الطاشناق: حضور صامت أو غياب مقصود؟

سياسة 03-10-2025 | 18:13

الطاشناق: حضور صامت أو غياب مقصود؟

خلال السنوات العشرين الأخيرة أدى الطاشناق دور "البيضة في الميزان"، خصوصا في منطقة برج حمود والمتن، حيث شكل صمام أمان بوجه أي انزلاق أمني يطال الشارع الأرمني.
الطاشناق: حضور صامت أو غياب مقصود؟
لوغو الطاشناق. (مواقع)
Smaller Bigger

في خضمّ التحولات الكبرى التي عصفت بلبنان خلال العقدين الأخيرين، يبرز غياب شبه كامل لحزب الطاشناق عن الواجهة السياسية. هذا الحزب الذي يُعدّ أقوى التكتلات الأرمنية في لبنان، وواحدا من أبرز مكونات النظام الطائفي، اختار أن يلازم الظلّ أكثر مما يسعى إلى الضوء. لكن هل هو غياب حقيقي أو مجرد استراتيجية مدروسة؟

منذ عام 2005، ومع الانقسام العمودي بين فريقي 8 و14 آذار، حسم الطاشناق تموضعه إلى جانب محور 8 آذار، متحالفا مع "حزب الله" وحركة "أمل" و"التيار الوطني الحر". هذا التموضع ثبّت له موقعا آمنا يضمن له حضورا في السلطة، سواء عبر المقاعد النيابية في المتن أو من خلال المشاركة في الحكومات، لكنه في المقابل قلّص هامش استقلاليته وحضوره الإعلامي.

خلال السنوات العشرين الأخيرة أدى الطاشناق دور "البيضة في الميزان"، خصوصا في منطقة برج حمود والمتن، حيث شكل صمام أمان بوجه أي انزلاق أمني يطال الشارع الأرمني. غير أنه لم يتخطَّ هذه الوظيفة المحلية إلى دور سياسي وطني فاعل.

 

مجلس النواب اللبناني. (مواقع)
مجلس النواب اللبناني. (مواقع)

 

ومع انطلاق ثورة 17 تشرين 2019 وما رافقها من غضب شعبي، اختار التزام الحذر، فحافظ على تحالفاته التقليدية وابتعد عن لغة المواجهة، مدركا أن جمهوره الأرمني يفضّل الاستقرار والخدمات على المغامرات السياسية. ومنذ الانهيار المالي والاقتصادي، غرق أكثر في العمل الأهلي والبلدي، في وقت فضّل الانكفاء عن المشهد الإعلامي الصاخب، وخصوصا أن الطائفة الأرمنية شهدت في هذه الفترة هجرة كبيرة.

 

في الانتخابات النيابية عام 2022، بقي الطاشناق أسير "ظل" التيار، بحيث بدا حضوره ذائبا داخل خطابه وخياراته. الأمر نفسه تكرر في الحكومة الأخيرة، حيث اكتفى بتمثيل رمزي من دون رفع سقوف سياسية مستقلة.
حتى في المحطات المفصلية الأخيرة، من الفراغ الرئاسي إلى أزمات الحكومة والصدامات المتكررة بين القوى الكبرى، نادراً ما سُمع صوت الطاشناق. كأنّ الحزب تعمّد تبني سياسة "الصمت الإستراتيجي"، ولوحظ غيابه بالكامل عن الملفات الأساسية، تاركا لنفسه هامشا للتحرك فقط عندما تتعلق القضايا المباشرة بالوجود الأرمني في لبنان.

 

ينفي الطاشناق الذي جدد قيادته حديثا هذا الأمر، مؤكداً أنه لم يكن تاريخيا رأس حربة لأحد في لبنان، وأنه مشارك في الحكومة وملتزم بيانها الوزاري في الأمور السيادية والسياسية، وبخلاف "التيار الوطني الحر" انتخب الرئيس جوزف عون، ويؤيد اقتراع المغتربين خارج دائرة النواب الستة، وبالتالي هو حزب موجود وله رأيه ولا يغيب عن أي شأن، وفي الوقت نفسه لا يذوب في أحد.

 

هذا السلوك ليس غيابا عشوائيا بل خيار تكتيّ: الطاشناق يدرك أنه حزب طائفي قبل أي شيء آخر، وأنّ جمهوره يبحث عن ضمانات في دولة مأزومة أكثر مما يبحث عن بطولات سياسية. لذلك يركّز على النفوذ البلدي والخدماتي، وعلى حماية وحدة المجتمع الأرمني بين الطاشناق والهنتشاك والرامغافار، بدل الانخراط في صراعات كبرى قد تهدد هذا التوازن.

 

المستقبل القريب يضع الطاشناق أمام اختبار مزدوج: من جهة، الاستحقاقات الوطنية الكبرى، وأبرزها الانتخابات النيابية المقبلة التي ستفرض عليه تحديد موقعه بدقة بين التحالف مع "التيار الوطني الحر" أو الانفتاح على قوى أخرى. ومن جهة ثانية، الحفاظ على تماسك الطائفة الأرمنية في ظل أزمات الهجرة والتراجع الديموغرافي.
 قد يجد الحزب نفسه مضطرا إلى إعادة صياغة خطابه السياسي بما يتخطى حدود الطائفة، كي لا يبقى مجرد "قوة تمثيلية" محلية. فالمجتمع الأرمني، رغم خصوصيته، يتأثر مباشرة بالأزمات اللبنانية، وقد يطالب بمواقف أكثر وضوحا في ملفات كبرى كالسلاح غير الشرعي، والإصلاحات الاقتصادية، والسيادة الوطنية.

 

ولكن، في ضوء النهج التاريخي للطاشناق، من المرجح أن يواصل سياسة "الحذر والبراغماتية"، أي أن يبقى ثابتا في تحالفه مع محور 8 آذار، مع إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع القوى الأخرى، حفاظا على دوره لاعبا صامتا يفضّل ضمان المكاسب الصغيرة على خوض المعارك الكبرى.

  
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.