنحو 30 مليار دولار.
وفيما ما زالت معالم الدمار الواسع الذي خلفته الغارات الإسرائيلية تتكشف يوماً بعد يوم، تتزايد معها التساؤلات حول موعد بدء عمليات إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار. ويتساءل اللبنانيون عن قدرة الحكومة على تغطية تكاليف إعادة الإعمار في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم، وغياب أي خطة واقعية لمساعدة المواطنين.
في هذا السياق، برزت مبادرات عدة في مختلف المناطق اللبنانية للبدء بإعادة تأهيل القرى من توفير المياه والكهرباء وحتى تنظيف الشوارع.
في مدينة صور جنوب لبنان، أُطلقت مبادرة لتنظيف المدينة تحت شعار "معاً لأجل صور"، شارك فيها العديد من أبناء المدينة إلى جانب متطوعين من بلدات مجاورة. فما هي تفاصيل هذه المبادرة؟ وكيف انطلقت فكرتها؟ وما هي تجربة المشاركين فيها؟
"تجربة ممتازة"
خرجت فكرة "معاً من أجل صور" من إدارة الصفحة الرسمية لمدينة صور على موقع "إنستغرام" "Tyre Page"، بالتعاون مع بعض الشباب، بهدف تسريع عملية إعادة الإعمار ومساندة البلدية من خلال تنظيف الشوارع وتحسين مظهر المدينة، إضافة إلى تسهيل أمور المواطنين من خلال إزالة الردم من أمام المنازل والمحلات التجارية.
هشام نجدي، مؤسس الصفحة الرسمية لمدينة صور وأحد مطلقي المبادرة، يروي في حديث خاص لـ "النهار" عن تجاوب المواطنين الذي قُدّر عددهم بنحو 500 إلى 600 شخص، واصفاً التجربة بأنها ممتازة.
وقد تجاوبت مع هذه المبادرة جمعيات عدة، بالإضافة إلى مؤسسات أهلية وكشفية ومدارس. كما حضر مواطنون من شمال لبنان بعد أن تم تعميم الحملة على كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أتمت هذه المبادرة هدفها، حيث تم تنظيف نحو 50% من شوارع مدينة صور، بينما سيُكمل بقية العمل ناصيف سقلاوي مدير عام "الريجي" في لبنان، وفق ما يشير نجدي.
ويكشف نجدي في ختام حديثه عن مشاريع أخرى تهدف إلى تعزيز ثقة الناس بمدينة صور.
وتعرضت مدينة صور الواقعة في جنوب لبنان والمطلة على البحر، إلى قصفٍ كثيف من قبل الجيش الإسرائيلي.
وتُعتبر صور وجهة سياحية مهمة، حيث يستقطب تاريخها الغني ومعالمها السياحية الزوار من مختلف أنحاء العالم. وتشتهر بتنوعها الثقافي، حيث تضم سكاناً من مختلف الطوائف والأعراق.
"ستعود أجمل مما كانت"
من المشاركين في مبادرة "معاً من أجل صور" زينب خليل، الناشطة الاجتماعية التي واكبت الحرب الإسرائيلية منذ بدايتها في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ووثقت خلالها صمود الأهالي وأظهرت الصورة الجميلة لجنوب لبنان.
ومع انتهاء الحرب، عادت زينب إلى هدفها في إبراز الجمال في المناطق الجنوبية وأهلها، بالإضافة إلى المساهمة في تنظيف القرى. من هنا، جاءت رغبتها في المشاركة في حملة "معاً من أجل صور"، حيث تعني لها المدينة الكثير.
فكرة الحملة كانت جميلة وناجحة، كما وصفتها زينب، التي تفاجأت بعدد المشاركين من مختلف المناطق اللبنانية، مما يدل على المحبة التي يكنها اللبنانيون لمدينة صور.
ساهمت الحملة في تقريب الناس من بعضهم البعض والتعرف على أشخاص جدد في جو من الألفة والمحبة، وفقًا لما ذكرته الناشطة الاجتماعية.
ومع تأكيدها على معاودة المشاركة في مبادرات مشابهة في مختلف المناطق اللبنانية، تشير خليل في حديثها لـ"النهار" إلى المشاهد المؤثرة في صور جراء الدمار الواسع الذي حلَّ بها.
الناشطة الاجتماعية متيقنة من أن صور ستعود أجمل مما كانت عليه، وأن مثل هذه المبادرات مهمة في جميع المناطق.
يعتمد لبنان بشكل كبير على المبادرات الفردية في مواجهة الأزمات. ورغم التحديات الكبرى، تبقى الجهود الفردية مصدر أمل يبرهن على قدرة المواطنين على مواجهة الظروف الصعبة بروح من التضامن والمبادرة، ما يعكس قوة المجتمع اللبناني وقدرته على الصمود والنهوض.