جعجع يحذّر من فقدان الدولة اللبنانية مصداقيّتها: اتّفاق وقف النار واضح

أكّد رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع "أننا اليوم في وضع دقيق جداً". وقال: "منذ دخلنا العهد الجديد مع انتخاب رئيس الجمهوريّة وتشكيل الحكومة الجديدة، نُفذت خطوات لا بأس بها إلى الأمام، فعلى الأقل، إن رائحة الفساد الكريهة التي كانت تُغلق الأنوف لم تعد موجودة، وهذا شيء جيد، كما أن التعيينات التي أُقرّت قد لا تكون الأفضل، ولكنّها أفضل مما كان يحصل سابقاً، وهذا كله جيد. ولكن هناك نقطة جوهرية، كَثُرَ الحديث عنها ولا سيما في الأسبوعين الأخيرين، وهي نقطة سيئة جدّاً جدّاً، وتُهدد كل أمل بخلاص لبنان. هذه النقطة هي أن البعض عاد ليتكلم على أن هناك سلاحاً لحزب الله شمال الليطاني وسلاحاً للحزب جنوب الليطاني".
وشدّد على أنه "لا يوجد شيء اسمه جنوب أو شمال الليطاني، وفي هذا الإطار إذا ما أردنا أن نعتمد القرار 1701، فهو واضح جدّاً جداً جداً، أما إذا أردنا أن نعتمد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أقرته الحكومة اللبنانية في تاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فهو أيضاً أوضح وأوضح وأوضح، والنتيجة أنه على كامل الأراضي اللبنانيّة، لا يجوز أن يكون هناك سلاح خارج الجيش اللبناني، ويجب تفكيك البنى العسكرية غير الشرعية كلها".
واعتبر أن "هذه النغمة التي بدأنا نسمعها من جديد، هي نغمة مدمّرة، ولا علاقة لها لا بخطاب القسم، ولا بالبيان الوزاري، ولا بالقرار 1701، ولا بالقرارات الدولية، وبالأخص لا علاقة لها باتفاق وقف إطلاق النار الذي أقرّته الحكومة اللبنانية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024". وقال: "انتبهوا، الدول لا تفهم "الزعبرة" التي تعوّد عليها اللبنانيون! هذه "الشطارة" اللبنانية قد تنفع قليلاً بعضنا بين بعض، لكنها لا تنفع على المستوى العربي والدولي. فإذا - لا سمح الله - فقدت الدولة الجديدة، التي وُلدت بعد الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة، صدقيّتها، فإننا سنكون أمام مشكلة كبيرة جداً، باعتبار أننا سنحتاج الكثير من الوقت لنحصل على فرصة جديدة، ولنستعيد الصدقية والأصدقاء، كي نحاول بناء البلد من جديد. بالتالي، هذه الأمور ليست مزاحاً، ولسنا نتسلّى بسجالات داخلية بين مختار قال شيئاً ورئيس بلدية قال شيئاً آخر! الموضوع بالغ الدقّة والخطورة، ومن المفترض أن تُعبّر الحكومة، في أسرع وقت ممكن، عن موقفها بكل وضوح وبكل صراحة، بغض النظر عما تستطيع تنفيذه حالياً. لكن موقفها يجب أن يكون واضحاً وصريحاً، لأنه لا شيء يوصل إلى نتيجة سوى الوضوح والصراحة".
كلام جعجع جاء خلال العشاء السنوي لجهاز تفعيل دور المرأة، تحت عنوان: "قوّة وقدوة"، الذي أقيم في معراب، في حضور ممثلة السيدة الأولى نعمت عون لينا قماطي، النواب: ستريدا جعجع، أنطوان حبشي، غادة أيوب، نزيه متى، شوقي الدكاش ممثلاً بزوجته تانيا شوقي الدكاش، الوزيرة السابقة منى عفيش، عضو الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة القاضي سمرندا نصار، عضو الهيئة التنفيذيّة في حزب "القوّات اللبنانيّة" مايا زغريني، الأمين المساعد لشؤون الإدارة رفيق شاهين، رئيسة جهاز تفعيل دور المرأة في الحزب سينتيا الأسمر، وحشد من السيدات الفاعلات في المجتمع في مختلف المجالات.
وأشار جعجع إلى أنه لا يدري من أين جاء البعض بهذه "الترجومة" بأن هناك فرقاً بين الجنوب والشمال، أو أن سلاح الشمال "بحاجة إلى بحث"، وقال: "أي بحث هو هذا؟ لقد نوقش هذا الأمر عشرات ملايين المرات، وهو واضح جداً في اتفاق وقف إطلاق النار، وواضح جداً في القرار 1701، وكذلك في القرارات الدولية الأخرى كلها، مثل 1559 و1680، وبالتالي، في هذا المجال، أشعر بأن هناك نوعاً من المراوحة، ولكن هذه المراوحة ليست بلا ثمن! هي مضيعة للوقت، ولبنان بأمس الحاجة إلى الوقت هذا والإسراع في التنفيذ كي ينهض بمختلف مناطقه وبجميع أبنائه، وما يحصل اليوم لا يُمكّنه من النهوض، ولن يمكنه من النهوض، فالمعادلة واضحة".
وأوضح جعجع أن "المشكلة في أن البعض إذا قلت له "غداً ستمطر"، ثم أمطرت فعلاً، يُلقي اللوم عليك وكأنك أنت من أنزل المطر! تقول لهم: أنا لدي ميزان، ورأيت فيه أن المطر آتٍ، فأبلغتكم. فتصبح أنت من "يسبّب" الشتاء وأنت من جعل المطر يهطل!؟ في حين أنك لا تملك القدرة على جعل المطر يهطل أو منعه إن كان آتياً. وعندما توضح لهم هذه المسألة، يجيبونك: "هذه مقولة من عند العدو الإسرائيلي!" فكفى! لقد سئمنا من هذه المقاربة السخيفة حيث إن كل ما لا يعجبكم هو من عند "العدو الإسرائيلي". فقد طحنتمونا بخطابكم هذا منذ خمسين سنة حتى اليوم، ولم نحصد من نتائج خطابكم ومقاربتكم سوى المزيد من الخسائر والهزائم، حتى دُمّر نصف لبنان، ولا تزالون مصرّين على المقاربة نفسها! ما هكذا تُقارب الأمور. يجب أن تُقارب الأمور بمنطق وأن يكون السؤال: "ماذا يجب أن نفعل لكي نُنقذ شعبنا في الوقت الراهن؟" والجواب واضح تماماً: هناك هيبة وصورة للدولة اللبنانية، وإذا لم تُصحَّح، فلا تظنوا أننا سنستطيع أن نكسب شيئاً".
وتابع جعجع: "إن لم تُصحَّح صورة الدولة اللبنانية وهيبتها، فسيبقى أولاً الوضع الأمني هشاً كما نراه: اعتداء هنا، واعتداء هناك. ثانياً، إذا لم تُصحح هذه الأمور، فلن يعترف أحد بالدولة الجديدة في لبنان، وسيعتبرونها امتداداً لما كان قبلها، وبالتالي لن يساعدها أحد على الإطلاق".
وشدّد على أنّنا "إذا استمررنا على ما نحن عليه اليوم، فسنبقى في وضع غير مستقر داخليّاً، وسنبقى في وضع من عدم الاعتراف الفعلي بنا من الخارج. ونرى كيف أن كل ما يحاول رئيس الجمهورية القيام به من جهود لا يثمر، فعلى سبيل المثال، إحدى الخطوات المطلوبة هي رفع الحظر عن سفر الخليجيين إلى لبنان، لم نتمكن من تحقيقها. لماذا؟ هل لأنهم لا يحبّون رئيس الجمهورية؟ هذا غير صحيح، بل على العكس، هم يحبونه، ولكن لأنهم يعتبرون أنه لا توجد دولة جدّية في لبنان. وهذه الدولة تصبح دولة جدّية عندما تتوقف عن الاستيقاظ في أي صباح لتُفاجأ بأن صواريخ قد أُطلقت من لبنان، من دون أن يعلم أحد من أطلقها أو كيف. أو مثلاً بالنسبة لموضوع السلاح في المخيمات الفلسطينية. إن الأمر الذي لا أفهمه هو: لماذا لا يزال هناك سلاح في المخيمات الفلسطينية؟ لقد اتفقنا في الحوار الوطني، بعد نقاشات طويلة استمرت ساعات وساعات، على نزع سلاح الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها. وحتى الرئيس محمود عباس شخصياً، والسلطة الفلسطينية ذاتها، أكّدا في أكثر من مناسبة أنهما مع الدولة اللبنانية في أي إجراء تتخذه في هذا المجال. فهذه الأرض أرضها، وهي صاحبة السيادة عليها. ولكن المطلوب هو أن يُمارس أصحاب السيادة هذه السيادة، إذ لا يمكن للسيادة أن تتحقّق بمفردها وأن تثبت ذاتها".
واستطرد جعجع: "متى تصبح الدولة جدّية؟ تصبح كذلك عندما لا يعود هناك أي سلاح، ولا خلايا أمنية، ولا قرار حرب أو سلم خارجها. حينها فحسب تعود الدول إلى إقامة علاقات معنا، ويُحتمل حينها أن يتحسّن وضعنا، ويُحتمل أن يتحسّن اقتصادنا، ويُحتمل أن نعود نصدر ونستورد، ويُحتمل أن نتمكن من إعادة الإعمار. إلا أننا في الوضع الراهن الآن، فالأمور مغايرة تماماً لذلك، لدينا ما بين عشرين وثلاثين أو أربعين قرية في الجنوب، "الله يعين أهلها"، فقد مضى على تهجيرهم تقريباً عام كامل، منذ بدأ ما سُمي "حرب الإسناد"، التي تبيّن أنها حرب إسناد لإسرائيل، لا لأي شيء آخر. فهي لم تنفع غزة وأضرّت بلبنان، وساعدت إسرائيل على شنّ هذه الحرب الشعواء والضروس علينا. هؤلاء الناس سيكملون السنة خارج بيوتهم. فماذا ستفعلون بهم؟ لا أحد يُفكر بهم، وباسمهم يُنجَز كل ما يُفترض ألا يتم إنجازه، من تعطيل لإعادة الإعمار، ومنع عودتهم إلى بيوتهم، وحرمانهم من حياة طبيعية ولو ليومين، ليستمر الناس في الموت ساعة هنا وساعة هناك، كما ترَون".
وكان جعجع قد استهل كلمته، بتوجيه تهنئة كبيرة لرئيسة جهاز تفعيل دور المرأة في حزب "القوّات اللبنانيّة" سينتيا الأسمر، وقال: "التهنئة مردها ليس لأنها نظّمت هذا الاحتفال اليوم فحسب! فكما تعلمون، قد يكون لدينا احتفال يُنظم في معراب كل يوم، ولكن بصراحة، خلال الخمس عشرة سنة السابقة، كانت سنتيا مثالاً للالتزام، ومثالاً للالتزام الصامت، وهذا هو الأهم، لأنه يوجد الكثير من الأشخاص الذين يتكلمون ويتكلمون ويتكلمون ولكنهم لا يفعلون شيئاً، وهناك أشخاص يعملون ويعملون ويعملون ولا ينطقون بشيء. لذلك أود أن أوجّه لها تحية كبيرة. لقد كانت مثالاً أتمنى أن يكون مثالاً يُحتذى به في ما يتعلق بدور المرأة في المجتمع".
ورحّب جعجع بممثلة السيّدة الأولى نعمت عون، الدكتورة لينا قماطي، وبالنواب الموجودين، وبالفعاليات، ورؤساء الأجهزة، ورؤساء المصالح، ورؤساء الجمعيات، والرفيقات والرفاق الحاضرين كافة.
وأشار جعجع إلى أن لديه ملاحظتين أساسيتين على النظريات المطروحة كلها في موضوع المرأة، وقال: "أنا لا أشك في نيّات كل من يطرح موضوع حقوق المرأة، لكن لدي شكوك في بعض الطروحات. مثلاً، أول طرح هو موضوع "الكوتا"، فبأي منطق يطرح؟ من المؤكد أنه يجب ألّا يبقى في القانون ما يُميّز الرجل عن المرأة، ونحن بالكامل مع إلغاء كل ما يُميّز. كما أن من المؤكد ألّا تكون هناك عوائق عملية أمام المرأة لكي تعمل في أي مجال تريد. لكن بعد ذلك، علينا أن نترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، أي حيثما تجد المرأة نفسها، تذهب هي بإرادتها، وليس أن نقوم بعملية غسل دماغ أو ضغط أو إكراه لكي تدخل مجالاً معيناً".
وقال جعجع: "سأتناول الآن ما يحصل في الانتخابات البلدية، وخاصة في منطقة بشري. رفيقتنا ستريدا جعجع تصرّ، في كل بلدية من البلديات، على إشراك النساء في المجالس البلدية بنسبة تتراوح بين 30 و35%، بالرغم من أنها تجد صعوبة في بعض البلديات لتحقيق ذلك. وهذا أبرز مثال على أنه عندما يُراد تحقيق هذه الأمور، فإنها تُنفّذ بهذا الشكل العملي، وليس عبر إدخالها في القوانين، أو أن نعطّل الحياة السياسية إن لم ترغب النساء في المشاركة في البلديات أو في النيابة، أو إن لم نجد نساءً يتمتعن بالمواصفات المطلوبة! فهذا تحوير للحقيقة، وتحريف للواقع، وقفز فوق الوقائع، وإذا شئتم، فهو "دفع بالتاريخ". والتاريخ لا يسير بالدفع، بل بالانسياب".
وشدد جعجع على أن "أكبر جمعية تعمل للحفاظ على دور المرأة وتترك لها المجال لتأخذ فرصتها، هي "القوات اللبنانية"، وأكبر دليل هو تاريخنا الذي عبرناه حتى الآن".
وتابع: "النقطة الثانية والأخطر في ما يطرحه دعاة الـ"كوتا"، هي الأسباب الموجبة التي يقدمونها، إذ إن هذه الأسباب تُظهر كأن هناك حرباً كونية بين الرجال والنساء. وأسوأ ما في الأمر أن البعض، لكي يصلوا إلى ما يريدون، يعملون على تقسيم المجتمع إلى رجال ونساء، ووضع بعضهم في مواجهة بعض، من أجل الوصول إلى النتيجة التي يرغبون فيها. وهذه العملية مضرّة جداً على الصعيدين الفكري والفلسفي. من هذا المنطلق، أنا فخور جداً بالنساء المناضلات في صفوف "القوات"، لأنهنّ بالفعل يعملن من دون هذه الخلفيات السلبية، وليس لديهنّ كل هذه الأفكار المسبقة، ولم ينجرفن مع "الموجة"، كما فعل بعض النساء والرجال أيضاً في المجتمع، الذين انجرفوا مع "موجة الكوتا"، فالمسألة ليست أن نقوم بفعل ما هو أسهل، بل أن نلتزم بما هو صحيح، حتى لو كلّفنا ذلك انتخابياً، بالرغم من أنني أرى أن الغالبية الساحقة من الناس تؤيد وجهة نظرنا، وليس وجهة النظر المقابلة. وأكبر دليل هو ما حصل في الانتخابات النيابية تباعاً. لذا كل التهنئة للمناضلات القواتيات، وللمناضلات في مختلف المجالات الأخرى، سواء كنّ في القوات أو خارجها، اللواتي يتمتعن بهذه النظرة المتوازنة للأمور، نظرة ترى المرأة كما ترى الرجل، وتذهب نحو المسؤولية بروح واقعية. من تستطِع أن تعطي كثيراً فلتفعل، ومن لا تستطع أن تعطي كثيراً، فلتقبل بحدود قدراتها، ولتكن سعيدة بما يُقدمه الآخرون – رجالاً أو نساءً".
وختم جعجع كلمته بالقول: "أود أن أتوجّه بالشكر إلى كل شخص حاضر معنا، لأن وجودكم يُغني هذا الاحتفال بكامله. وأتوجّه بشكل خاص بالشكر إلى جميع المناضلين والمناضلات في صفوف القوات، الذين، من لا شيء تقريباً، استطاعوا أن يبنوا قوة سياسية كبيرة، ينظر إليها كثير من اللبنانيين بأمل ويضعون ثقتهم كلها فيها. وبفضل عملهم، وجهودهم، وتضحياتهم بالدم والوقت والجهد والتعب والمال، استطاعوا بناء هذه القوة السياسية التي، بإذن الله، ستكون في أساس خلاص لبنان. كل عام وكل امرأة وأنتم بخير".
وكان قد استهل العشاء بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد حزب "القوات اللبنانيّة"، ومن ثم كانت كلمة رئيسة جهاز تفعيل دور المرأة سنتيا الأسمر.